اجتماع الشمس والقمر
من أهوال يوم القيامة وعظائمه التي تهول المنظر وتفزع القلوب حيث يشاهد الناس ما لم يعهدوه؛ حيث يرون اجتماع الشمس والقمر؛ فتزداد النفوس قلقا وهلعا؛ مما يدل على عظم هول ذلك اليوم العظيم.
وقد دل على ذلك صريح القرآن والسنة؛ قال تعالى:
﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ﴾ (سورة القمر 7-10).
قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره: وجمع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء، فلا ضوء لواحد منهما، وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر لي: ﴿ وَجُمِعَ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ﴾ وقيل: إنهما يجمعان ثم يكوّران.
وقال الحافظ الحكمي في معارج القبول:
وَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْقَمَرَانِ يَأْذَنُ رَبُّنَا لَهُمَا فَيَجْتَمِعَانِ.. إِلَخْ.
يُشِيرُ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾ سورة القمر (8-9)، وَقَوْلِهِ: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ (التكوير آية 1)، خَسَفَ أَظْلَمَ وذهب نوره وضوءه، ﴿ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾ (سورة القمر آية 9) أَيْ صَارَا أَسْوَدَيْنِ مُكَوَّرَيْنِ كَأَنَّهُمَا ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ (التكوير آية 1) أَظْلَمَتْ, وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنْهُ: ذَهَبَتْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: اضْمَحَلَّتْ وَذَهَبَتْ, وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ. وَقَالَ قتادة: ذهب ضوءها. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كُوِّرَتْ: غُوِّرَتْ, وَقَالَ ربيع بن خثيم: رُمِيَ بِهَا. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: أُلْقِيَتْ. وَعَنْهُ أَيْضًا: نُكِّسَتْ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: تَقَعُ فِي الْأَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّكْوِيرَ جَمْعُ الشَّيْءِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ, وَمِنْهُ تَكْوِيرُ الْعِمَامَةِ, وَجَمْعُ الثِّيَابِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ, فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ (التكوير آية 1) جُمِعَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ لُفَّتَ فَرُمِيَ بِهَا, وَإِذَا فُعِلَ بِهَا ذلك ذهب ضوءها. وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ (التكوير آية 1) قَالَ: يُكَوِّرُ اللَّهُ تَعَالَى الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْبَحْرِ, وَيَبْعَثُ اللَّهُ تَعَالَى رِيحًا دَبُورًا فَيُضْرِمُهَا نَارًا. وَكَذَا قَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ.
وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ (التكوير آية 1) قَالَ: ) كُوِّرَتْ فِي جَهَنَّمَ (. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (.
وَلِلْبَزَّارِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ) إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ثَوْرَانِ فِي النَّارِ عَقِيرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (.
موقع الإسلام