هل يحق للآباء فرض أحلامهم على أبنائهم؟!
طرحت القضية: أمل نصر الدين
«الآباء هم الأشخاص الوحيدون في الحياة الذين يرغبون في أن يصبح أبناؤهم أفضل منهم» هذه الحقيقة لا جدال فيها ولكن هل دائمًا يكون الآباء على صواب؟
إن الآباء قد تعودوا من شدة حبهم وحرصهم على أبنائهم أن يرسموا لهم طريق حياتهم حتى يضمنوا لهم أقصى درجات السعادة والنجاح غير ملتفتين لنقطة غاية في الأهمية وهي هل ما رسموه وخططوه لأبنائهم يتوافق مع ميول ومواهب وقدرات هؤلاء الأبناء.. وهل على الأبناء أن يقبلوا ويرضخوا ويسيروا على الطريق الذي رسمه لهم آباؤهم؟ وفي حالة رفضهم لهذا الطريق كيف السبيل لمنع التصادم ومن هو صاحب القرار الأصوب؟
عن كافة هذه التساؤلات نطرح قضيتنا لهذا الشهر..
وفي رحلة عرضنا لقضيتنا كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور هشام أبو العز الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ليشاركنا برأيه من الناحية الشرعية..
يقول الدكتور هشام أبو العز:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
الأبناء هم ثمرة الآباء ولكن هل يحق للآباء فرض أحلامهم على أبنائهم، حتى ولو كانت تخالف هوى الأبناء.
مما لا شك فيه أن الأبناء هم أعز وأغلى ما لدى الآباء، فالشخص الوحيد الذي يرغب في أن يرى إنسانًا أفضل منه هو الأب فدائمًا ما يحلم الأب بأن يكون ابنه أفضل منه، وأن تكون حياته أسهل وأيسر، وألا يتعرض للمشقة أو أن يتجنب الصعوبات التي واجهها الأب في حياته.
ومن هذا المنطلق ومن هذا الحب الكبير من الأب لابنه يرغب الآباء في أن يرسموا لأبنائهم الطرق التي يسيرون عليها فيخططون لهم ملامح حياتهم من شدة حبهم وحرصهم عليهم.
ولكن ما يحدث في بعض الأحيان ودون أن يشعر الآباء أنهم يضعون في أثناء تخطيطهم لحياة أبنائهم أحلامهم الداخلية التي عجزوا عن تحقيقها ويرغبون من أبنائهم على اعتبار أنهم امتداد لهم في الحياة أن يحققوا هذه الأحلام الضائعة.
ولكن هل يحق للآباء فرض هذه الأحلام على الأبناء؟
بالتأكيد لا يحق للآباء أن يفرضوا على أبنائهم تحقيق أحلامهم خاصة وأن لكل إنسان ميوله وتفكيره وأحلامه الخاصة به، وإنما يجب على الآباء عرض أفكارهم على أبنائهم على شكل اقتراحات في حوار ودي وبشكل يحبه الأبناء ثم عليهم بعد ذلك تركهم يختارون بأنفسهم الطريق الذي يريدون أن يسلكوه.
ما السبب في أن بعض الآباء ينتابهم شعور أن أبنائهم يجب عليهم أن ينفذوا آراءهم وينصاعوا لأوامرهم؟
الوالدان بما يبذلانه لأبنائهم من مجهود في تربيتهم وتنشأتهم ينتابهم شعور بأن هؤلاء الأبناء عليهم أن ينصاعوا لأوامرهم وأنهم من الأفضل والأنسب أن يطيعوا آبائهم لأنهم أدرى وأخبر منهم بما يصلح أمرهم.
ولكن لماذا تظهر هذه النزعة لدى بعض الآباء بصورة أكثر من غيرهم؟
هذا يرجع لعدة عوامل مختلفة خاصة بشخصية الأب نفسه والبيئة التي نشأ فيها والتربية التي تلقاها ولكن في النهاية يكون المحرك لهذا الأمر بدافع الحب أولًا وأخيرًا.
هل يمكن تصنيف الآباء وفقًا للدوافع التي تحركهم لفرض أحلامهم على أبنائهم؟
يصعب علينا أن نصنف أو نعمم وصفًا لأن لكل إنسان دوافعه وأهدافه التي تختلف من شخص لآخر ولكننا يمكن لنا أن نرسم ملامح لبعض الفئات من الآباء والذي تختلف دوافعهم في هذا الأمر.
