طائر الإبداع المصرى
مرحبا بك فى موقع ومنتديات مصر اليوم
يسعدنا جدا أن تكون عضوا مشاركا معنا
طائر الإبداع المصرى
مرحبا بك فى موقع ومنتديات مصر اليوم
يسعدنا جدا أن تكون عضوا مشاركا معنا
طائر الإبداع المصرى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى مصرى لكل المبدعين
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 العقل العربى قبل وبعد الإسلام

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
samyadel
مشرف عام المنتدى
samyadel


عدد المساهمات : 1548
تاريخ التسجيل : 27/05/2009
العمر : 44

العقل العربى قبل وبعد الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: العقل العربى قبل وبعد الإسلام   العقل العربى قبل وبعد الإسلام I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 07, 2009 11:37 pm

للأستاذ عمر عبيد حسنه
من كتابه"ألعقل العربى وإعادة التشكيل"
لقد سبق وأن أكدنا، أن المقصود بالعقل، هو الكيفية في الأداء والنشاط، الذي يبذله الفكر الإنساني، نتيجة ما يتوفر له من معارف، ومعلومات، ونتيجة ما يتكون فيه من مبادىء ، وقواعد، تشكل في مجموعها المنظومة العقلية للفرد. وخلال السياق السابق، تم التأكيد على أن بنية العقل، وهيئته لا تأتي من فراغ، بل هي متأثرة سلباً، وإيجاباً، بما يحيط بها من مؤثرات ومشكلات ثقافية وحضارية، فإذا كانت هذه المؤثرات والعناصر الحضارية والثقافية غنية، وجيدة، فسيكون المردود الارتفاع بمستوى العقل، وجعله على مستوى الأحداث والتحديات أما إن كانت العناصر والمؤثرات الحضارية، فقيرة، ورديئة، فحتماً ستكون النتيجة، انحطاط مستوى العقل وضياعه .

العقل العربي كغيره من العقول البشرية، يصدق عليه ما يصدق عليها فهو يتأثر بما يحيط به، من ثقافة، وحضارة، سواء على المستوى المحلي، أو المستوى العالمي، ولكي نتعرف على واقع العقل العربي قبل الإسلام، يتطلب الأمر،أن نحلل، ونشرح، الفترة التاريخية تلك، لنرى ما أهم ميزاتها الثقافية والحضارية، ولكي نقف على أبرز ملامحها، وقنوات الثقافة السائدة، والموجودة في تلك الفترة. ماذا نعني بالعقل العربي ؟

يفرق لالاند Lalande بين نوعين من العقل، الأول هو العقل الفاعل أو المكّون، ويعني به: النشاط الذهني، الذي يمارسه الإنسان، وهذا النوع من العقل، يتوفر لكل بني آدم، عدا الحالات الشاذة، أو حالات التخلف العقلي. أما النوع الثاني، فهو العقل السائد ، وهو يعني مجموعة القواعد والمبادىء، التي تقدمها الثقافة العربية، للمنتمين إليها، كأساس لاكتساب المعرفة، أو هو باختصار: النظام المعرفي(1 ).

لكي تتم عملية التشخيص بشكل موضوعي، يحتاج الأمر تحديد معالم الثقافة العربية، التي أسهمت في تشكيل، وتكوين العقل العربي .

إن واقع الإنسان العربي، لا يمكن فصله عن واقع بلاده الجزيرة العربية في ذلك الوقت، فأهم ما يميزها أنها صحراء قاحلة، نادرة الماء شديدة الحرارة في صيفها، وباردة في الشتاء، يقطنها العرب، وهم في حركة دائبة وراء الماء والكلأ . ارتباطاتهم العالمية محدودة ، بحكم انعدام وسائل المواصلات، والاتصالات الحديثة. الجمل والخيل، هو أساس حركة المواصلات، والغنم من أساسيات الثروة الحيوانية، بل الثروة العامة. التجارة أسلوب حياتي، ولكن ليس لكل الناس(لإيلاف قريشٍ . إلافهم رحلة الشّتاءِ والصيفِ )

( قريش:1،2 ).

إذا كان هذا هو الواقع البيئي، المحيط بالإنسان العربي، كيف هو واقعه العقائدي. لقد ذكر القرآن حال العرب العقائدي قبل الإسلام، حيث إن الجزيرة العربية، كانت تعج بالأصنام، والأوثان، التي تعبد، ويتقرب من خلالها إلى الله (ما تعبدونَ من دُونهِ إِلاَّ أَسماءً سميتموهَا أنتم وآباؤكُمْ ) ( يوسف : 40 ) ، ( قالوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لها عَكِفِين َ ) (الشعراء: 71 ).

وإذا كان عرب الجاهلية يؤمنون بوجود الله، فإنهم يبررون عبادتهم للأصنام والأوثان، من أجل تقريبهم من الله،( ما نَعْبُدهم إلاَّ لِيُقَربونَا إلى اللهِ زُلْفى ) (الزمر:3 ). إذن الانحراف، العقائدي متأصل في عرب الجاهلية قبل الإسلام، وهو بلا شك قد أثر على سلوكهم، وتصرفاتهم، وبنائهم العقلي، في نظرتهم للحياة، وفي علاقاتهم بعضهم بعضاً، ومع الآخرين.

