9 ملايين عانس من الجنسين في مصر..
فقدان الثقة والبطالة أبرز الأسباب
ملف أعده: عطا عبد العال
كشفت دراسة حديثة لمجلس الوزراء في مصر أن معدلات الزواج بين المصريين آخذة في الانخفاض منذ بداية عام 2006م وأن العد التنازلي لأعداد الراغبين في الزواج من الشباب بدأ منذ منتصف القرن الماضي, حيث انخفضت نسبة المتزوجين من 8.10 إلي 3.7 لكل ألف من السكان عام 1952م رغم تزايد معدلات الزواج في الريف المصري عنها في المدن.
ويأتي هذا التذبذب والانخفاض في أعداد الراغبين في الزواج بين المصريين متزامنا مع ما يشهده الكثير من المجتمعات العربية والأجنبية علي صعيد المؤسسة الزواجية, حيث شهدت بعض المجتمعات عزوفا كبيرا من جانب الشباب في الإقبال علي الزواج, كما هو في المجتمع الأمريكي.
ويتجلي ذلك بوضوح في التقارير الصادرة عن مراكز بحثية وصحفية في الولايات المتحدة الأمريكية مثل مركز (بيو) ومجلة تايم حيث أشارت هذه التقارير إلي أن الزواج عند الأمريكيين اليوم كاد يصبح من الذكريات القديمة , وأن الشباب من الجنسين وبخاصة بين الطبقات الفقيرة أصبحوا لا يحبذون فكرة الزواج, كما كان في الماضي.
أما في المجتمعات العربية, فقد أشارت بعض الدراسات إلي أن معدلات الزواج في بعض الدول العربية أمثال تونس والجزائر والأردن والكويت سجلت معدلات مرتفعة منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي, ثم بدأت في التراجع بعد ذلك إلا أنها عادت للارتفاع مرة أخري في الوقت الذي انخفضت فيه أعداد الراغبين في الزواج في مصر.
ثم عادت إلي الانخفاض مرة أخري حسب دراسة كشفت مؤخرا أن نحو 35% من فتيات الكويت والإمارات وقطر والبحرين قد ركبن قطار العنوسة, وأن بقية البلدان العربية ليست أفضل كثيرا من هذه الدول علي صعيد عنوسة البنات وعزوبية الشباب في الوطن العربي.
ويبدو أن عاصفة العزوبية التي أطاحت بأحلام الكثير من الشباب والبنات في الوطن العربي في الدخول لعش الزوجية, قد امتدت لبلدان أخري كثيرة من العالم لا تعاني ضيقا ماديا كما هو الحال في بلدان كثير من عالمنا العربي, ففي ألمانيا تشير دراسة حديثة للمعهد الاتحادي لأبحاث السكان إلي أن قرابة 40% من الرجال يفضلون الحياة بدون زواج, وتؤكد صحيفة فيلت الألمانية أن الألمان لم يكن لديهم الحماس في الزواج كما كان موجودا في الماضي.
العنوسة .. في مصر
ولعل من أحدث الدراسات التي أجريت في عدد من الدول العربية حول ظاهرة العنوسة بين الشباب والفتيات, وشملت مصر دراسة أجراها أستاذ علم الاجتماع الدكتور إسماعيل الزيود وهو باحث أردني معروف.. وقال الزيود في دراسته التي حملت عنوان (العنوسة في العالم العربي) أن نحو 15 مليون فتاة عربية تجاوزت أعمارهن الثلاثين عاما قد دخلن عالم العنوسة منهن 6.5 مليون فتاة في مصر وحدها, وكانت دراسة سابقة نشرت العام الماضي وصدرت عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد ذكرت أن هناك 9 ملايين شاب وفتاة تجاوزت أعمارهم الـ 35 عاما ولم يتزوجوا بعد.
