عنف العواصف الفضائية
(*)يمكن لموجات الصدم الآتية من الشمس أن تستثير اضطرابات
حادة في الفضاء المحيط بالأرض، وهذا يعرِّض للخطر السواتل
ورواد الفضاء الدائرين في أفلاكها. وتوجد حاليا مَرْكَبَة فضائية
جديدة تُظهر كيفية نشوء العواصف الفضائية وتطورها.
<L.J.بيرش>
بدأت العاصفة في يوم معروف بعنف أحداثه: إنه يوم الباستيل، يوم الذكرى السنوية لبدء الثورة الفرنسية. ففي صباح يوم14/7/2000 رصد مركز بيئة الفضاء Space Environment Center، في پولدر بكولورادو، إشارة تحذيرية من الساتل GOES-8، الذي يرصد الأشعة السينية الصادرة عن الشمس، وكذلك الأحوال الجوية على الأرض. وفي الساعة 10:03 بالتوقيت العالمي رأى الراصدون الجويون في المركز قفزة حادة في شدة الأشعة السينية المنبثقة من المنطقة النشيطة 9077، وهي جزء من سطح الشمس كان مضطربا طوال الأسبوع السابق. وقد أشارت البيانات إلى بداية ألسنة لهب شمسية، أي دفقا قصير الأمد، ولكن قويا، من الإشعاعات الشمسية.
إن ألسنة اللهب هذه، التي بلغت شدتها العظمى في الساعة 10:24 بالتوقيت العالمي، شوهدت أيضا في مرصد الشمس وغلافها (الذي يرمز إليه اختصارا بكلمة سوهو SOHO)، وهو مركبة فضائية تقع بين الأرض والشمس، على بعد نحو 1.5 مليون كيلومتر عن كوكبنا. وبعد نصف ساعة، ومع فتور ألسنة اللهب، رصد سوهو حدثا أكثر شؤما: إنه سحابة براقة متمددة كانت تحيط بالشمس على شكل هالة. إنها حالة قذف لمادة إكليلية (CME)، أي ثوران في الإكليل ـ وهو الجو الخارجي للشمس ـ يقذف بلايين الأطنان من الجسيمات المشحونة كهربائيا إلى الفضاء بين الكوكبي. وكان شكل الهالة يعني أن هذه الجسيمات كانت تتجه مباشرة نحو الأرض، بسرعة قدرها 1700 كيلومتر في الثانية.
ومع اختراق المادة الإكليلية المقذوفة للريح الشمسية ـ وهي دفق من الغازات المؤينة التي تندفع إلينا باستمرار من الشمس ـ تولدت موجة صدم أدت إلى تسريع بعض الجسيمات المشحونة إلى سرعات أعلى. وفي أقل من ساعة ضرب سوهو طوفان من الپروتونات العالية الطاقة عطّل معداته مؤقتا. وقد أدى القصف إلى حدوث أضرار في الصفيفات الشمسية للمركبة الفضائية، مسببة خلال 24 ساعة فقط من هذه الأضرار ما يحدث عادة خلال سنة كاملة. لكن هذا السيل من الجسيمات لم يكن سوى الطرف المتقدم من العاصفة. فموجة الصدم المدفوعة بالمادة الإكليلية المقذوفة وصلت في اليوم التالي، ضاربة بعنف حقل الأرض المغنطيسي في الساعة 14:37 بالتوقيت العالمي، وكان هذا الصدم إشارة إلى بداية عاصفة أرضية مغنطيسية geomagnetic هوجاء، أطلق العنان لها، بعد بضع ساعات، وصول المادة الإكليلية المقذوفة نفسها. وطبقا لمؤشر نشاط الأرض المغنطيسي الذي يستعمله مركز بيئة الفضاء، فإن عاصفة يوم الباستيل كانت الأعظم منذ عقد من الزمن تقريبا.
كان معظم الناس على الأرض غافلين تماما عن هذه الألعاب النارية السماوية، لكن الباحثين كانوا يتابعون العاصفة عن قرب، ويجمعون البيانات (المعطيات) من المعدات الموجودة على الأرض وفي الفضاء. ومن بين السواتل التي كانت تلاحق مسار العاصفة كان الساتل الذي أُطلق عليه اسم إيميج Imager for Magnetopause-to- Aurora Global Exploration IMAGE «مصور الاستكشاف العالمي من حد التوقف المغنطيسي ـ إلى الشفق القطبي»، والذي أطلقته وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) NASA في ربيع عام 2000. إن إيميج هو أول ساتل مخصص للحصول على صور لغلاف الأرض المغنطيسي، أي تلك المنطقة من الفضاء المحمية بحقل الأرض المغنطيسي. وبتوفيره الصور الشاملة لنشاط غلاف الأرض المغنطيسي، يقدّم هذا الساتل للفضاء ما قدمته سواتل الطقس الأولى التي أُطلقت لرصد جو الأرض.