الانتماء عند العربي في تلك الحقبة التاريخية، كان قائماً على الانتماء للقبيلة والعشيرة، القبلية في نسبها، في مرعاها، في موقعها، وفي مصالحها، وعلاقاتها مع غيرها.

لقد وجدت في الجزيرة العربية، وفيما حولها، قبائل عربية كثيرة، منها قريش، الخزرج، الأوس، تميم قحطان .. إلخ . ومن هذا الانتماء القبلي ، تشكل الانتماء المحدود بحدود هذه القبيلة، ولا غير، ومنه تحدث النشوة والافتخار.

إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر ساجدينا

وإنا نورد الرايات بيضاً ونصدرهن حمراً قد روينا

إن لشيخ القبيلة، وعاداتها ، وتقاليدها، وأعرافها، ومصالحها، وعلاقاتها مع الآخرين، نفوذ كبير، وتحدث سطوة في نفوس أفرادها، بحيث لا يخالفونها، فإن حدث مثل ذلك، يصنف المخالف بالخارج على القبيلة، وقد ينفى منها ويطرد. إن علاقة الفرد بالآخرين تتم من خلال علاقة قبيلته بالآخرين، وقوتها وضعفها ومكانتها.

نريد بني الحيفان إن دماءهم شفاء وما وإلى زبيد وجمعا(1 ).

إن ندرة المصادر الطبيعية، وقساوة المناخ، لا يمكن فصلها عن عناصر التشكيل، لعقلية الإنسان العربي، في تلك المرحلة، من التاريخ، وكما يقول المثل: لكل امرئ من دهره ما تعودا، فإن اعتاد القساوة والخشونة، فهو بلا شك، سيكون قادراً على مواجهة الظروف من هذا النوع، أما إن هو اعتاد الترف والميوعة، فهو كذلك سيضعف أمام المواقف والأزمات.

لا يمكن أن يفصل بين الإنسان العربي، في تكوينه العقلي، وبين لغته. من الإنصات الواعي والمتدبر، إلى هذه اللغة العربية (الفصحى )، التي هي لغة الإنسان، الح، المبين عن الصدق، وعن الحق، بما في كلماته وحيويه عباراته، وإيقاع صوته، يبدأ التعرف على من هو ( العربي ) (2 ).

لقد تجسدت حيوية اللغة العربية، في نتاج الإنسان العربي الفكري، فيما قبل الإسلام، تجسدت في الشعر، والأدب، والقصص، وفي الأمثال، والحكم، فوجدت لأجل ذلك، بعض المراكز، والمنتديات الثقافية، كما في سوق عكاظ، والمجنة، والمربد، حيث يلتقي الشعراء، ويتحاورون ويتداولون الشعر، على أن ذلك لا يعني أن المناخ الاجتماعي العام هو مناخ ثقافي، ثري،( فبدون سابقة، ولا تمهيد ، نلتقي فجأة بفترة المعلقات وغيرها، من الشعر الفطري في مضمونه، بينما هو من حيث الشكل في غاية الأناقة ، وفي لغة، هي منذ البداية تفوق في بدائعها أكثر أنواع الكلام عمقاً، وثقافة ، وبألوان الحصافة في النقد الأدبي وفي البيان، شبيهة بما تجده في أشد عصور الإنسانية إعمالاً للفكر ) (1 ).

ذلك الواقع الذي عاشه الإنسان العربي، في تلك الفترة عقائدياً، اقتصادياً ، بيئياً، اجتماعياً، وثقافياً، كان له دور بارز وحاسم في تشكيل عقل الفرد، بصورة متناسبة طردياً مع ذلك الواقع .

ترى ما أهم صفات وملامح العقل العربي في تلك الفترة ؟! من الناحية السياسية، يمكن أن يقال: إن عقلية التشرذم ، والفرقة ، هي السائدة ، إذ لم يكن يوجد كيان سياسي موحد، بل إن كل قبيلة وعشيرة تفرض سيادتها على أرضها، وأفرادها، وكذا الضعفاء من القبائل الأخرى. وإذا حدث ووجد فكر وحس وحدوي، فهو محصور في دائرة ضيقة جداً، ألا وهي دائرة القبيلة ، أو العشيرة، حيث من خلال هذا الانتماء يكتسب الفرد قوته، ويمارس سلطته ونشاطه، ويبرز كفاءته القتالية، ويعبر عن بلاغته وبيانه وشعره، ومن خلال هذا الانتماء المحدود، حدثت داحس والغبراء، وتقابـل العرب على الماء والمرعى، وعلى أبسط الأمور، سفكت الدماء، وتكرس التشرذم والتفكك .

ونحن أناس لا توسط بيننا ******* لنا الصدر دون العالمين أو القبر

هذا كان واقع الحال في العقل السياسي العربي، ومنه استمد الإنسان العربي بعض الشمائل والخصائص، الحسنة والسيئة، فلقد وجدت خصال جيدة، من مثل الكرم، الشجاعة، روح الفداء، الإقدام ، النخوة، حماية الجار، الغيرة على المحارم، الصبر، وتجشم الصعوبات بالإضافة إلى خصال سيئة، كالصراع، والتنافس وضيق الأفق المحدود بحدود القبيلة والعشيرة .

