إستراتيجيات رياضية لدى أسماك القرش
تتوجه أسماك القرش بغريزتها نحو الفرائس المكتنزة المتاحة في مكان وجودها, ولكن عندما تفشل القرش في العثور على وجبة لذيذة في مدى نظرها, ما الذي يحدث؟
جوابًا عن هذا السؤال, أظهرت دراسة جديدة أن هناك أدلة قوية على وجود إستراتيجيات رياضية هندسية لدى بعض الكائنات البحرية المفترسة, وخاصة أسماك القرش.
وتقترح الدراسة التي نشرت في مجلة الطبيعة Nature في 9 يونيو 2010, أن الكائنات البحرية المفترسة, تستطيع أن تتبع إستراتيجيات رياضية دقيقة عندما تقوم بالغزو بحثًا عن الطعام. وذلك خلافًًا لما كان يعتقد سابقًا حول عشوائية الحركة والتوجه لدى الحيوانات المفترسة عمومًا عندما تبحث عن فرائسها.
وقد استغرق إنجاز الدراسة 5700 يوم, تم خلالها تجميع أكثر من 12 مليون نقطة بيانات تتعلق بسباحة الحيوانات البحرية, وذلك بواسطة رقع إلكترونية أعدت خصيصًا لهذه الغاية, وكانت خلاصة تلك المعطيات هي أن تلك الحيوانات البحرية تتحرك أحيانًا في طريقها للغزو والبحث عن فرائس, وفق قواعد رياضية هندسية, يمثلها نموذج معروف جيدًا يسمى مشية ليفي Lévy walk أو طيران ليفي Levy flight وهو عبارة عن وثبات متماثلة متكررة منتظمة على مسارات منحنية, يمكن أن تكون في أي اتجاه, لكنها لا تمت إلى العشوائية بصلة.
ويقول الباحثون الذين قاموا بالدراسة, بقيادة الباحث في جمعية علم الأحياء البحرية في بليموث في المملكة المتحدة, ديفيد سيمس David Sims, إن لديهم أدلة حاسمة على وجود سلوك ليفي لدى أربعة عشر نوعًا من الكائنات البحرية المفترسة ( في مقدمتها سمك القرش ـ التونة ـ سمك السيف Swordfish ـ المارلين Marlin وغيرها).
من جهته عالم الفيزياء النظرية في جامعة ألاغوس الفيدرالية في ماسي في البرازيل, غانديموهان فيزواناثان Gandhimohan Viswanathan, يعلق قائلًا: «عندما يسمح للكائنات الحية, باتخاذ قرارات إرادية حرة, يبدو أن المطاف ينتهي بها لتكون خاضعة لأحكام قانون رياضي ما». ومع أن فيزواناثان لم يشارك في الدراسة الجديدة, إلا أنه سبق أن قاد فريقًا من الباحثين في دراسة نشرت عام 1996 وبينت أن القطارس (جمع قطرس Albatross وهو طائر بحري ضخم) البحرية المتجولة, التي زودت بأجهزة إرسال راديوية, قامت بطيران طويل متكرر منتظم, وهذه هي العلامة المميزة لنموذج ليفي. وبعد ذلك تتالت الدراسات والتقارير التي نشرها العديد من علماء الأحياء, حول سلوك ليفي في كل شيء من الظباء والغزلان إلى النحل الكبير, واعتقد كثيرون منهم أن تلك الظاهرة يمكن أن تقود الهجرات البشرية أو انتشار المحاصيل المهندسة وراثيًا.
لكن سيمس يرى أن العديد من تلك الدراسات كانت خاطئة وزائفة, وأن القائمين عليها غالبًا ما توهموا وجود طيران ليفي بينما الأمر ليس كذلك, ويعود السبب برأيه إلى وجود معطيات متناقضة أدت إلى هذا الخلط. ويشير سيمس في هذا الصدد إلى دراسة ظهرت عام 2007 أظهرت زيف ما ورد في مقالة فيزواناثان عن القطارس عام 1996, حيث افترض فيزواناثان وزملاؤه أنه مادام أن أجهزة الإرسال, التي زودت بها الطيور بقيت جافة, فهذا يعني أن الطيور تطير, ليتبين لاحقًا أن جزءًا كبيرًا من جفاف الأجهزة سببه أن الطيور كانت ترتاح في أعشاشها. لكن سيمس لا ينفي أن سلوك ليفي يظهر لدى العديد من الحيوانات لبعض الوقت على الأقل, وإن كانت الدلائل الأقوى تشير إلى وجوده غالبًا لدى الحيوانات المتوحشة والمفترسة, وإلى كونه أكثر وضوحًا في المياه التي تكون فيها العوالق والأسماك والأطعمة نادرة. بينما في المناطق ذات الطعام الوفير تسيطر الحركات العشوائية. ويتفق فيزواناثان مع الملاحظة السابقة التي تتوافق مع اقتراحات سابقة حول أن «الحيوانات يمكن أن تستخدم حركة طيران ليفي لتحسين فرصها في العثور على فريسة».
أما عالم البيئة في المركز الوطني للبحوث العلمية في مونت بيليير في فرنسا, سيمون بنهاماو, فلا يسلّم بما خلصت إليه الدراسة, ويسخر مما يسميه الحس الرياضي لدى الحيوانات. ورغم أن بنهاماو لم يحلل المعطيات البحرية الجديدة, إلا أنه يقول إن أخطاء إحصائية يمكن في حالات كثيرة أن تقترح وجود سلوك ليفي حيث هو غير موجود. كما يطرح كذلك أن دراسات نموذج ليفي تفترض, بشكل خاطئ, أن الحيوانات المفترسة «غبية كليًا, وغير قادرة على التعامل مع المعطيات والتصرف بمقتضاها عندما تتبدل بيئتها».
وعلى الرغم من كل الانتقادات, يعكف سيمس وفريقه حاليًا على تقصي سلوك ليفي في حيوانات بحرية أدنى مثل الأخطبوط. كما يقوم الفريق كذلك بمراقبة المستحاثات (الأحفورات) ومحاولة تحليل بقاياها, وذلك بغية استكشاف التاريخ التطوري لسلوك ليفي. هذا السلوك الذي يعتبره عالم الفيزياء في جامعة بوسطن هـ. يوجين ستانلي H. Eugene Stanley «استراتيجية منطقية تستخدمها الحيوانات عندما تضطر إلى الغزو والانتقال بحثًا عن الطعام» , مشددًا على أنه «من وجهة نظر بيولوجية, ينبغي أن تمضي الأبحاث في هذا الجانب قدمًا إلى الأمام».
د. عمار سليمان علي
مجلة العربى