«المصري اليوم» ترصد مشاهد «ليلة حساب» الرئيس السابق فى شرم الشيخ
كتب مصطفى المرصفاوى وأيمن أبوزيد
بوابة مستشفى شرم الشيخ حيث يتلقى مبارك العلاج
عاشت مدينة شرم الشيخ فى جنوب سيناء ليلة فاصلة مساء أمس الأول، انتهت بقرار المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام، بحبس الرئيس السابق حسنى مبارك، ونجليه علاء وجمال، ١٥ يوماً على ذمة التحقيقات معهم فى قضايا متنوعة، منها إصدار مبارك أوامر بقتل المتظاهرين، والاشتراك فى بعض قضايا الفساد.
وكان مقرراً أن تجرى التحقيقات داخل محكمة مدينة الطور، التى تبعد مسافة كبيرة عن المنطقة السكنية، لأنها المحكمة الأسهل من حيث التأمين، خاصة بعد انتشار خبر بدء التحقيقات فى المدينة، وعلم معظم الأهالى به، وانتشرت قوات الأمن المركزى منذ الساعات الأولى من صباح أمس، تنتظر وصول مبارك، وأشرف على الكردونات الأمنية قيادات الأمن الجنائى، والأمن المركزى بالمدينة، وبصحبتها وقفت مدرعتان تابعتان للأمن المركزى، و٣ سيارات تقل الجنود لتأمين انتقال مبارك من مقر إقامته بمنتجع «جولى فيل» إلى مقر التحقيقات.
وحددت النيابة الساعة الحادية عشرة من صباح أمس الأول، موعداً للتحقيق، لكن انتظار وصول مبارك طال حتى الواحدة ظهراً، وأصيب مبارك بوعكة صحية وتم نقله إلى مستشفى شرم الشيخ الدولى للعلاج، فغادرت قوات تأمين المحكمة المكان برفقتها فريق النيابة بقيادة المستشار مصطفى سليمان، المحامى العام لنيابة استئناف القاهرة، ومن خلفهم مئات المواطنين الذين تجمعوا أمام المحكمة لمعرفة تفاصيل التحقيقات، ورؤية اللقطة التاريخية التى يظهر فيها ولأول مرة فى تاريخ مصر رئيس سابق مقبوض عليه، لكن الوعكة الصحية أجبرتهم على التحرك إلى المستشفى، أملاً فى رؤية تلك اللقطة.
وتحولت منطقة حى النور أمام مستشفى شرم الشيخ الدولى، إلى ميدان تحرير آخر فى المساء، وهو الأمر الذى لم تكن تتوقعه أجهزة الأمن التى تولت عملية تأمين التحقيق مع مبارك، ونجليه جمال وعلاء، وأحاطتها بسياج من السرية، وشهدت المنطقة تعزيزات أمنية مكثفة من الشرطة والجيش حول المستشفى الذى انتقل إليه مبارك، مرتدياً «ترينينج سوت» أبيض فى أزرق، فى سيارة خاصة، فى تمام الخامسة من مساء أمس الأول، وبرفقته زوجته سوزان ثابت، ونجلاه علاء وجمال، وفريق طبى، إلى جانب حراسة مشددة من قوات الجيش والشرطة، وتم نقل مبارك إلى الطابق الرابع من المستشفى أولاً لإجراء فحوصات شاملة، ثم انتقل إلى الطابق الثالث، حيث غرفة العناية المركزة، بعد أن عانى من اضطراب بنبضات القلب وانخفاض الضغط، واجههما الأطباء بحقنة وحبوب معينة، مع شراء أطعمة مملحة له من محل بحى النور، وبقى فى العناية المركزة حتى تحسنت حالته وخرج منها، وأكد الأطباء أن حالته الصحية تسمح بالتحقيق معه.
فى هذه الأثناء تجمع مئات المواطنين من العاملين بالسياحة فى المدينة، وتظاهروا مطالبين بمحاكمة مبارك ومغادرته المدينة، ووقعت مشادات ومشاحنات حين طالب البعض بفض تجمعات المتظاهرين أمام المستشفى حتى لا تصورها وسائل الإعلام الأجنبية على أنها اضطرابات، بما يؤثر سلبياً على السياحة التى بدأت تستعيد بعض عافيتها، وحاولت الشرطة العسكرية وقوات الأمن إبعاد المتظاهرين عن نطاق المستشفى، لكنها لم تفلح فى ظل تزايد إقبال المواطنين الذين رددوا عدة هتافات تندد بنظام الرئيس السابق وتطالب بمحاكمته وأسرته، منها: «يا مبارك يا طيار.. جبت منين ٧٠ مليار»، و«عاوزين فلوسنا»، و«الحرامى يطلع برة».
وتزايدت أعداد المتظاهرين أمام المستشفى بمرور الوقت، وانتقد رضا رجب حمزة، صاحب محل بحى النور، الإجراءات الأمنية المشددة مع مبارك وأسرته، معتبراً ذلك دليلاً على استمرار التعامل معه وكأنه ما زال رئيساً للجمهورية، مشيراً إلى ما كان يحدث فى السابق من ترحيل الشباب الذين كانوا يعملون فى المدينة فى سيارة ترحيلات لمجرد وجود مبارك وأسرته بها للاستجمام، وقال: «أهالى شرم الشيخ يرفضون بقاءه».