يدعون عنترة والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم

وقال شاعر آخر :

فمن يأتينا أو يعترض بسبيلنا يجد أثراً دعساً وسخلاً موضعا

الواقع البيئي والاجتماعي، الذي عاشه الإنسان العربي، كرس مجموعة من المبادئ والمثل، التي وجهت تفكير وسلوك فرد تلك الحقبة، وبما يتناسب مع معطياتها وظروفها .

فواحدة أن لا أبيت بغرة إذا ما سوام الحي حولي تضوعا

وثانية أن لا أصمت كلبنا إذا نزل الأضياف حرصاً لنودعا

وثالثة أن لا تفزع جارتي إذا كان جار القوم فيهم مفزعـا

ورابعة أن لا أحجل قدرنا على لحمها حين الشتاءً لنشبعا(1 ).

الواقع العقائدي في تلك الفترة والمتمثل في انتشار الأصنام والأوثان. ترك أثره في بنية التفكير، المتمثل في التبعية والاقتداء بالغير، حتى ولو كان على ضلال، ودونما محاولة لأعمال العقل، من أجل معرفة الحقيقة. فما اعتاد عليه الأدباء والأجداد، يعتبر أمراً مقدساً، لا يمكن التفريط به، ولا يمكن السماح لأي كائن ومن كان، أن يمسه ويتعرض له( إِنَّا وَجَدْنَا أَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتدُونَ ) (الزخرف: 23 ) ، (أتنهانا أن نعبد ما يعبد أباؤنا ) (هود :62 ).

إن المباهاة والكبرياء، القائمة على الانتماء العرقي، والواقع الاقتصادي، تمثل خصلة من الخصال المتجسدة في ذات الإنسان العربي، فهو نفسه من خلال قبيلته، ونفوذها، ومركزها، ومن خلال مستواه الاقتصادي، والمعاشي، ولذا كانت النظرة، والتقويم لمن آمن، وأسلم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، في بداية الأمر، قائمة على أساس أنهم من ضعاف القوم، وأدناهم منزلة، ولذا كانوا يكررون عبارة إنما اتبعه ضعاف القوم.

باختصار يمكن القول: إن المنظومة المعرفية والثقافية والمتوفرة للإنسان العربي، في ذلك الوقت، كانت بحدود البيئة، المجتمع، القبيلة، ندرة الموارد، تفشي الأمية، وسيادة التعبير الشفهي، وافتقاد التدوين، وكل هذه العناصر مجتمعة، أوجدت قواعد ومبادئ التفكي، والمستوى العقلي ، والذي لم يكن له ليبدع خارج إطار الشعر، والقصص، والأساطير،والأمثال والحكم، بالإضافة إلى سجايا السلوك العام، المعبر عن الانتماء، والكرم، والشجاعة .

بافتقاد الإطار المرجعي، المتضمن لأيديولوجيا متكاملة شاملة لكل مناحي الحياة السياسية، والاقتصادية، الأسرية، الفكرية، والاعتقادية، بالإضافة إلى معرفة أبستمولوجية مستمدة من الواقع والمتغيرات الحياتية، وجد العقل العربي بالصورة التي أشرنا إليها، دون أن يكون له أثر ملموس في واقع حياته، ودون أن يكون له تأثير على الأمم من حوله .

وقد وصف الجاحظ العقل العربي بقولهSad وكل شيء عند العرب فإنما هو بديهة وارتجال، وكأنه إلهام، وليس هناك معاناة ولا مكابدة، ولا إجالة فكر، ولا استعانة، وإنما هو أن يصرف ، وهمه إلى الكلام وإلى رجز يوم الخصام، أو حين يمتح على رأس بئر، أو يحدو ببعير، أو عند المقارعة أو المناقلة، أو عند صراع أو في حرب، فما هو إلاّ أن يصرف وهمه إلى جملة المذهب، وإلى العمود، الذي يقصد، فتأتيه المعاني أرسالاً وتنثال الألفاظ انتثالاً.. وليس هم كمن حفظ علم غيره، واحتذى على كلام من كان قبله، لم يحفظوا إلاّ ماعلق بقلوبهم، والتحم بصدورهم، واتصل بعقولهـــم، من غير تكلف، ولا قصد، ولا تحفظ، ولا طلب ) (1 ) .

ويورد الجابري قولاً للشهر ستاني يصف فيه العقل العربي بقولهSad إن العرب والهنود أكثر ميلهم إلى تقرير خواص الأشياء، والحكم بأحكام الماهيات والحقائق، واستعمال الأمور الروحانية، أما العجم ( الروم والفرس ) فأكثر ميلهم إلى تقرير طبائــع الأشياء، والحكم بأحكام الكيفيات والكميات، واستعمال الأمور الجسمانية ) (2 ).

ويعلق الجابري على هذه العبارة بقوله: تقرير خواص الأشياء معناه التعامل مع الشيء، من خلال صفاته، وخصائصه المميزة له، عن غيره،لا من خلال طبيعته ، أي ما يشكل قوامه الداخلي. ويضيف فيقول: إن كلمة طبائع، تعني في المصطلح القديم نظام السببية الثابت، والتركيب الماهوي للشي (1 ) .