في عام 1996 تم اختياري من قِبَلِ ناسا لقيادة فريق من المهندسين والعلماء لإنشاء مركبة الفضاء إيميج وتحليل البيانات التي تبثها. ومع تطور عاصفة يوم الباستيل تسلّمنا صورا مذهلة للأيونات التي تدور حول الأرض، وصورا للشفق القطبي المتلألئ ـ الأضواء الشمالية ـ التي حدثت عندما صدمت الجسيمات المشحونة الغلاف الجوي العلوي. وستساعد النتائج العلماء على الإجابة عن السؤالين القديمين المتعلقين بكيفية قذف المادة الإكليلية وكيفية تفاعل الريح الشمسية مع غلاف الأرض المغنطيسي. كذلك، فقد يكون للنتائج تطبيقات عملية. فالعواصف الفضائية يمكنها تعطيل السواتل، وتهديد سلامة رواد الفضاء، بل قد تستطيع أن تضرب شبكات الطاقة على الأرض [انظر الإطار في الصفحة 62]. وبالفعل فإن عاصفة يوم الباستيل تسببت في خسارة الساتل المتقدم لعلم الكون والفيزياء الفلكية Advanced Satellite for Cosmology and Astrophysics، وهو مرصد للأشعة السينية أطلقته وكالة أبحاث الفضاء اليابانية عام 1993. وأملا بالتخفيف من هذه الآثار في المستقبل، فإن العلماء حريصون على الاهتمام بتحسين دقة التنبؤ بأحوال الطقس الفضائي.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]انفجار عنيف في جو الشمس الخارجي حدث في 8/11/2000، قذف بلايين الأطنان من الجسيمات المشحونة نحو الأرض. وقد رُصد الحدث بواسطة مرصد الشمس وغلافها Solar and Heliospheric Observatory (SOHO) . ويَستعمل راسم الإكليل الشمسي التابع للمركبة الفضائية قرصا (الدائرة السوداء) لحجب النور المباشر الآتي من الشمس (الدائرة البيضاء) كي يمكن رؤية جوها الخارجي. |
إنها ليست الحرارة أو الرطوبة
(**)الطقس في الفضاء، مثل الطقس على الأرض، متقلب جدا. ويمكن للأحوال أن تتغير من هادئة إلى عاصفة خلال دقائق، كما يمكن للعواصف أن تدوم ساعات أو أياما. ومثلما يتغير طقس الأرض مع الفصول تماما، فإن طقس الفضاء أيضا يتبع دورته الخاصة به. فنشاط الشمس المغنطيسي، الذي يُحدث ألسنة اللهب الشمسية ويقذف المادة الإكليلية، يتصاعد ويهبط في دورة طولها 11 سنة، ومن ثم فالعواصف الأرضية المغنطيسية تتبع نفس النمط. وقد حدثت عاصفة يوم الباستيل خلال الذروة الشمسية، وهي المرحلة الأشد نشاطا في الدورة. ويتغير طقس الفضاء أيضا، وإن كان بدرجة أقل دراماتيكية، وذلك تبعا لمدة دوران الشمس حول نفسها، والتي يبلغ طولها 27 يوما؛ فيما ترسل الشمس عبر الأرض تيارات الريح الشمسية المتناوبة بين السرعة والبطء.
لكن طقس الفضاء ينشأ عن عمليات فيزيائية تختلف جذريا عن تلك المسؤولة عن طقس الأرض. فالوسط المادي لطقس الأرض هو الغاز الكثيف المحايد كهربائيا الموجود في طبقة جو الأرض الدنيا، والذي تتحكم في تصرفاته قوانين ديناميك الموائع والديناميك الحراري (الثرموديناميك). وبالمقابل، فالوسط المادي لطقس الفضاء هو الپلازما ـ غازات خفيفة الكثافة جدا، مكوّنة من عدد متساو من الأيونات الموجبة الشحنة والإلكترونات السالبة الشحنة. وعلى عكس ذرات جو الأرض وجزيئاته، فإن جسيمات الپلازما عرضة لتأثير الحقول الكهربائية والمغنطيسية، التي توجِّه وتسرِّع هذه الجسيمات أثناء رحلتها عبر الفضاء المحيط بالأرض.
يتأثر طقس الأرض بأشعة الشمس عند تسخينها لجو الأرض وللمحيطات ولكتل اليابسة. أما في غلاف الأرض المغنطيسي فينتج الطقس من التفاعل بين حقل الأرض المغنطيسي والريح الشمسية. فللريح الشمسية حقلها المغنطيسي الخاص بها، الذي يتنقل مع الپلازما المتدفقة إلى الفضاء بين الكوكبي. وأثناء حمل الريح الشمسية لهذا الحقل المغنطيسي بين الكوكبي بعيدا عن الشمس، تمتد خطوط هذا الحقل إلى الخارج عادة، بحيث تتجه شعاعيا (نحو الشمس أو بعيدا عنها). ولكن، في ظروف معينة، يمكن لخطوط هذا الحقل بين الكوكبي أن تبتعد عن المستوى الاستوائي للشمس، متجهة نحو الشمال أو الجنوب. وتشكل خطوط الحقل المغنطيسي بين الكوكبي المتجهة جنوبا، عندما يكون الحقل قويا ومستمرا، عاملا أساسيا في استثارة العواصف الأرضية المغنطيسية. وقد كان الحقل المغنطيسي بين الكوكبي متجها جنوبا لعدة ساعات أثناء عاصفة يوم الباستيل.
وتشكل الپروتونات معظم مكوِّنات الريح الشمسية، ذلك أنها تكوّن نحو %80 من إجمالي كتلتها. كما تشكل نوى الهليوم زهاء%18 من تلك الكتلة، وهناك أيضا مقادير ضئيلة من أيونات أثقل. ومعدل كثافة الريح الشمسية في فلك الأرض هو 9 پروتونات في السنتيمتر المكعب. أما معدل سرعة هذه الريح فهو 470 كيلومترا في الثانية، ومعدل قوة الحقل المغنطيسي بين الكوكبي هو 6 نانوتسلا nanotesla (أي نحو واحد من خمسة آلاف من قوة الحقل المغنطيسي الأرضي عند سطح الأرض). وهذه الخصائص، وكذلك اتجاه الحقل المغنطيسي بين الكوكبي متغيرة بشدة، وهذا التغير هو الذي يفسر في النهاية التغير في طقس الفضاء.