فمثلا:
هناك بعض الآباء الكادحين الذين لم يتلقوا قدرًا من التعليم مثل أصحاب المهن البسيطة، مثل هؤلاء يرون في أبنائهم الحلم في أن يحققوا ما لم يستطيعوا هم تحقيقه فيدفعونهم منذ صغرهم لأن يحملوا على عاتقهم هذه المسئولية ويدفعونهم للاجتهاد لتحقيق حلمهم خاصة وأن مثل هؤلاء الآباء يكونون قد تعبوا كثيرًا في حياتهم ولا يريدون لأبنائهم أن يشقوا مثلهم لذلك فهم دائمو التكرار والتأكيد على هذا الأمر لهم.
وهناك أب آخر وصل لمنصب مرموق كالطبيب أو المهندس ويريد لابنه أن يكمل مسيرته ويكمل اسمه حتى يستمر اسم العائلة في هذه المهنة رغبة في الشهرة أو الرفعة.
وهناك أب آخر لديه تسلط وكبر وغطرسة داخلية فيريد من أبنائه أن يعتلوا أعلى المناصب ويصبحوا من قمم المجتمع حتى يتفاخر بهم ويتخذ منهم واجهة اجتماعية وأعتقد أن هذه الفئة من الآباء محدودة جدًا.
ولكن في بعض الأحيان وعلى الرغم من تلقي الأب نصيبًا كبيرًا من العلم والفهم إلا أنه يصر على فرض رأيه على ابنه و
وإجباره على سلك الطريق الذي اختاره له.. فما تفسير ذلك؟
عندما يكون الأب قد حرم من التعليم وقاسى وتعب في حياته تكون رغبته ملحة ليجنب أبناءه ما تعرض هو له وهذا يعد إلى حد ما أمرًا مفهومًا ومقبولًا، ولكن في الحقيقة يكون الأمر أكثر استهجانًا في حالة الأب الذي وصل لمرحلة متقدمة من التعليم والإدراك خاصة وأن الزمن الآن قد تغير والأفكار قد تبدلت ومع ذلك فهو يصر على أن يفرض رأيه على ابنه مثل هذا الأب هو الذي يلام وهو الذي يقع في دائرة الظلم لأنه أدرك وفهم جيدًا ما يعنيه أن يقرر الإنسان مصيره ومع ذلك فهو يقهر ابنه ويجبره على ما ليس له فيه رغبه هنا يحتاج الأمر لتعديل ووقفة.
ماذا عن رأي الشرع في هذه القضية؟
إننا لو بحثنا في القرآن الكريم عن هذا الأمر لوجدنا قصة سيدنا إبراهيم مع ولده إسماعيل تضرب لنا أروع الأمثلة في هذا الشأن، فنبي الله إبراهيم ملهم ومنامه وحي يرى في منامه أنه يذبح ولده ويعرف أن هذا أمرًا من الله ومع ذلك يذهب لسيدنا إسماعيل عليه السلام ويحاوره بأسلوب محبب ولطيف ويسأله بادئًا قوله بكلمة: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى؟ تأملوا الأدب في الحوار فهو يعرض عليه الأمر بكل شفافية وبكل صدق ويستشيره ثم يترك له القرار بكلمات تنطق بالحب فما كان من الابن إلا أن انصاع لأوامر أبيه على الرغم من هول الطلب فهو يعرض عليه إنهاء حياته ومن هذه القصة علينا أن نقتدي بأسلوب الأب وتأدبه وعرضه الأمر على ابنه بحب، وكذلك في أسلوب الابن حين رد على أبيه قائلًا: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين.
هل هذا يعني أن عرض الخطط والأحلام على الأبناء مقبول بشرط أن يكون هناك حوار؟
نعم فلا بأس أبدًا بل على العكس إن من أهم واجبات ودور الآباء التوجيه، وإن لم يفعلوا ذلك دخلوا في نطاق التقصير، فعلى الآباء من واقع خبرتهم ودرايتهم بالأمور أن يوجهوا أبناءهم ويعرضوا عليهم أفكارهم بما يتناسب مع قدرات ومواهب الأبناء ولكن يجب أن يكون هذا العرض في حوار ودي، وأن يكون الحوار مستمرًا لا مرة واحدة في العمر وهذه هي مشكلة المشاكل والتي تلقي الأبناء في دائرة الضياع.