باختصار: إن العقل العربي قبل الإسلام عاش مفتقداً الأسس التي تكسبه قوة البناء، والمثيرات التي تحدث فيه الإثارة الضرورية، والخبرة التي تصقله ، وتجعله على مستوى التحديات المحيطة به، لم يكن العقل العربي بذلك العمق، ولا بذلك التعقيد، بل كان أقرب ما يكون إلى البساطة والسذاجة والسطحية، وهذا الوصف، يجب ألا يلغي، وينسخ بعض الخصائص، التي أقرها الإسلام واستبقاها كجزء من النظام الجديد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
samyadel
مشرف عام المنتدى
samyadel


عدد المساهمات : 1548
تاريخ التسجيل : 27/05/2009
العمر : 44

العقل العربى قبل وبعد الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: العقل العربى قبل وبعد الإسلام   العقل العربى قبل وبعد الإسلام I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 07, 2009 11:39 pm

العقل العربى بعد الإسلام
أخذاً في الاعتبار الواقع، الذي كان عليه العقل العربي، قبل الإسلام، وما اتصف به من ضياع، وشتات، وتمزق، وتخلف عقائدي، ومادي، بالإضافة إلى الانحراف في السلوك، والممارسات، وأخذاً في الاعتبار لطبيعة العقل، والكيفية التي يتشكل بها أو من خلالها، والتي تتطلب معرفة ووعياً حقيقيين، وأساساً وقواعد ثابتة، ومنهجاً محدداً واضحاً، وإطاراً مرجعياً، متكاملاً، وشاملاً، وبيئة اجتماعية وثقافية نشطة، بالإضافة إلى وجدان حي، قادر على استلهام المعرفة، والتفاعل معها، وتحويلها، إلى سلوك وفعل منتج.

لقد كانت مهمة الإسلام،أبعد من أن تقتصر على جانب واحد من الإنسان العربي، بل إن المهمة أشمل وأوفى، حيث جاء الإسلام ليهز هذا الكيان البشري، ومن خلال أهم ما فيه.. من خلال عقله ، ومن خلال وجدانه، وذلك لكي يغير سلوكه، ويوجه تصرفاته. كان على الإسلام أن يحدث هزة عنيفة ، وقوية، في داخل الإنسان، تجعله يعود لذاته، ليراجعها، ويتعرف على مكامن الخطأ فيها، ويعود لبيئته وما يحيط به من واقع ، ويتبصر به ويحلله، ويستخرج الاستنتاجات، ويكتشف القوانين والسنن. لكي يحدث هذا التحول ، كان لا بد من نسف كثير من المسلمات السائدة، واستبدالها بمسلمات جديدة، ومتناقضة تماماً مع المسلمات السابقة، وما أصعب مثل هذا التحول والتبدل، على النفس الإنسانية الضالة .

ولقد كان المدخل الطبيعي، الذي تتم من خلاله هذه التحولات، هو العقل، بما يزود به من معرفة، وبما يرسخ به من مبادئ ومفاهيم، وبما ينتج عن ذلك من اتجاهات وسلوك. وقد عني الإسلام بهذا المدخل، لأهمية العقل، بالنسبة للإنسان، فهو الذي يوجه النشاط والحركة الإنسانية، وهو الذي يبني، ويهدم، وهو الذي يؤلف، ويفرق، وهو الذي يبدع، أو يخمل، ويكسل، وغني عن التأكيد، أن الإسلام بنظرته هذه، ينظر نظرة شمولية، تجمع بين العقل، والوجدان، والسلوك، حتى إن التعبير عن هذه الأشياء، ليتداخل في بعض الأحيان، وذلك لأنه من الناحية العملية، ومن ناحية مصلحة الإنسان نفسه، في حياته الدنيا والآخرة، يجب ألا يفصل بينهما، فما قيمة المعرفة إذا كانت معرفة منحرفة وضالة ؟!

ما قيمة العلم، الذي يقود الإنسان إلى التردي والهاوية ؟! وما قيمة الاختراع الذي يدمر به الإنسان ذاته، وحياته وكوكبه ؟! وما قيمة الشعر أو القصة، أو المسرحية، التي تثير الغرائز، وتهيجها؟! ولنا في واقع حياتنا المعاصرة، الكثير من الأمثلة فكم من المال والوقت والجهد الذي بذل في صناعة أسلحة التدمير الشامل ؟! ومن الذي صنعها ؟! الإنسان نفسه، وهو الذي يدعو لتدميرها الآن، في الوقت الذي يعاني فيه أناس آخرون من الجوع، والفقر، والجهل، والمرض، وحتى البلدان التي تصنع هذه الأشياء، يتسكع أبناؤها، ويقطنون الشوارع، والأزقات، ومحطات الميترو. ما قيمة الأدب والثقافة، التي تولد العداوات، وتثير الحزازات ؟! وما قيمة الإعلام، الذي يولد الاتجاهات السلبية، والاحتقار للآخرين ؟!

هذه النظرة الشمولية، تحقق في نهاية المطاف، ضبط وحسن توجه الإنسان، في فكره، ومشاعره، وسلوكه، وهذا هو ما يريده الإسلام للإنسان على هذه الأرض.

( والسر ـ والله أعلم ـ في إغفال ذكر العقل بلفظه، كأداة لمستوى معين، من الإدراك، وإضافة ذلك الإدراك إلى القلب، هو ألا يفهم أن المراد، من عقل الأشياء، مجرد الوقوف بها عند الجانب التجريبي، والعملي الجاف، دون التجاوز إلى مجالي الانفعال والوجدان، اللذين هما من الحركات القلبية، إذا الوقوف بالأشياء عند مرحلة المعرفة المجردة، ليس مراد الدين فقط، وإنما يراد مع الإدراك لها، التعاطف معها، وغمرها بدفء الإحساس، وحرارة الوجدان ) (1 ) .