إن جميع الأجسام في النظام الشمسي مغمورة في الريح الشمسية، التي تستمر في تدفقها بعيدا عن الشمس حتى تقابل غازات محايدة أو مؤينة في الفضاء بين النجمي. لكن هذه الريح لا تصطدم مباشرة بالأرض وجوّها. فالأرض محصنة بحقلها المغنطيسي، الذي يشكل نوعا من الفقاعة داخل تيار الجسيمات المشحونة الآتية من الشمس. ويتحدد شكل هذه الفجوة ـ غلاف الأرض المغنطيسي ـ بضغط الريح الشمسية وبالحقل المغنطيسي بين النجمي [انظر الشكل في الصفحة المقابلة]. فالريح الشمسية تضغط حقل الأرض المغنطيسي في الجانب المضيء من الأرض ـ الجهة التي تواجه الشمس ـ وتمط هذا الحقل في الجانب المظلم منها ليشكل ذيلا طويلا يشبه ذيل المذنب؛ ويمتد هذا الذيل المغنطيسي أكثر من مليون كيلومتر بعد الأرض، أي إنه يتجاوز فلك القمر بمسافة كبيرة.
تأثيرات عواصف الفضاء
(***) خلال العواصف الأرضية المغنطيسية تتدوم الجسيمات المشحونة كالدوامات حول الأرض وتقصف الأجواء العليا فيها خاصة عند خطوط العرض العليا. ويمكن لقصف الجسيمات أن يؤدي إلى آثار شديدة في:
◘ شبكات الطاقة: عندما تتدفق الإلكترونات كالشلالات نحو الأرض، تولّد تيارا قويا في الأجواء العليا، يسمى النافورة الكهربائية الشفقية، ويؤدي هذا التيار إلى تقلبات في حقل الأرض المغنطيسي، وهذا قد يستحث جيشانات كهربائية في خطوط الطاقة على الأرض. وخلال عاصفة أرضية مغنطيسية شديدة في 13/3/1989، أدى جَيَشانٌ إلى تعطيل تام لشبكة محطات الطاقة التي تدار بالقوى المائية في مقاطعة كويبك، مغرقا أنحاء واسعة من كندا في الظلام.
◘ السواتل: عندما تضرب الجسيمات ساتلا، يُصبح سطح المركبة مشحونا. وقد يستحث هذا الشحن أحيانا شرارات يمكن أن تقصر short circuit الدارات الكهربائية لإلكترونيات الساتل. كذلك فإن العواصف الفضائية تسخن جو الأرض، وهذا يؤدي إلى تمدده. وإذا أصبحت كثافة الجو عند فلكِ ساتلٍ ما عالية بقدر كاف، فإن الاحتكاك سيُبطئ المركبة ويجرها نحو الأسفل. وقد كانت هذه العملية سبب السقوط قبل الأوان لمختبر الفضاء سكايلاب Skylab عام 1979.
◘ روّاد الفضاء: يمكن لعاصفة قاسية أن تعرض محطة الفضاء الدولية للپروتونات التي قد تخترق البزات الفضائية، بل حتى جدران المحطة. ولحماية روادها في الفضاء تراقب ناسا بيانات الطقس في الفضاء. وإذا قدر أن عاصفة قادمة قد تسبب خطرا، تؤجل ناسا سير الرواد المخطط له في الفضاء، أو حتى تلغيه. وقد تأمر الرواد باللجوء إلى الأقسام المدرعة في المحطة. |
ويوجد بين الريح الشمسية وغلاف الأرض المغنطيسي حد رفيع يسمى الفاصل المغنطيسي magnetopause، حيث يوازن ضغط الحقل الأرضي المغنطيسي ضغط الريح الشمسية. وفي الجانب المضيء من الأرض، يبعد هذا الحد نحو000 64 كيلومتر عن مركز الكوكب، مع أن هذه المسافة تتغير بتغير ضغط الريح الشمسية. فعندما يشتد الضغط، كما حصل خلال عاصفة يوم الباستيل، يُدفع الفاصل المغنطيسي باتجاه الأرض مسافة قد تصل أحيانا إلى000 26 كيلومتر.
وتماما كما يُحدِث مرور طائرة بسرعة تفوق سرعة الصوت عبر جو الأرض موجة صدم، يُحدث تلاقي الريح الشمسية مع الغلاف المغنطيسي موجة صدم أيضا ـ تسمى صدمة قوسية bow shock ترتفع نحو 13000 كيلومتر فوق الفاصل المغنطيسي للجانب المضيء من الأرض (أي إنها أقرب إلى الشمس)، وتُعرف منطقة پلازما الريح الشمسية بين الصدمة القوسية والفاصل المغنطيسي باسم الغمد المغنطيسي magnetosheath. وبسبب مرورها عبر الصدمة، تكون پلازما الغمد المغنطيسي أبطأ وأسخن وأكثر اضطرابا من الپلازما الأمامية الأبعد عنها.