كيف ذلك؟
عندما يُفقد الحوار بين الآباء والأبناء تتسع الفجوة فيلجأ الأبناء لتفريغ شحنتهم من الرغبة في الحوار والحديث مع أي أحد يجدون منه آذانًا مصغية، فنرى الأولاد يجتمعون مع رفقاء السوء وكذلك الفتيات يرتمين في يد أي شخص يسمعهن كلمات معسولة في حين أنه عندما يوجد الحوار بين الآباء والأبناء ويكون قائمًا على أساس من الصدق والمصارحة في أدب وود حينها يفرغ الأبناء الشحنة الداخلية في أنفسهم لآبائهم، وفي حالة احتياجهم لنصيحة أو توجيه فسيجدون في هذه الحالة النصيحة والتوجيه الصحيح فالحوار مع الأبناء تحصين وصيانة وحماية لهم.
كيف يمكن للآباء أن يتفهموا مسألة اختلاف القدرات والمهارات الفردية بين أبنائهم؟
عليهم أن يتذكروا أولًا عندما كانوا صغارًا وكانوا أبناء في أسرهم هل كان هذا الأب وقد كان صغيرًا نسخة مكررة من أخيه او أخته؟ بالتأكيد لا.. بل إن كل طفل يولد في نفس الأسرة نجد أن له موهبته الخاصة التي تميزه عن أخيه وهذا من فضل الله علينا أن خلقنا مختلفين حتى يحدث التكامل في الكون فالحياة تحتاج لجميع التخصصات واختلاف المواهب بين الأبناء لهي نعمة من أجل النعم فعلى الآباء أن يدركوا ذلك وأن يتعاملوا مع كل موهبة وميول لأبنائهم وينموه حتى يحصدوا التفوق والنجاح فالتميز هو أن أكون مميزًا في ما أعمل ونحن بالفعل نسمع عن أطباء كثيرين ولكن كم واحد منهم متميز وماهر في عمله وكذلك نرى مهندسًا لامعًا فذًا أو مدرسًا يحبه طلبته ونجاحاته تسبقه، إن سر كل هؤلاء المتميزين يكمن في أنهم يفعلون ما يحبون وما هو متوافق مع قدراتهم وميولهم. فالمفهوم الصحيح للتميز والتفوق أن أكون لامعًا في مجال عملي وأن أضيف لما قررت التخصص فيه.
هناك بعض الآباء يحزنون لأن أحد أبنائهم يكون أقل تحصيلًا وذكاء عن باقي الأبناء فماذا نقول لهم؟
عليهم أن يعلموا أنه كل ميسر لما خلق له وأن لله حكمة في كل أمر فهذه هبات وأرزاق موزعة على العباد، فذلك الابن الذي تجدونه ربما أقل ذكاءً وتحصيلًا في الجانب العلمي نجده بالتأكيد متفوقًا في أمور أخرى كأن يكون الأكثر ذكاءً اجتماعيًا أو أن يكون أفقههم في الدين، فعلينا أن نبحث عن نقاط التميز فيه ونبرزها وننميها ولا نشعره أبدًا بالنقص أو نقلل من شأنه لأن الله سبحانه وتعالى خلق كل فرد ليؤدي وظيفة ودورًا معينًا في الحياة، فعلى الآباء أن يوسعوا أفقهم وتفكيرهم ولا يحدوا النجاح بالذكاء والتفوق العلمي.
هل من الصواب زرع فكر معين في ذهن الطفل من صغره عن مستقبله؟
ليس من الخطأ فعل ذلك أبدًا لأن الطفل وهو صغير يكون على الفطرة وإن لم يأت الأمر موافقًا لهواه فإنه سوف يرفضه بالتأكيد، بل في كثير من الأحيان يوجه هذا الأمر الأبناء لما فيه صالحهم كأن يكرر الأب والأم على أبنائهم ويدعون لهم بأن يصبحوا أطباء أو مهندسين فهذا حلمهم ولا بأس في ذلك.
ما السبب الذي يجعل الآباء يركزون دعاءهم ومجهودهم في أمر التعليم ويتركون باقي مجالات الحياة الأخرى؟
المسألة يدخل فيها أمور توارثناها نتيجة التربية والتنشأة، فالاعتقاد السائد اليوم بأن الشهادة العالية هي التي سوف تضمن للفرد مستقبلًا مضمونًا ولكن للأسف نسينا أن التفوق والنجاح الأول في الحياة يجب أن يكون هو النجاح والتميز في أمور ديننا فالذي يتميز ويهتم بأمور دينه تأتيه الدنيا صاغرة وهذه من جملة الأمور التي يجب علينا أن نغير اتجاهنا وتفكيرنا تجاهها نعم نهتم بالعلم ونهتم بأخذ الشهادات العليا ولكن يكون الهدف منها وجه الله تعالى وأن يكون اهتمامنا منصبا في المقام الأول في تحصين أبنائنا دينيًا قبل تحصينهم بالشهادات .