لسنا بحاجة أن نثبت عناية الإسلام بالعقل، فالنصوص التي وردت حوله وكما سبقت الإشارة ـ في القرآن الكريم كثيرة، وكذا في السنة النبوية المطهرة .

ترى مع هذه المنزلة الرفيعة، التي يحتلها العقل في الإسلام، كيف تعامل الإسلام مع العقل العربي في أول الأمر؟ وما الأهداف التي قاده إليها ؟ وما القواعد والمبادئ التي رسخها فيه ؟ وما المنظومة المعرفية التي قدمها له ؟ ومن ثم، ما الأسس الفكرية والعقلية التي أحدثها فيه وأصبحت تمثل منظومة عقلية متكاملة للإنسان العربي، يفكر من خلالها ويهتدي بثوابتها، ويسير ويسلك وفق منهجها ؟ .

لإحداث التغيير في بنية عقل الإنسان العربي، بدأ الإسلام من العقيدة وذلك بطرح التساؤلات على هذا العقل، حول طبيعة الإله، أو الآلهة، التي يعبدها، وقيمتها، وجدواها، من أجل إثارة الشك والريبة حولها، ولكي يعرفها على حقيقتها. ( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ) (الأنبياء: 52 ). وإذا كان هذا الخطاب القرآني، يحكي موقف إبراهيم من أبيه، وقومه، فهو يمثل واقع العرب أيضاً، وهذا دأب القرآن، حيث يحكي واقع الأمم الأخرى، لأخذ العبرة منها. والموقف نفسه وقفه الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث بدأ يسأل قومه، وعشيرته، حول آلهتهم، التي كانوا يعلقونها على الكعبة المشرفة. ويستمر القرآن في إثارة التساؤلات، حول هذه الآلهة وطبيعتها: ( قال بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون )(الأنبياء: 63 ) . سؤال منطقي يوجهه القرآن، من أجل أن يلفت العقل إلى واقع هذه الأصنام، والتي لا تعدو كونها جماداً، لا تنطق ولا تتحرك. هذا وقد خاطب القرآن العقل البشري من خلال المنفعة والمصلحة، ولذا عاب على من سبق، بسؤال استنكاري حين قالSad قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم )

( الأنبياء:66 ). وبعد هذه التساؤلات ، التي تفضح واقع الآلهة ، وطبيعتها، يقود الإنسان إلى مواجهته بحقيقة حتميبة، إذا هو استمر في غيه وضلاله ، حيث يبصره إلى أن مآله ومصيره هو النار: ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون )

( الأنبياء : 98 ) .

ويضيف الإسلام بعداً جديداً، في تركيبة العقل العربي، حيث يحدد العلاقات في هذا الكون، وأنه ـ أي الله ـ هو الذي تعود إليه جميع هذه الأشياء، وهو خالقها، ( له ما في السماوات وما في الأرض ) (البقرة :255 ) .( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ً)

(ص :27 ).( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ) ( الأنبياء :16 ) .

ثم يتناول الإنسان نفسه، ويعرفه بحقيقة خلقه، ومادته، التي خلق منها، والهدف من خلقه، وجعلـــه على الأرضSadولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ ) (المؤمنون: 12 ) . ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم ) ( البقرة: 21 ) .

وحيث إن الخلل الاعتقادي ، الذي يعانيه الإنسان العربي، مرده وبشكل كبير، إلى طريقة التفكير السائدة، في ذلك الوقت، والقائمة على التقليد، ولا سيما تقليد الاباء، والأجداد، دون محاولة لإعمال العقل ، وتوظيفه التوظيف السليم، والسديد، لكتشاف الحقيقة، في الكون، واكتشاف واقع الآلهة المعبودة، لذا ركز الإسلام في في الطرق على هذا الجانب ، والتأكيد على أن هذا الخلل الاعتقاد، مرده التقليد، والتقليد الأعمى، ولا غيره، ولم يأت من تفكير ، وتمحيص عقلي .(قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا ) ( الأعراف:70 ).

( أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ) (هود : 87 ).

(فإنه ما من خطوة في تاريخ البشرية، حررت العقل وكرمته ووصفته في موقعه الصحيح، كهذه الخطوة: تحويل التوجه الإنساني من التعدد إلى الوحدة، ومن عبادة العباد، إلى عبادة الله وحده، ومن عشق الحجارة والأصنام والتماثيل والأوثان، إلى محبة الحق، الذي لا تلمسه الأيدي ولا تراه العيون.. ككسر للحاجز المادي، باتجاه الغيب، وتمكين للعقل من التحقق بقناعات، تعلو على معطيات الحس القريب ) (1 ) .

وإذا كانت العبودية، أياً كانت، موجهة له، تمثل سلطاناً مهيمناً على العقل، والوجدان، مما يترتب عليه تحريك المشاعر، والعواطف وتحديد نشاط العقل، ضمن حدود ومسارات معينة، فإن عبودية الإنسان لأخيه الإنسان، تمثل شكلاً ممقوتاً من قبل الإسلام. ولكي ينتشل الإنسان العربي من الحضيض الآسن، الذي يتقوقع داخله، في حدود القبيلة، والعشيرة، وماءها ومرعاها، ونفوذ شيخها، بيّن الإسلام أن الرسالة والعقيدة الجديدة، رسالة عالمية، تتخطى الحدود الضيقة، إلى أفق رحب، ومجال أوسع: ( وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً ) (سبأ: 28 ).

