لقد هرمنا..هرمنا يا ولاد الجزمة!
أسامة غريب
ليس هناك أسوأ من الشجاعة المتأخرة التي يمارسها البعض علي الأموات.
بعد أن مات نظام مبارك و تم دفنه رأينا الكثيرين من نسانيس الإعلام و عناكبه الذين تربوا في مفارخ الرئيس المخلوع و عملوا بنظرية "اللي يتجوز أمي أقول له يا عمي" رأيناهم ينضوون تحت جناح أعمام جدد ممن تقدموا صفوف الثورة.
رأينا العناكب و النسانيس التي كانت تؤيد مبارك و تلعن الثوار تنقلب و تشتم مبارك و زوجته و ابنيه و تتفنن في جمع و نشر الوثائق التي تثبت أن الرئيس المخلوع كان أكبر حرامي!. حسناً.. هذا يعني أن رجال وسيدات الإعلام من النسانيس و العناكب كانوا يعملون في خدمة الحرامي الكبير و هذا و الله يدينهم و يشينهم!.
نحن نتعجل التخلص من أسافل القائمين علي الصحف و القنوات التليفزيونية لأن هذه المؤسسات لا ينفق عليها مبارك من ماله و مال اللي خلفوه لكن يتم الإنفاق عليها من فلوس المصريين، و نحن لا نقبل أن تصرف فلوسنا علي إعلام منحط كان ينافق الحرامي الكبير و الآن ينافق خصومه الذين انتصروا عليه.
و علي الرغم من حالة الفرح التي نعيشها بعد نجاح الاستفتاء إلا أنه مما يجرح هذه الفرحة أن زعيم الإرهابيين و اللصوص ما زال يعيش في قصره بشرم الشيخ و لم تصل إليه يد العدالة بعد، و لا ندري بصراحة ما هي المعايير التي تدفع بأحد اللصوص إلي المثول أمام جهات التحقيق، بينما تسبغ الحماية علي آخر و تمنع جهات العدالة من الاقتراب منه!.
الناس في بر مصر حائرون يفكرون، يتساءلون في جنون عن زكريا عزمي من يكون؟..هل صحيح أنه يباشر عمله في قصر الحكم بعد أن استبدل مخدوماً بآخر؟.
ما الذي يؤخر وقوفه أمام النيابات و المحاكم خصوصاً و سجله متخم بالجرائم الجنائية و السياسية، و منها التستر علي القتلة و تهريبهم خارج البلاد و منها الإستيلاء علي المال العام و نهب مساحات شاسعة من الأراضي في أماكن عديدة من أرض مصر.
و فتحي سرور المفسد الذي وضع علمه و خبرته في خدمة القتلة و اللصوص..الرجل الذي قبل علي نفسه أن يكون خادماً لجمال مبارك و مشروعه لحكم مصر...كيف لا يجلس في القفص حتي اليوم؟. كيف يعيش حياة عادية و كأنه مواطن صالح مثل بقية الناس؟. كيف نتركه ينعم بالمال و الممتلكات التي حصل عليها في الزمن البائد دون وجه حق؟.
و صفوت الشريف الرجل الخطير الذي لعب أسوا الأدوار في قهر المصريين و إماتتهم من الغم و الكمد بخططه و ألاعيبه و تدابيره الشيطانية في خدمة المخلوع و ابنه...ألم تجد جهات التحقيق ما تحاسبه عليه؟. ألم تقم الجهات الرقابية بحصر ممتلكاته التي لا يستطيع الحصول عليها ما مجموعه عشرة ملايين موظف يتقاضون نفس مرتبه الحكومي؟.
و مفيد شهاب الرجل الوقور الذي يوحي مظهره بأنه رجل طيب يمكنك لو صادفته في الشارع أن تقول له: ادع لنا يا مولانا...هذا الرجل الذي أسلم نفسه لمبارك يفعل به ما يشاء..لم تهمه سمعته و لم يعنه شرفه السياسي..كل ما حرص عليه هو رضا مبارك و الست مراته. ألن يجد القانون سبيلاً إليه و لو من مدخل محاسبته علي ممتلكاته و هو أسهل طريق يمكن من خلاله إدخال رجال مبارك السجن!.
و ماذا عن علاء و جمال "عدي و قصي مصر".. الملياردير جمال مبارك الذي سرق من مصر ما لم يسرقه أحد قبله و لن يستطيع أحد بعده. أين فلوس مياه الشرب و اسكان الشباب و مرضي الكبد الوبائي التي استولي عليها؟..جمال مبارك مهندس معركة الجمل و الجحش..جمال مبارك الذي نقلت الأخبار أنه كان المحرض علي تفجيرات شرم الشيخ رغبة في الإنتقام من شريكه حسين سالم بعد اختلافهما علي العمولة في واحدة من عملياتهما لسرقة مصر!.. ألن يقف أمام القضاء العادل ليقول فيه كلمته؟.
و ماذا عن أخيه علاء رجل الأعمال الذي بدأ رحلته و رأسماله صفر، ثم فرض الإتاوات علي كل المستثمرين و تعامل مع مصر علي أنها عزبة أبيه..ألا نستطيع أن نسترد منه أموال مشروعات الصرف الصحي و استصلاح الأراضي و أموال مرضي السرطان التي سرقها؟. و ماذا عن السيدة سوزان التي غرفت من المال العام و استولت علي حساب مكتبة الإسكندرية و غيره...هل سنموت قبل أن نراها في السجن؟.
و ماذا عن رجال الأعمال السفلية من أصهار علاء و جمال و أقارب سوزان هانم الذين نهبوا أراضي مصر و صاروا جميعاً من أصحاب المليارات دون أي علم أو خبرة أو مؤهلات سوي القرب من زعيم العصابة!.
الناس تتساءل هل هناك اتفاق غير مكتوب يقضي بإمكانية التضحية برجال جمال مبارك دون جمال نفسه و دون رجال أبيه؟. هل هناك اتفاق يقضي بعدم المساس بسرور و عزمي و الشريف و شهاب و علي الدين هلال؟.
نريد أن نفرح و أن نطمئن علي المستقبل، و لن نستطيع طالما ظل رجال مبارك طلقاء..إذ أن رؤيتهم يستمتعون بثمرة ما اقترفوه في حقنا من جرائم يحرمنا من الشعور بالأمان.
لقد هرمنا..هرمنا و شاب الشعر منا، و كنا أطفالاً عندما تولي مبارك الحكم.
لقد هرمنا و أصبحت شعورنا بيضاء بينما المتحنط الأعظم يخلو رأسه من أي شعرة بيضاء.
لقد هرمنا قبل الأوان و ضاع عمرنا هباء...هرمنا يا ولاد الجزمة!.
جريدة الدستور