أظهرت مكاشيف السواتل أن الجسيمات المشحونة المحيطة بالأرض هي مزيج من پلازما الغمد المغنطيسي (والتي معظمها پروتونات) وتلك الپلازما التي تتدفق إلى الخارج من طبقات الغلاف الجوي العلوي فوق القطبين الشمالي والجنوبي (والتي معظمها
پروتونات وأيونات الأكسجين). وتتغير نسب هذا المزيج تبعا لما إذا كان غلاف الأرض المغنطيسي في حالة هدوء أو اضطراب. وأثناء العواصف الأرضية المغنطيسية، تقصف الجسيمات المشحونة الأرض عند خطوط العرض العليا. وتسخّن التيارات الكهربائية الناتجة من هذا القصف طبقات الجو العليا، ضاخةً كميات متزايدة من الپروتونات وأيونات الأكسجين إلى داخل غلاف الأرض المغنطيسي. وتُخزَن هذه الپلازما مع پلازما الريح الشمسية، التي نجحت في دخول غلاف الأرض المغنطيسي، في مستودع كبير يُسمى صفيحة الپلازما plasma sheet، وهو يمتد عشرات آلاف الكيلومترات في الجانب الليلي من الأرض.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]تَحدث الاضطرابات في غلاف الأرض المغنطيسي عندما يتحول الحقل المغنطيسي بين الكوكبي الذي تحمله الريح الشمسية نحو الجنوب. وفي عملية، تسمى إعادة الوصل، تتصل خطوط الحقل المغنطيسي بين الكوكبي بخطوط حقل الأرض المغنطيسي المتجهة شمالا في الجانب المضيء من الفاصل المغنطيسي (1). وتندفع الطاقة والجسيمات من الريح الشمسية إلى حقل الأرض المغنطيسي، موسعة فصّيه الشمالي والجنوبي ومضيقة صفيحة الپلازما. ثم تعود خطوط حقل الأرض المغنطيسية نفسها إلى التواصل (2) مسرعة الأيونات والإلكترونات نحو الأرض. |
وفي صميم دراسة طقس الفضاء يَرِدُ السؤال التالي: كيف تؤثر تغيرات الريح الشمسية في أحوال الفضاء المحيط بالأرض؟ وبعبارة أخرى، كيف تستطيع الريح التغلب على حاجز الحقل الأرضي المغنطيسي وتوليد حركات الپلازما داخل غلاف الأرض المغنطيسي؟
النفخ في الريح الشمسية
(****)هناك جواب اقترحه عام 1960<F.جونسون> [من قسم الصواريخ والفضاء في شركة لوكهيد]، وهو أن غلاف الأرض المغنطيسي مغلق أساسا. وطبقا لهذه الفرضية، فإن الريح الشمسية تستطيع نقل الطاقة والزخم (الاندفاع) momentum إلى الپلازما المحيطة بالأرض، وذلك بواسطة حركات الموجات على طول الفاصل المغنطيسي دون غيرها. ويمكن أن تنتج هذه الحركات من التفاعل اللزج بين پلازما الريح الشمسية وپلازما غلاف الأرض المغنطيسي؛ وتشبه هذه العملية توليد الأمواج بهبوب الرياح فوق الماء. وبالفعل فقد رُصدت موجات عند الفاصل المغنطيسي. ولكن يظهر أن هذه الموجات غير قادرة على توليد حركة دوران كبيرة الحجم لغلاف الأرض المغنطيسي، وغير قادرة أيضا على توليد الاضطرابات التي كثيرا ما تحدث هناك. كذلك لا تسمح هذه الموجات بدخول فعّال للپلازما المسرَّعة بالريح الشمسية إلى غلاف الأرض المغنطيسي.
لهذه الأسباب، لا تعتبر موجات الفاصل المغنطيسي الأداة الرئيسية التي يمكن بواسطتها للريح الشمسية التأثير في غلاف الأرض المغنطيسي. وثمة آلية بديلة تسمى إعادة الوصل المغنطيسي magnetic reconnection اقتُرحت للمرة الأولى عام 1961 من قِبَل الفيزيائي الإنگليزي <W.J.دنجي> ـ يُعتقد عموما أنها تقدم تفسيرا أفضل. في هذه العملية تصبح خطوط الحقل المغنطيسي بين الكوكبي متداخلة مؤقتا مع خطوط الحقل الأرضي المغنطيسي، وذلك في الجانب المضيء من الفاصل المغنطيسي [انظر الشكل في هذه الصفحة]. ويسمح هذا التشابك في خطوط الحقل لكميات كبيرة من الپلازما والطاقة المغنطيسية أن تنتقل من الريح الشمسية إلى غلاف الأرض المغنطيسي.
وتكون إعادة الوصل أكثر فاعلية عندما يمتلك الحقل المغنطيسي بين الكوكبي مركبة component موجهة نحو الجنوب، أي معاكسة لتوجه حقل الأرض المغنطيسي نحو الشمال، وذلك في الجانب المضيء من غلاف الأرض المغنطيسي. وفي هذه الظروف تتم إعادة الوصل على طول حزام استوائي عريض، فاتحة بذلك تخوم غلاف الأرض المغنطيسي بكامله تقريبا للريح الشمسية. أما في الاتجاهات الأخرى للحقل المغنطيسي بين الكوكبي، فتحدث إعادة الوصل أيضا، ولكنها قد تتركز عند خطوط العرض العليا، حيث تتدفق الطاقة المحررة عموما حول غلاف الأرض المغنطيسي بدلا من أن تندفع إلى داخله.
ويغيّر انتقال الطاقة المغنطيسية من الريح الشمسية شكل غلاف الأرض المغنطيسي تغييرا جذريا. فعندما تبدأ إعادة الوصل في الجانب المضيء من الفاصل المغنطيسي، تكتسح الريح الشمسية الخطوط المتشابكة للحقل المغنطيسي بين الكوكبي وحقل الأرض المغنطيسي وتردّها إلى قطبي الأرض، دافقةً طاقة في الفصين الشمالي والجنوبي للذيل المغنطيسي الطويل في الجانب المظلم منه. ومع انتفاخ الفصين بالطاقة المغنطيسية المضافة، ترق الپلازما الواقعة بينهما. وتستمر هذه العملية إلى أن تنضغط الخطوط المغنطيسية للفصين الشمالي والجنوبي، المتعاكسة بالاتجاه، بعضها على بعض، ومن ثم يعاد وصلها معا.