(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ( النساء:59 ). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا طاعة في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف ) (2 ).

إن سلامة الاعتقاد والتصور شرط أساس لضمان العطاء والفاعلية، وبناء مجتمع على أسس جديدة، من العدل، والإخاء، والأمان، لأن العقل البشري لا ينتج، حين يكون صاحبه في تيه وضياع اعتقادي، ( ولن يقدر عقل مهما أوتي من فطنة، أن يعمل، ويبدع، ويعطي، وهو يتخبط في التيه، ويكبل بالأغلال ) (1 ) .

الهزة العنيفة الثانية، التي أحدثها الإسلام في العقل العربي، هي في صميم العلم والمعرفة، المتواجدة لديه، وإزاء هذه القضية، من الممكن أن نطرح بعض التساؤلات، منها: ما مصدر العلم والمعرفة ؟ وما نوع وطبيعة المعرفة، التي يجب الحصول عليها؟ وكيف أثار الإسلام هذه القضية في النفوس العربية الجاهلية، والمحدودة الثقافة، في ذلك الوقت؟

لكي يحدث الإسلام هذه الآثار الذهنية، أخذ يطرق، وبشكل متكرر وقوي، على أهمية العلم، وفي الوقت نفسه، يشير إلى أدواته ومقتضياته . العلم يحتاج أن يقرأ الإنسان، وإذا قرأ يفهم، يتدبر يعي، يستوعب، ويستخلص الحكم. العلم يحتاج القلم، والكتاب ويحتاج الجهد والمثابرة، ( اقرأ بِاسمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الإِنسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. الذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمِ الإِنسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )(العلق:1-5 ) .

وكجزء من الإثارة العقلية الإيجابية، أو الحوافزية، والتدعيم العقلي الإيجابي، يشيد القرآن بالعلماء، وأهميتهم، وانهم لا يمكن مقارنتهم بالجهلةSad قل هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنمَا يَتًذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَابِ )( الزمر:9 ).

(ومن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقْد أُوتِي خَيْراً كثيراً )( البقرة : 269 ).( إِنمَا يَخْشى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ )( فاطر: 28 ).

(وَالرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِه كُلٌ مِنْ عِْند رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الألَباب ِ)

( آل عمران :7 ).

وبعد هذه الإثارة العقلية، حول العلم والعلماء، والتعلم، يلزم الإشارة إلى أن العلم المطلوب ليس عبثيّاً، لا فائدة منه، ولا قيمة له، بل إن المعرفة المرتجاة، والمطلوب السعي وراءها، هي المعرفة الدالة على وجود الله وعظمته، وخلقه لهذا الكون، وتصرفه فيه، المعرفة التي تؤدي إلى اليقين، لا إلى الشك، والاضطراب العقائدي. معرفة تؤصل التوحيد والشفافية الإيمانية. كذلك يوجه الإسلام الإنسان إلى اكتساب المعرفة الشرعية، التي تبين له الحلال والحرام، تبين له العلاقة الزوجية والأسرية والاجتماعية والسياسية. معرفة تضع أسس الاقتصاد والبناء والنمو . معرفة تؤدي إلى الرفاهية والخير والسعادة. ولا شك أن رفاهية الإنسان في دنياه، تقتضي علمه ومعرفته في القوانين والسنن الكونية في الرياح، المياه، التربة، النجوم، الزراعة، الصناعة.. إلخ .

وهذه تحتاج إلى علم ومعرفة، واستقصاء لخواص وطبيعة هذه الأشياءSadوابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ) (القصص:77 ). وكما في حديث تأبير نخل المدينة: (أنتم أعلم بأمور دنياكم ).

إذن الإسلام لم يوصد الباب، أمام المعرفة المفيدة النافعة للإنسان، بل شجع، وحث على طلبها.( بل إن نسيج القرآن الكريم نفسه، ومعطياته المعجزة، من بدئها حتى منتهاها في مجال العقيدة، والتشريع، والسلوك، والحقائق العلمية، تمثل نسقاً من المعطيات المعرفية، كانت كفيلة بمجرد التعامل المخلص الذكي المتبصر معها، أن تهز عقل الإنسان، وأن تفجر ينابيعه، وطاقاته، وأن تخلق في تركيبه خاصية التشوق المعرفي، لكل ما يحيط به من مظاهر ووقائع ) (1 ) .

وفي محاولة لإيضاح الأصول المعرفية في الإسلام، يرى كارم غنيم: أنها ثلاثة جمعت في قوله تعالىSad ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منيرٍ )

( لقمان: 20 ).

فالعلم، والهدى، والكتاب المنير، ثلاثتها هي الطريق إلى المعرفة الحقة في الإسلام، ويفسر المفسرون العلم بالعلم الضروري، علم الفطرة، والطبع والغريزة، ويفسرون الهدى بالاستدلال والنظر، الذي يهدي إلى المعرفة، والكتاب المنير بالوحي. ويبرز كارم غنيم أن أصول المعرفة في الإسلام بالوحي:

1- العلم العقلي المبني على الدليل والبرهان .