وتمكنت «المصرى اليوم» من دخول مستشفى شرم الشيخ الدولى، بعد أن سمح رجال الأمن بالدخول إلى العيادات الخارجية، وقال هانى موسى، موظف استقبال فى المستشفى، إن مبارك يقيم فى الطابق الثالث، وتم تسجيل تذكرة دخول له، وإن وزارة الصحة سوف تتولى الإعلان عن حالته الصحية والأمراض التى يعانى منها.
وقال أحد الممرضين إن الطابق الثالث كان معداً للافتتاح، وإن مبارك يخضع للعلاج فى الجناح رقم «٤»، وإن ٣ مستشارين من جهاز الكسب غير المشروع والنيابة العامة حققوا معه مساء أمس الأول، لعدة ساعات متواصلة، وكان فى انتظاره زوجته، ونجلاه، وزوجتاهما هايدى راسخ، وخديجة الجمال، مشيراً إلى أن العمل بالمستشفى يسير بشكل طبيعى، وأن عملية استقبال المرضى لم يطرأ عليها أى تغيير.
وقال عدد من العاملين إن هناك نحو ١٠ أفراد يرتدون ملابس مدنية يتولون حراسة مبارك ويقفون أمام غرفته، وقالت مصادر طبية لـ «المصرى اليوم» إن حالة مبارك مطمئنة، وإنه يستطيع أن يخضع للجلسة الثانية من التحقيقات والتى كان مقرراً أن تبدأ فى الخامسة من مساء أمس، مشيرة إلى أنه يتعاطى بعض الأدوية المهدئة للأعصاب، خاصة بعد بكائه عقب علمه بنقل ابنيه إلى سجن طرة فجر أمس، لحبسهما.
واستمرت التحقيقات مع مبارك حتى الحادية عشرة إلا الربع، وانتهت بإخباره بقرار النائب العام بحبسه ١٥ يوماً على ذمة التحقيقات، ثم بدأت التحقيقات مع جمال وعلاء بعدها، وأجريت فى البداية لمدة ساعة بإحدى الغرف المجاورة للغرفة التى يرقد بها مبارك، ثم طلب فريق النيابة منهما مرافقته إلى محكمة شرم الشيخ لاستكمال التحقيقات هناك، وكان فى انتظارهما المئات من المواطنين الذين انتظروا ونجح بعضهم فى مشاهدتهما وتصويرهما بالهواتف المحمولة.
وقالت مصادر أمنية إنه تم تجهيز المحكمة التى لم يتم افتتاحها بعد، للتحقيق مع جمال وعلاء، واقتيد كلاهما فى سيارة مصفحة مع جهات التحقيق، بينما ودعتهما أمهما سوزان، وزوجتاهما بالدموع والبكاء بصوت عال، مما أثر فى بعض الممرضات العاملات بالمستشفى وشاركهن البكاء.
وانتقلت المظاهرات من أمام المستشفى إلى أمام المحكمة، وردد المواطنون الهتافات المنددة بالرئيس السابق وأسرته ومنها: «يا جمال يا مبارك.. سجن طرة فى انتظارك»، وقال إبراهيم محمد (٢٨ سنة)، من الغربية ويعمل بأحد الفنادق، إن عمله يبدأ الساعة السادسة صباحاً، وإنه يقف أمام المحكمة فى انتظار قرار جهات التحقيق مع جمال وعلاء، حتى يطمئن على استرداد ما سماه حق الشهداء.
ولم تستطع أجهزة الأمن إخراج علاء وجمال لترحيلهما، بعد انتهاء التحقيقات، فى ظل تزايد أعداد المتظاهرين، وقال أحد الضباط للمواطنين: «اللى جرى فى التحقيق معاهم - يقصد جمال وعلاء - أكثر مما تريدون»، فى محاولة منه لتهدئة المتظاهرين، الذين زادت أعدادهم بشكل استلزم استدعاء قوات من الأمن المركزى والشرطة العسكرية، ولم يختلف الأمر كثيراً، إلا بعد أن خرج اللواء محمد الخطيب، مدير أمن جنوب سيناء، فى الساعة الرابعة فجراً، وأعلن قرار حبس جمال وعلاء ١٥ يوماً على ذمة التحقيقات، فهتف المتظاهرون فى سعادة عارمة: «يحيا العدل» و«الله أكبر».
وعاد فريد الديب، المحامى، إلى المستشفى صباح أمس، بعد مغادرته فى ساعة متأخرة من مساء أمس الأول، لحضور التحقيقات مع مبارك، تمهيداً للدفاع عنه، وظهر الديب وهو يدخل من إحدى البوابات الجانبية للمستشفى وبصحبته محاميان مساعدان له ورفض الإدلاء بأى تصريحات، كما رفض مجرد التوقف للاستماع إلى أسئلة الإعلاميين، مكتفياً برد مقتضب: «ماعنديش حاجة أقولها، وأنا أدافع عن مواطن مصرى مثل أى شخص».