وهناك دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية ذكرت أن نحو 9 ملايين شاب وفتاة في مصر تجاوزت أعمارهم الـ 35 عاما ولم يتزوجوا وأن من بين الملايين التسعة 5.5 مليون شاب, وفي هذه الندوة ذكر الدكتور محمد الأنس الأستاذ بجامعة الإسكندرية أن معدل العنوسة بين الفتيات في مصر بلغ 17% عمرهن في عمر الزواج, وأكد أن محافظات الصعيد هي الأقل معدلا, بينما المحافظات الحدودية هي الأكبر معدلا.
أسباب العنوسة
وعن الأسباب التي أدت إلي تراجع معدلات الزواج في مصر, وارتفاع أعداد العوانس من الجنسين يؤكد خبراء الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد ورجال الدين جملة من الأسباب أبرزها العامل الاقتصادي.
ويري الدكتور عبدالجواد حسان الأستاذ بتجارة سوهاج أن معدلات البطالة المرتفعة بين الشباب في سن العمل وانتشار معدلات الفقر وازديادها في الريف والحضر وانخفاض معدلات الأجور بين أعداد الشباب الذين عثروا علي بعض فرص العمل تبعث علي اليأس والانكفاء علي الذات, والتوقف عن التفكير في أي مشاريع لها علاقة بالمستقبل لضيق ذات اليد.
ويضيف عبدالجواد: كيف لشاب غارق حتي أذنيه في الكد والتعب طوال اليوم ولا يستطيع أن يكفي نفسه أن يتطرق تفكيره إلي أمور تجلب عليه السعادة, وهو لا يقدر عليها كأن يتزوج ويرتبط بأسرة وأولاد والتزامات هو لا يقدر عليها.
ويستطرد: ثم من أين لهذا الشاب الذي حصل علي فرصة عمل غالبا غير مناسبة الحصول علي شقة الزوجية, إذا كان العثور عليها الآن ضربا من الخيال بالنسبة للقادرين فما بالك بغير القادرين.
ويضيف: لابد من برامج حكومية عاجلة لإنقاذ العاطلين عن العمل وتوفير فرص عمل مناسبة فورا حتي يتسني إيقاف قطار العنوسة المندفع بشدة نحو المجهول إن لم يكن نحو الكارثة, لأن خطر العنوسة يمكن أن يدمر المجتمع وقيمه ومبادئه, حيث لا يمكننا حينها انتشال أولادنا من هوة إدمان المخدرات هربا من واقعهم الأليم ولا التصدي لانتشار التحرشات الجنسية سواء كان ذلك في الشارع أو داخل البيوت بين المحارم, فضلا عن انتشار ظاهرة الزواج العرفي بين الشباب والفتيات وهروب الطرفين بعيدا عن أعين العائلة والناس, وقد يتخلي المتزوجون عرفيا عما تسفر عنه هذه الزيجات من أطفال حيث زادت نسب قضايا المواليد المنحدرين من هذه الزيجات أمام المحاكم حيث تنتهي المغامرة لإنكار الأطفال من هذه الزيجات, وقد لا تجد الأمهات بدا من الذهاب إلي المحاكم أو التخلص من الجنين.
فقدان الثقة
ويري الشيخ محمد عبدالرحمن مدير عام المساجد أن عزوف الشباب عن الزواج رغم صدور التوجيهات الشفوية لهم بالإقبال عليه في سن مبكرة, يرجع إلي فقدان الكثير من الشباب الثقة في الكثير من الفتيات, وتفسير ذلك بقوله: غالبا ما يختلط الولد والبنت في الجامعة بشكل أكبر عما هو عليه في المراحل الأولية من التعليم, وفي الجامعة يتكشف للشباب كثير من أحوال بعض الفتيات مثل التفلت عن القيم وعدم الالتزام بالتقاليد والبعد عن تعاليم الدين, الشيء الذي يزعزع في نفوس الشباب عوامل الأمن والاستقرار إذا ما ارتبطوا بمثل هؤلاء الفتيات في المستقبل.