2- العلم الفطري المركوز في طبائع الناس كافة.

3- الوحي الإلهي الداعي إلى الدين والإيمان والمثل والقيم الحضارية(2 ) .

ونود التأكيد، على أن السنة النبوية المطهرة ، جزء رئيس من هذه الأصول :

( وما ينطق عن الهوى إن هو إلاَّ وحي يوحى ) ( النجم: 3،4 ) . كما أن المعرفة الناتجة عن الاجتهاد الفقهي، من قبل العلماء المعتبرين، يمثل رافداً من روافد المعرفة، المكونة للعقل.

وفي تناوله للنظام المعرفي، الذي يتشكل في العقل، يرى الجابري: أنه يعني جملة من المفاهيم والمبادئ والإجراءات ، تعطي للمعرفة في فترة تاريخية ما ، بنيتها اللا شعورية(1 ). وعلى هذا الأساس يرى الجابري: أن هناك ثلاثة أنظمة معرفية في الثقافة العربية الإسلامية ، وهذه الأنظمة هي : النظام العرفاني، والنظام البياني ، والنظام البرهاني.

لحدوث هذا التحول العقلي الكبير، من الجهل إلى العلم ، ومن الضلالة إلى البصيرة، والهدى، ومن التخمين إلى اليقين، كان للإسلام أن يضع منهجاً سليماً، تتم من خلاله عملية التحول هذه، ويرى عماد الدين خليل: أن المنهج الإسلامي، يأخذ ثلاثة اتجاهات: هي السببية، القانون التاريخي، والمنهج الحسي التجريبي. والسببية تعني البحث في الأسباب، التي تكمن وراء الظواهر والحوادث الاجتماعية، والطبيعية، وعدم الاقتصار على النظرة السطحية البسيطة، بل لا بد من العمق والربط بين الأجزاء، والنظرة إليها ككل متكامل، إذ بدون النظرة التركيبية، لن يكون بمقدرة الإنسان معرفة الحقائق بل إن إحدى طرائق القرآن المنبثقة عبر سوره ومقاطعه من أقصاها إلى أقصاها، هي التأكيد على ضرورة اعتماد هذه الرؤية السببية للظواهر والأشياء، من أجل الوصول إلى معجزة الخلق، ووحدانية الخالق سبحانه.. إذ بدون هذه القدرة على الربط بين الأسباب والمسببات، فإن العقل المؤمن، لن يكون قادراً على التحقق بالقناعات الكافية(1 ) . ولنا في قصة إبراهيم حينما طلب رؤية الله، فرأى القمر، ثم الشمس، فأفلتا، أكبر دليل على ضرورة استعمال العقل، وعدم الاقتصار على الظواهر، كما تبدو في ظاهرها، بل لا بد من الاستقصاء والتمحيص في كل الأمور.

الاتجاه الثاني، هو القانونية التاريخية، ونعني بها: القوانين والنواميس الكونية، التي تحكم سير المجتمعات والأمم، فهي كغيرها من مخلوقات الله، لا تسير بغير هدى وفوضى ، بل إنها تسير وفق أنظمة، تحكم قوتها، وضعفها، وجودها، وفناءها،(وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ) ( الحجرات: 13 ). حيث يتم التعارف من خلال الزواج، اللغة ، المصالح، المبادئ.. وغيرها .

ومن سنن الله في المجتمعات، أن تأتي أمة، وتفنى أمة أخرى ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) ( آل عمران : 140 ) . كما أن تغيير واقع المجتمعات ، لا يتم اعتباطاً، وبدون أسباب، سواء كان هذا التغيير إيجابياً أو سلبياً. إذ يتم وفق مقتضيات معينة،( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )( الرعد:11 ). وقد عرض القرآن الكريم قصص كثيرة من الأمم السابقة، مثل : عاد ، وقارون، فرعون، قوم صالح ، قوم لوط، وقوم هود .. إلخ ، ليوجه العقل للبحث في الأسباب، التي أدت إلى محق هذه الأمم وهلاكها. ولنا في تاريخنا المعاصر الكبير، من العبر الكثيرة، التي تعبر عن واقع بعض المجتمعات.

الاتجاه الثالث في المنهج الإسلامي، يقوم على الحس والتجريب، حيث إن الإنسان أمده الله، ومنحه مجموعة من الحواس القادرة على الإدراك، والملاحظة، والمتابعة، والتفاعل، مع ما يحيط بها، من ظروف ومتغيرات. مادية، واجتماعية، ونفسية. إن حواس الإنسان السمعية، البصرية، الشمية، الذوقية، اللمسية، تمكن الإنسان من إدراك المتغيرات، والتعرف عليها، وقد أكد القرآن في مواضع كثيرة، إلى ضرورة الاستفادة من هذه الحواس، من خلال إطلاقها في هذا الكون الفسيح للإدراك، ومن ثم التبصر والاعتبار.( و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ً ) ( الإسراء: 36 ).

وفي موضع آخر يقول جل شأنه: ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت . وإلى السماء كيف رُفعت وإلى الجبال كيف نُصبت. وإلى الأرض كيف سُــطحت )(الغاشية: 17ـ 20 ).