وتحرر إعادة الوصل الثانية هذه الحقل المغنطيسي للريح الشمسية، وهذا يمكّنها من الاستمرار بالتدفق عبر النظام الشمسي. وفي الوقت نفسه، تسمح إعادة الوصل لخطوط حقل الأرض المغنطيسي، التي تمددت باتجاه الذيل أثناء تحميل الفصين، بأن تعود بسرعة إلى تشكيلها العادي. وتسخّن الحركة المفاجئة لخطوط الحقل المغنطيسي الأيونات والإلكترونات في صفيحة الپلازما وتسرِّعها، قاذفة بها إلى الجزء الداخلي من غلاف الأرض المغنطيسي. هذا وإن بعض هذه الجسيمات، المرتحلة على طول خطوط الحقل الأرضي المغنطيسي، تغوص في طبقات جو الأرض العليا فوق القطبين، مستحثة عند اصطدامها بذرات الأكسجين وجزيئات النتروجين، إصدارات شفقية لها أطوال موجات الأشعة السينية وفوق البنفسجية والمرئية والراديوية. ويسمى تسلسل هذه الأحداث بمجمله ـ من إعادة الوصل في الجانب المضيء إلى إعادة الوصل في الجانب المظلم إلى الإشعاع الشفقي ـ عاصفة جزئية لغلاف الأرض المغنطيسي magnetospheric substorm.
عاصفة فضائية خلال حدوثها
(*****)<TABLE style="BORDER-RIGHT-WIDTH: 0px; BORDER-COLLAPSE: collapse; BORDER-TOP-WIDTH: 0px; BORDER-BOTTOM-WIDTH: 0px; BORDER-LEFT-WIDTH: 0px" id=table25 class=tableForPic border=1 cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%"> <TR> <td style="BORDER-BOTTOM: medium none; BORDER-LEFT: medium none; BORDER-TOP: medium none; BORDER-RIGHT: medium none"> </TD></TR></TABLE>
كان الإنذار الأول بحدوث عاصفةِ يومِ الباستيل هو ظهور ألسنة لهب شمسية في 14/7/2000. وتُظهر صور الشمس التي التقطها مقراب تصوير الإشعاعات فوق البنفسجية المتطرفة (EUT) على السفينة الفضائية سوهو (في الأعلى) المنطقة النشيطة 9077 (في الإطار الأبيض) قبل وأثناء حدوث ألسنة اللهب الشمسية.
وفي الوقت نفسه تقريبا، رصد المقياس الطيفي للإكليل (CDS) المحمول على سوهو قذفا للمادة الإكليلية الشمسية، سرعان ما أغرق مركبة الفضاء بطوفان من پروتونات عالية السرعة، وهذا أدى إلى عمى مؤقت لآلات المركبة (في الوسط). وقد ارتطمت موجة الصدم ومقذوفات المادة الإكليلية بحقل الأرض المغنطيسي في اليوم التالي، مستحثة ظاهرة الشفق القطبي، التي رُصدت بواسطة آلة التصوير ذات النطاق العريض في الساتل إيميج (في الأسفل)، كما أدت إلى انخفاض كبير في شدة حقل الأرض المغنطيسي عند سطح الكوكب (في وسط الصفحة المقابلة). وفي هذا المخطط البياني، الذي يسمى «مؤشر زمن اضطراب العاصفة» يمثل الصفر الحالة العادية لقوة الحقل السطحي. ومع تقدم العاصفة رصد جهاز «الذرة المحايدة العالية الطاقة» للساتل إيميج تعاظما ثم تضاؤلا في التيار الحلقي حول خط الأرض الاستوائي. (في أعلى الصفحة المقابلة). |
وإضافة إلى قيام إعادة الوصل للجانب المضيء بنقل طاقة مغنطيسية إلى فصيّ الذيل، فإنه أيضا يقوي الحقل الكهربائي عبر الذيل المغنطيسي. والحقل الأقوى، بدوره، يزيد من تدفق الأيونات والإلكترونات من صفيحة الپلازما إلى جوف الغلاف المغنطيسي للأرض. ويغذي هذا التدفق التيار الحلقي الأرضي، الذي تحمله الجسيمات المشحونة التي تدور حول الأرض فوق خط الاستواء على ارتفاعات تقع بين 6400 و 38000 كيلومتر. وأثناء الفترات الأطول لإعادة الوصل للجانب المضيء ـ التي تحدث عندما يبقى اتجاه الحقل المغنطيسي بين الكوكبي جنوبيا بشكل مستمر ـ فإن التعزيز المستمر لتدفق الپلازما باتجاه الأرض يزيد بقدرٍ كبير عدد الجسيمات المشحونة في التيار الحلقي وطاقاتها. ويمكن لفترة مطولة من التوجه الجنوبي للحقل المغنطيسي بين الكوكبي أن تؤدي أيضا إلى توال سريع للعواصف الجزئية، كل منها يضخ المزيد من الجسيمات نحو الأرض. ونمو قوة التيار الحلقي الناتج من ذلك هو السمة الكلاسيكية لعاصفة أرضية مغنطيسية مكتملة.
ها هي الشمس تأتي
(******)كثيرا ما يتجه الحقل المغنطيسي بين الكوكبي نحو الجنوب، لهذا فإن العواصف الجزئية لغلاف الأرض المغنطيسي شائعة بعض الشيء: فهي تحدث، وسطيا، بضع مرات في اليوم، وتدوم من ساعة إلى ثلاث ساعات. لكن العواصف الأرضية المغنطيسية الكبرى، كتلك التي حدثت يوم الباستيل، هي أندر بكثير؛ ومع أنها يمكن أن تحدث في أي وقت خلال الدورة الشمسية التي تدوم 11 عاما، إلا أنها تتكرر أكثر في وقت الذروة الشمسية.
وحتى مطلع التسعينات من القرن الماضي، كان يُعتقد على نطاق واسع أن ألسنة اللهب الشمسية هي التي تستحث العواصف الأرضية المغنطيسية. ولكن فيزيائيي الشمس والفضاء، كانوا يجمعون الدلائل التي أشارت بقوة إلى متهم آخر؛ وفي عام 1993 قام <T.J.گوسلينگ> [من المختبر الوطني في لوس ألاموس] بحَبْك الخيوط المختلفة للبراهين بعضها مع بعض في مقالة نشرت في مجلة Journal of Geophysical Research، تحدّت «أسطورة ألسنة اللهب الشمسية.» وقدّم گوسلينگ حججا دامغة على الدور المركزي الذي تؤديه مقذوفات المادة الإكليلية في استثارة العواصف الأرضية المغنطيسية الكبيرة. ولا يعرف العلماء حتى الآن سبب هذه الانفجارات العنيفة في الإكليل الشمسي. ولكن يبدو، على الأرجح، أن هذه الظاهرة تنطوي على إعادة تشكيل خطوط الحقل المغنطيسي هناك. وفي كثير من الأحيان، ولكن ليس دائما، يكون قذف المادة الإكليلية مرتبطا بألسنة اللهب الشمسية.
ولا يؤدي كل قذف للمادة الإكليلية إلى حدوث عواصف أرضية مغنطيسية. فمعظم الانفجارات ليست متجهة إلى الأرض؛ وحتى من بين تلك المتجهة إلى الأرض، فإن واحدا من ستة فقط يكون «مؤثرًا أرضيا» ـ أي قويا بما يكفي ليستحث عاصفة على الأرض. والعامل الأولي هو سرعة قذف المادة الإكليلية بالنسبة إلى سرعة الريح الشمسية. إن القذف السريع للمادة الإكليلية هو فقط الذي يكون مؤثرا أرضيا. تُرى، ما سبب ذلك؟ حين يحدث قذف سريع للمادة الإكليلية عبر الريح الشمسية الأبطأ، تنتج موجات صدم بين كوكبية تكون مسؤولة عن وابلات الجسيمات العالية الطاقة، وعن التشوهات الشديدة في حقل الأرض المغنطيسي. وأكثر أهمية من ذلك، فإن القذف السريع للمادة الإكليلية يضغط الريح الشمسية أمامه، مضخما شدة الحقل المغنطيسي في المنطقة المضغوطة وفي الجزء الأمامي من مقذوفات المادة الإكليلية نفسه. إضافة إلى ذلك، فإن إسدال الحقل حول مقذوفات المادة الإكليلية يميل إلى زيادة في حرف الحقل المغنطيسي بين الكوكبي إلى الاتجاه الشمالي ـ الجنوبي، وهذا يؤدي إلى إعادة وصلٍ أقوى عندما يلتقي الحقلُ المغنطيسي بين الكوكبي حقلَ الأرض المغنطيسي.
ويحدث نوع أضعف من العواصف الأرضية المغنطيسية أثناء مرحلة الهبوط في الدورة الشمسية، وقرب فترة الحضيض الشمسي. وهذه الاضطرابات، التي تميل إلى الحدوث بتناسق مع دورة ال27 يوما لدوران الشمس حول نفسها، تنطلق بتأثير التفاعل بين الريح الشمسية السريعة المنطلقة من فجوات في إكليل الشمس والريح الأبطأ المنبثقة من حزام الشمس الاستوائي السيال streamer. ومع أن قذف المادة الإكليلية ليس سببا رئيسيا في تكرر هذه العواصف، فإنه قد يُسهم في زيادة حدتها.
ومع إطلاق الساتل إيميج في عام 2000 امتلك الباحثون أخيرا الوسائل للحصول على صور شاملة لتقدم عاصفة أرضية مغنطيسية كبرى، دقيقة فدقيقة. فالساتل يتنقل في فلك قطبي إهليلجي، على ارتفاع يراوح بين 1000 و000 46كيلومتر. ويسمح هذا الفلك للمركبة برصد قسم واسع من غلاف الأرض المغنطيسي، بما في ذلك الجانب المضيء للفاصل المغنطيسي، والمناطق الداخلية من الذيل المغنطيسي، ومناطق القُرنة القطبية polar cusp، وكلها بوابات الدخول الرئيسية للجسيمات الآتية من الريح الشمسية.
عاصفة الفضاء التامة
(*******)إن آلات إيميج صُممت لترصد الپلازما في غلاف الأرض المغنطيسي، ولكنها تقوم بذلك بطرق مختلفة، إذ تحتوي المركبة على ثلاث آلات تصوير للذرة المحايدة طاقيا (Energetic Neutral Atom (ENA تقيس دفق الأيونات بطريقة غير مباشرة، فعندما يصطدم أيون سريع الحركة (مثل أيون أكسجين) بإحدى ذرات الهدروجين المحايدة في غلاف الأرض المغنطيسي، يُجرد الأيون أحيانا ذرة الهدروجين من الإلكترون الوحيد فيها، فتصبح ذرة محايدة طاقيا. ولأن هذه الذرة لم تعد تحمل شحنة، فإنها لا تتحرك تبعا لخطوط الحقل المغنطيسي الأرضي؛ ولكنها، بدلا من ذلك، تسير في خط مستقيم انطلاقا من النقطة التي تكوّنت فيها. وتسجل آلات تصوير ENA عدد الذرات المحايدة القادمة من منطقة معينة وطاقاتها، وعندئذ يمكن للباحثين ـ انطلاقا من هذه البيانات ـ استنتاج كتلة الأيونات وسرعتها واتجاهها وكثافتها في تلك المنطقة.
ويحمل الساتل أيضا عدة آلات تراقب الإصدارات في القسم فوق البنفسجي من الطيف. وتقيس آلة تصوير الأشعة فوق البنفسجية المتطرفة Extreme Ultraviolet EUV كثافة ذرات الهليوم المؤينة على انفراد في غلاف الأرض الپلازمي plasmasphere ـ وهو منطقة على شكل كعكة doughnut داخل غلاف الأرض المغنطيسي تحتوي على پلازما منخفضة الطاقة ـ وذلك بواسطة رصد ضوء الشمس فوق البنفسجي الذي تمتصه ثم تعيد إشعاعه. ويتضمن نظام تصوير الأشعة فوق البنفسجية البعيدة Far Ultraviolet FUV آلتين لرؤية الشفق: آلة التصوير ذات النطاق العريض Wideband Imaging Camera، وآلة تصوير الطيف Spectrographic Imager، إضافة إلى مقاييس ضوء الإكليل الأرضي Geocorona Photometers لرصد الإصدارات من ذرات الهدروجين المحايدة. أخيرا فإن آلة تصوير الپلازما الراديوية Radio Plasma Imager ترسل نبضات من الموجات الراديوية التي ترتد عائدة بعد اصطدامها بسحب الجسيمات المشحونة. وهذه الآلة الأخيرة تعمل كآلة الرادار التي تستعملها شرطة المرور في الولايات الأمريكية: فإشارة الراديو المرتدة تنقل معلومات عن اتجاه سحب الپلازما وسرعتها وكثافتها.
في هذا الشكل التوضيحي المرّكب تظهر المركبة الفضائية إيميج هنا فوق سحابة من الأيونات العالية السرعة تدور حول الأرض. وقد ولّد الباحثون صورة الأيونات مستخدمين بيانات من آلة تصوير الذرات المحايدة العالية الطاقة High Energy Neutral Atom Imager الموجودة على الساتل [ويقع هذا الجهاز على جهة المركبة الفضائية المقابلة لآلة تصوير الذرات المحايدة المتوسطة
الطاقة Medium Energy Neutral Atom Imager. وقد رَسمت آلة تصوير الپلازما الراديوية Radio Plasma Imager الموجودة على المركبة إيميج خريطة لسحب الجسيمات المشحونة بإرسالها نبضات من الموجات الراديوية من هوائيين محوريين طول كل منهما عشرة أمتار، ومن أربعة هوائيات شعاعية طول كل منها 250 مترا. ومع أن عرض جسم المركبة نفسها هو 2.25 متر فقط، فإن هذه الهوائيات تجعل إيميج واحدا من أكبر المجسات التي أُرسلت إلى الفضاء.<TABLE style="BORDER-RIGHT-WIDTH: 0px; BORDER-COLLAPSE: collapse; BORDER-TOP-WIDTH: 0px; BORDER-BOTTOM-WIDTH: 0px; BORDER-LEFT-WIDTH: 0px" id=table20 class=tableForPic border=1 cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%"> <TR> <td style="BORDER-BOTTOM: medium none; BORDER-LEFT: medium none; BORDER-TOP: medium none; BORDER-RIGHT: medium none"> </TD></TR></TABLE> |
أثناء حادث يوم الباستيل، بدأ الساتل إيميج بتسجيل آثار العاصفة بعد أقل من دقيقتين من ضرب موجة الصدم، التي أحدثها قذف المادة الإكليلية، لحقل الأرض المغنطيسي بتاريخ 15/7/2000. فآلة التصوير ذات النطاق العريض أرسلت صورا مذهلة للشفق القطبي الذي استحثه انضغاط الحقل [انظر الأشكال السفلية في الصفحتين 64 و 65]. وقد أظهر فيلم سينمائي، وُلِّد من هذه الصور، لمعانا مفاجئا مثيرا لحلقة فوق منطقة القطب الشمالي ـ بيضاوي الشفق(1) ـ مع إصدارات براقة تنطلق كنارٍ في الهشيم نحو القطب الشمالي، وقد فتر لهيب الشفق هذا بعد أقل من ساعة من بدء العاصفة، لكنه عاد فتوقد مرة أخرى عندما انطلقت موجة صدم ثانية في الساعة 17:00 تقريبا بالتوقيت العالمي. وتبعت ذلك عواصف جزئية صاحبت التحرر العنيف للطاقة المختزنة في الذيل المغنطيسي باتجاه طبقات الجو العليا. وقد استمرت عروض العواصف الجزئية والشفق القطبي بقية يوم 15/7/2000 وصباح يوم 16/7/2000.
وأثناء المرحلة الأساسية للعاصفة، التي بدأت بعد أربع ساعات من انطلاقها، انخفضت بسرعة كبيرة شدة حقل الأرض المغنطيسي عند سطح الأرض، وبلغ الانخفاض 300 نانوتسلا تحت القيمة العادية. وقد نتجت هذه الظاهرة ـ السمة المميزة للعواصف الأرضية المغنطيسية ـ من النمو المتسارع لتيار الحلقة. وقد وَلّدت آلات تصوير الذرة المحايدة طاقيا، الموجودة على الساتل إيميج، صورا تنبض بالحياة لهذا الدفق من الأيونات والإلكترونات حول الأرض أثناء وصولها إلى ذروتها في 16/7/2000؛ ثم بدأت بعد ذلك بالانحسار. [انظر الأشكال العلوية في الصفحة 64]. وعند انحسار انتقال الطاقة من الريح الشمسية، يتباطأ دفق الپلازما إلى داخل غلاف الأرض المغنطيسي، وتضيع الأيونات من تيار الحلقة بسرعة أكبر من سرعة وصول أيونات جديدة إليه. وعندما يضعف التيار، يستعيد حقل الأرض المغنطيسي شدته عند سطح الأرض. وتستغرق العودة إلى مستويات ما قبل العاصفة من يوم إلى بضعة أيام عادة، ولكنها قد تحتاج إلى أكثر من شهر في حالة العواصف الكبرى.
وتغير العواصف الأرضية المغنطيسية شكل غلاف الأرض الپلازمي أيضا. فدفق الپلازما المعزز من الذيل المغنطيسي نحو الأرض يؤدي إلى تآكل غلاف الأرض الپلازمي نتيجة دفع جسيماته المشحونة نحو الجانب المضيء من الفاصل المغنطيسي. وعندما تهدأ العاصفة يعود غلاف الأرض الپلازمي ليمتلئ بالأيونات التي تندفع إليه من طبقات الجو العليا. وقد افترض العلماء من دراسات النماذج النظرية أن المادة المتآكلة من غلاف الأرض الپلازمي يمكن أن تشكل ذيلا طويلا يمتد إلى الجانب المضيء من الفاصل المغنطيسي، وأنه من هناك يُفقَد في الريح الشمسية. وقد أكدت الصور الكوكبية الشاملة لغلاف الأرض الپلازمي، التي التقطتها آلة تصوير الأشعة فوق البنفسجية المتطرفة الموجودة على الساتل إيميج، هذه النظرية، التي عمرها الآن 30 سنة، [انظر الشكل في هذه الصفحة]. وفي الوقت نفسه كشفت الصور وجود بُنى في غلاف الأرض الپلازمي، وهذا أثار أسئلة جديدة حول الاستجابة الدينامية لهذا الغلاف للاضطرابات التي تحدث في غلاف الأرض المغنطيسي.
<TABLE style="BORDER-RIGHT-WIDTH: 0px; BORDER-COLLAPSE: collapse; BORDER-TOP-WIDTH: 0px; BORDER-BOTTOM-WIDTH: 0px; BORDER-LEFT-WIDTH: 0px" id=table24 class=tableForPic border=1 cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%"> <TR> <td style="BORDER-BOTTOM: medium none; BORDER-LEFT: medium none; BORDER-TOP: medium none; BORDER-RIGHT: medium none"> </TD></TR></TABLE>
في هذه الصورة يظهر غلاف الأرض الپلازمي كسحابة زرقاء شاحبة من الأيونات التي تحيط بالأرض (الدائرة الصفراء). وقد أخذت هذه الصورة، التي تم الحصول عليها بوساطة جهاز الأشعة فوق البنفسجية المتطرفة الموجود على إيميج، أثناء عاصفة أرضية مغنطيسية متوسطة الشدة، حدثت في 24/5/2000 وأكدت النتائج وجود ذيل الپلازما المفترض نظريا، كما كشفت بنية غير متوقعة لقبت «الكتف». |
في الأفق
(********)مع أن الساتل إيميج فتح نافذة جديدة على غلاف الأرض المغنطيسي، فإن رؤيتنا لطقس الفضاء مازالت غير مكتملة. وعلى خلاف السحب الأرضية، فإن سحب الپلازما كما يراها إيميج شفافة تماما، إذ لا شيء فيها مختفٍ عن الأنظار؛ لكن إدراك عمقها مازال غير موجود. ومن ثم ستبقى هنالك حاجة إلى السواتل للقيام بالقياسات المحلية للپلازما، وكذلك للحقول وللتيارات المتحكمة في حركتها.
وستستخدم الخطوة التالية في رصد طقس الفضاء مجموعات من السواتل تتجه إلى حيث تجري الأحداث. وتقوم وكالة الفضاء الأوروبية بالإشراف على البعثة الأولى في هذه العملية؛ وأُطلق عليها اسم Cluster II، وقد أطلقت في صيف عام 2000. (دُمِّرت بعثة اسمها Cluster I بانفجار صاروخ، وذلك قبل إقلاعها مباشرة عام 1996). وتتضمن بعثة Cluster II أربع مركبات فضائية متشابهة، مجمعة بعضها قرب بعض، ومصممة لسبر ظاهرة اضطراب الپلازما في غلاف الأرض المغنطيسي وفي الريح الشمسية القريبة منها. وتخطط ناسا أيضا لإرسال بعثة cluster أخرى ستُطلق عام 2006. وستدرس بعثة غلاف الأرض المغنطيسي المتعددة المقاييس Magnetospheric Multiscale mission إعادة الوصل، وتسريع الجسيمات المشحونة، والاضطرابات في الجانب المضيء من الفاصل المغنطيسي، وفي مواقع محددة من الذيل المغنطيسي حيث تستثار العواصف الجزئية.
وتنظر وكالات الفضاء في إيفاد بعثات أكثر طموحا تتضمن كوكبات من السواتل: عشرات من مرْكبات فضائية صغيرة جدا ستراقب مناطق واسعة من الفضاء، تماما كما تقوم شبكات الطقس العالمية حاليا برصد الأحوال الجوية على الأرض. وسترصد الكوكبة الأولى، على الأرجح، الجزء الداخلي من غلاف الأرض المغنطيسي، والجانب المضيء من الفاصل المغنطيسي، حيث تقوم كل مَرْكبة ـ بحجم كعكة حلوى ـ بتسجيل السمات الأساسية للپلازمات وللحقول المغنطيسية.
إن غلاف الأرض المغنطيسي يشكل حماية وخطرا في الوقت نفسه. فالحقل المغنطيسي القوي لهذا الغلاف يشكل درعا للبشر في وجه الإشعاعات التي تخترق الغلاف والتي يمكنها من دونه أن تكون قاتلة. ولكن هذا الحقل ليس قويا بما يكفي لحرف موجات الصدم الأقوى القادمة من الشمس بعيدا عنا. فغلاف الأرض المغنطيسي ـ شأنه شأن حزام الزوابع، أو منطقة الأعاصير المدارية ـ هو موقع لعواصف مفاجئة. ولهذا فإن نظم مراقبة العواصف، مثل الساتل إيميج، هي في غاية الأهمية.
المؤلف
James L. Burch
نائب رئيس قسم علوم وهندسة الفضاء في معهد بحوث ساوث وست في سان أنطونيو بتكساس، والباحث الرئيسي لبعثة إيميج IMAGE. حصل بيرش على الدكتوراه في علوم الفضاء من جامعة رايس عام 1986. وأبرز اهتماماته البحثية تتعلق بعمليات الشفق القطبي، والوصل المغنطيسي، وتصوير الغلاف المغنطيسي. وبيرش زميل في الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي، وهو حاليا رئيس لجنة فيزياء الشمس والفضاء في المجلس القومي للبحوث.
مجلة العلوم النسخة العربية