ويعتقد الشيخ محمد عبدالرحمن: أن الثقة تهتز مبكرا لدي الشباب بسبب تصرف بعض الفتيات أو سلوكهن, وقد يصل هذا بالشاب إلي فقدان الثقة فيمن يحلم بالارتباط بها أحيانا, حتي لو كانت غير ذلك اعتمادا علي خبرته السابقة, فيما شاهد ورأي من سلوكيات تؤدي لفقدان الثقة بالفعل.
ويقول الشيخ عبدالرحمن: النبي صلي الله عليه وسلم يدعو الشباب إلي الزواج عندما يقول: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج).
بل ويدعو النبي صلي الله عليه وسلم أهل الفتاة إلي الاستجابة لهذه الدعوة عندما يقول (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).
ويدعو الشيخ عبدالرحمن الشباب إلي أن يقدموا علي الزواج ويطرحوا فقدان الثقة في الزوجة جانبا عندما يختار الشاب زوجته علي أساس الدين وليس الحسب والنسب والمال والجمال .. امتثالا لقول النبي صلي الله عليه وسلم: (اظفر بذات الدين تربت يداك).
ويدعو الشيخ عبدالرحمن إلي ضرورة تنظيم حملة موسعة تتبناها جميع أجهزة الدولة لدعوة الشباب إلي الزواج قبل أن تعم الكارثة, ويعمنا الله بغضبه.. ويقول: علينا أن ننطلق من قوله تعالي: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها, وجعل بينكم مودة ورحمة, إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).
في الزواج .. صحة
ويؤكد خبير علم الاجتماع والنفس الدكتور عادل عزالدين الأشول ـ رئيس مركز الإرشاد النفسي السابق بجامعة عين شمس أن في الزواج صحة, وأن المتزوجين أصحاء أكثر من العزاب حتي لو كانت سعادة المتزوجين نسبية, وقد أشارت دراسات كثيرة إلي أن العزاب أشقياء في حياتهم وتعساء في الغالب لأنهم يعتمدون علي طعامهم وشرابهم من خارج المنزل ويعيشون بمفردهم مما يزيد من احتمالات تعرضهم لأحداث مكروهة وهم عرضة للانحراف والوقوع في سلوكيات ضارة قد تعصف بحياتهم مثل الانحرافات الجنسية والإدمان وغيرها.
وعن أسباب عزوف الشباب عن الزواج من الناحية النفسية يقول الدكتور عادل عز الدين الأشول: إضافة للعوامل الاقتصادية هناك أسباب نفسية واجتماعية منها الانفتاح علي العالم بعد أن أصبحت الدنيا كلها قرية صغيرة من خلال انتشار شبكة المعلومات الدولية التي من خلالها بدأ الشباب يتعرفون علي عادات وتقاليد شعوب أخري أخذوا في تقليدها فضلا عن اتساع دائرة الحريات الشخصية في الاختلاط بين الجنسين وتوافر فرص إقامة علاقات حرة خارج دائرة العائلة والأسرة, فضلا عن التفكك الأسري وضعف الروابط العائلية عما كانت عليه من قبل. وكل ذلك أدي لأن تصبح مؤسسة الزواج موضة قديمة في نظر العازفين عن الزواج خصوصا أن الدخول في المؤسسة الزواجية تترتب عليه أعباء مادية كثيرة ينبغي علي الزوج الوفاء بها, بينما البقاء في حياة العزوبية يخفف عن الشاب أعباء الوفاء بهذه الالتزامات, وهو ما شجع الكثير من الشباب علي الاتجاه نحو الزيجات العرفية التي قد تترتب عليها أعباء أقل والتي اضطرت كثير من الفتيات إلي الموافقة عليها لانحصار فرص الزيجات التقليدية, والتي أدي تناقصها إلي هذه المعدلات الكبيرة في أعداد العوانس من الجنسين في بلادنا.
المصدر/ مجلة نصف الدنيا