في تحليله للعقل العربي، مقارناً بالعقل اليوناني الغربي، يرى الجابري: أن النظام المعرفي للعقل الغربي، يقوم على ثلاثة عناصر هي: الإنسان. الله ، الطبيعة. إلا أن العلاقة الرئيسة تكون بين العقل والطبيعة مع الغياب النسبي لفكرة الله، وذلك في العقل الغربي. حيث يكون دور فكرة الله، من أجل تبرير وإضفاء المصداقية على المعرفة والقوانين، التي يكتشفها العقل في الطبيعة. أما في العقل العربي: فالعلاقة بين الله والعقل، حيث إن الله يمثل مصدر المعرفة، التي يحصل عليها العقل، وهذا سيترتب عليه غياب الطبيعة(1 ).!

حسب قول الجابري .. هذا الطرح يحتوي على مغالطة كبيرة، فالأمر يحتاج إلى التفصيل في نوع المعرفة. فالمعرفة الغيبية، لاشك شك أن مصدرها هو الله سبحانه، والبشر يتلقونها من الله، وذلك من خلال الوحي والرسول. أما المعرفة الخاصة بالقوانين والسنن الكونية والطبيعية فإن الله يدعونا، وكما سبقت الإشارة، إلى التمعن، النظر، والتبصر، واستخدام الحواس، وإعمال العقل لمعرفتها، والخروج بحقائق حولها. وعليه سيكون غياب الطبيعة في النظام المعرفي الإسلامي، أمر غير وارد، وهذا خلاف ما يراه الجابري.

ترى بعد هذه الهزات العنيفة، التي أحدثها الإسلام في العقل العربي والتي تناولت ثوابت أساسية، لم يكن يخطر على بال أمرىء تغييرها، كيف سيكون عليه العقل العربي، بعد هذه التحولات ؟ وما أهم الملامح التي تميزه ؟.

إن ملامح هذا التحول تتمثل في أمور شتى، ومتعددة، ومنها على سبيل الأمثلة لا الحصر، عقلية الوحدة، ونقصد الأمة، بمفهومها الرحب والواسع، لا وحدة القبيلة فقط، وحدة المسلمين أين ما كانوا، وكيفما كانوا في ألوانهم، وألسنتهم، وأوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية. لا يفرقهم لون ولا جنس،ولا لسان، ولا طبقة.( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )( آل عمران:103 ).

وينبثق عن هذه الميزة، ميزات أخرى على صعيد العقل، فيما يتعلق بأموه الاجتماعية. فالمسلمون مطالبون بالعمل الجماعي،(المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا )

( المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضواً تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ). ومن ملامح هذا العقل، عقلية الإيثار والتعاون،( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )( الحشر:9 ) .

الإسلام ثبت في عقل الإنسان العربي، دعامة مهمة وأساسية، وهي حب العمل، والحض عليهSad وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )( التوبة 105 ).

ومن الأمور التي نسفها الإسلام في تركيبة العقل العربي، التقليد والسير على ما سار عليه الآباء والأجداد، حتى ولو كان على غير هدى، ولذا عاب الإسلام على العرب، تقليدهم لآبائهم: ( وإذا قيل لهم تعالو إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون )( المائدة: 104 ).

وفي هذا الإطار يؤكد الإسلام على التثبت واليقين، ونبذ الظن كاسأس للعلم والمعرفة،

( وإنّ الظنّ لا يُغني من الحق شيئاً )( النجم:28 ) ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبينوا )( الحجرات:6 ) .

كما يأتي في سياق سلامة المعرفة ، استبدال الحكم القائم على الحق والنظرة الموضوعية ، بالنزعة الذاتية ، والهوى في الحكم على الأشياء،( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم )( المائدة:49 ) .

ومن الثوابت التي أكدها الإسلام وأصلها ، في عقل الإنسان المسلم الجهد الفردي، والنشاط والحيوية والذاتية، حتى لا يكون الإنسان عالة على غيره.( بل الإنسان على نفسه بصيرة )

( القيامة:14 ) .

إن مجمل هذه القواعد والمبادئ، تؤكد أن الإسلام ، أراد أن يوجد عقلاً جديداً، في منظمو ته المعرفية، وفي أسلوب وطريقة تفكيره، ومن ثم في عطائه وإبداعه. عقل يتفاعل ويستلهم، يتلقى الثقافة والحضارة، ويفهمها ويستوعبها، ومن ثم يحرك فيها ويبدع وينجز، وعليه لن يكون هناك مجال للجمود والخمول، وهذا هو بالفعل ما حدث في عقل الإنسان العربي، حين تمكن في بداية الأمر من الاستضاءة بإشراقات المعرفة الإسلامية .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
dimo
عضو فعال
عضو فعال
dimo


عدد المساهمات : 52
تاريخ التسجيل : 12/07/2009
العمر : 42

العقل العربى قبل وبعد الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: العقل العربى قبل وبعد الإسلام   العقل العربى قبل وبعد الإسلام I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 09, 2009 12:52 am

موضوع جميل جدا
مشكور الكاتب لتحليله
ونحن فى حاجة إلى التغير لكى نتقدم يجب علينا إحياء تاريخ الاسلام المجيد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
العقل العربى قبل وبعد الإسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الحرية فى الإسلام
» تأملات في حال الإسلام اليوم..
» تأملات في حال الإسلام اليوم..
» فلسطين ضحية الفكر العربى
» تأثير الإسلام على الحضارة الغربية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
طائر الإبداع المصرى :: المنتديات :: المنتدى الاسلامى-
انتقل الى: