الوصايا العشر لمن يحكم مصر
بقلم: عزت السعدنى
لأننا نعيش أياما بيضاء ناصعة البياض.. بعد أيام سود أسود من سواد ظلمة الليل الحالك السواد.. بلا بصيص من نور ولو ضوء شمعة صغيرة أو حتي عود كبريت.. في ظل بطاغ حول مصر كلها إلي عزبة أو ضيعة يديرها هو وزوجته وأولاده لحسابه..
يشاركه فيها شلة من مسئولين ووزراء ما أنزل الله بهم من سلطان.. إلا سلطان الفساد والغش والسرقة ونهب المال العام حتي أصبح نحو 40% من الشعب المصري المغلوب علي أمره.. تحت خط الفقر..
وإذا أردنا أن نعرف من هو الحاكم الحقيقي وما هي صفاته؟ لنتعرف أولا علي الأشتر النخعي..!
ولكن هل يوجد بيننا من يعرف هذا الأشتر النخعي؟
لو قلنا إنه كان أحد شعراء الجاهلية .. لصدقنا الجميع.. وقالوا: جائز وإن كنا لم نقرأ له قصائد!
ولو قلنا إنه فقيه من فقهاء الدين والشريعة لوافقنا الجميع دون تردد تخلصا من حرج الجهل به!
ولكن هل يصدقنا أحد إذا قلنا إن الأشتر النخعي كان في يوم من الأيام وفي سابق العصر والأوان.. يجلس علي عرش مصر.. لانتبهنا ورفعنا رؤوسنا عجبا وتعجبا.. وقلنا: يا عالم بلاش لعب بعقولنا.. وعبث بتاريخ مصر العظيم!
وللحق وللتاريخ فقد جلس الأشتر النخعي علي كرسي الولاية في مصر من قبل من كرم الله وجهه الإمام علي بن أبي طالب قبل نحو 1352 سنة. والذي يهمنا هنا هو تلك الوصية الرائعة التي ذكرني بها الصديق مدحت أرناؤوط موجه اللغة الإنجليزية.. والتي أوص لإمام علي خليفة المسلمين الأشرالنخعي بل أن يذهب إلي مصر ويجلس علي عرشها في الكرسي نفسه الذي جلس عليه من قبل ملوك عظام زلزلوا الأرض زلزالا.. وسادوا الدنيا زمانا طويلا وصنعوا أعظم حضارة عرفها الإنسان ولو كره الكارهون.. يقول الإمام:
اعلم يا أشتر ما وليتك أمر مصر إلا لما هو آت:
1 ـ أن يكون العمل الصالح أحب الزخائر إليك.
2 ـ ألا يغرنك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة ـ يعني إذا تملكك خيلاء منصبك ـ فانظر إلي عظيم ملك الله فوقك.
3 ـ انظر في أمور عمالك وموظفيك.. لا تستخدمهم إلا اختبارا ولا تولهم محاباة وزلفي.. وتفقد بنفسك أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء ليأتوك بأخبارهم صدقا وحقا.
4 ـ انظر في حال كتابك الذين يصرفون أمور الدولة, فاجعل من يتولي أمورهم أخيرهم.. واجعل لذي الحاجات منك قسما تفرغ فيه لهم بشخصك.. واجلس معهم عاما تتواضع فيه لله الذي خلقك.
5 ـ ليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضي الرعية.
6 ـ لا يكن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء.. واردد إلي الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب وما يشتبه عليك من الأمور.
7 ـ أعط الرعية من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه وغفرانه.
8 ـ إياك والإعجاب بنفسك وسماع عبارات الإطراء والمديح والثقة في قدراتك وفهمك وعظمة تفكيرك فهذا أول درجات زلل الحاكم.
9 ـ املأ قلبك بالرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم عند الملمات وضربات الأقدار.
10 ـ اسمع يا هذا لن ترتفع هامة أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي.
هذه هي صفات وقدرات من يجلس علي كرسي الحكم في بلد صنع فيه الرجال أعظم الحضارات وقدموا للعالم علما ودينا وخلقا وكتابا منيرا.. هذا دستور من يجلس علي كرسي الحكم.
-------------------------------------------------
ولكن أصعب منه هو اختيار الرجل الذي يجلس علي الكرسي.. سوف ننصحه مرة.. ولكننا لن نكون معه طوال الوقت, وهو يواجه أمور الدولة ويقرر ويأمر ويدخل المعارك ويخرج منها.. وأحيانا يكون الخروج أصعب وأشد إحراجا وكلفة من الدخول.. كما قالها القائد العربي عمرو بن العاص فاتح مصر.
إنها أزمة اختيار الرجال ـ كما يذكرني هنا د.حسن هشام راغب ـ بما فعله الفاروق عمر بن الخطاب يوما.. وقد احتار حيرة ما بعدها حيرة في اختيار رجل لمنصب عظيم.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: خلوت بالخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بيته وكنت عزيزا أثيرا لديه.. فوجدته قد شهق شهقة ظننت ساعتها أن نفسه سوف تخرج.. فقلت للخليفة: أمن جزع يا أمير المؤمنين؟
قال: أجل من جزع
قلت: وما الذي يسبب لك كل هذا الجزع يا أمير المؤمنين؟
قال: لا أجد لهذا الأمر أحدا.. يقصد لم يجد لهذا المنصب من هو أهل له..
قلت: وأين أنت من فلان, وفلان, وفلان, وفلان, وفلان؟
قال: إن هذا الأمر لا يحمله إلا اللين في غير ضعف, والقوي في غير عنف, والجواد في غير سرف, والممسك في غير بخل.
ولا يطيق هذا الأمر إلا رجل لا يصانع ولا يضارع, ولا يتبع المطامع.
لا يطبق أمر الله إلا رجل لا يتكلم بلسانه كلمة لا.. ينتقص عزمه, ويحكم بالحق علي حزبه!
فانظروا وتمعنوا طويلا في هذه الضوابط المحددة الصارمة التي جعلها عمر رضي الله عنه لنفسه عند اختيار رجاله.
مجلة نصف الدنيا