القوى الخمس الكبرى في الكون..!
إن الكون تتحكم فيه وتسيطر عليه أربع قوى أساسية بالإضافة إلى قوة خامسة ظهرت بعض تأثيراتها.. ولكن العلماء مختلفون عليها ومازالت الأبحاث جارية بخصوصها، وكأنها في نفق مظلم.
فالقوة الأولى في الكون هي القوة الكبرى القوية في نواة الذرة والتي تجعل النواة في الذرة متماسكة لهذا تكمن بالنواة. وهي أقوى مئات المرات من القوة الكهرومغناطيسية بالذرة، لأنها تربط النترونات بالبروتونات بشدة داخل النواة في أي ذرة وتمنع البروتونات المتشابهة ذات الشحنة الموجبة من التنافر ولها تأثيرها الجاذب للإلكترونات السالبة الشحنة في محيطاتها حول النواة. لهذا نجد جسيمات الذرة من نترونات وبروتونات وإلكترونات أسيرة داخل الذرة، بينما نجد هذه الجسيمات حرة طليقة في الشمس على هيئة البلازما. والقوة الثانية في الكون.. هي القوة الصغرى الضعيفة التي تعطينا نشاطًا إشعاعيًا داخل نواة الذرة رغم أنها أقل شدة مليار مرة من القوة الكبرى.. إلا أنها مسئولة عن تفكك الجسيمات بالذرة ليظهر نشاطها الإشعاعي من داخل نواتها حيث تغير من طبيعة الكواركات التي تتكون منها البروتونات والنترونات وتحول النترون إلى بروتون وبوزيترون ونيترينو. والقوة الثالثة في الكون.. هي القوة الكهرومغناطيسية وتضم ثلاث قوى فرعية هي الكهرباء والمغناطيسية والضوء. وهذه القوة تعطينا الضوء والحرارة وموجات الميكروويف، وتظهر في كل الجسيمات الموجودة في الكون ويمكن أن تظهر كقوة تنافر للشحنات الكهربية المتشابهة أو كقوة جاذبة للشحنات الكهربية المختلفة. ففي الذرة نجد الشحنات الموجبة للبروتونات بالنواة تتحد مع الشحنات السالبة للإلكترونات حول النواة. كما أن الذرات ترتبط ببعضها البعض بهذه القوة لتكون جزيئات للمادة. وهذه القوة الصغرى أشد مليار مرة من قوة الجاذبية العادية. وتعتبر القوى الثلاث الكبرى والصغرى والكهرومغناطيسية هي القوى الأساسية في الكون لأنها تولد الظواهر الطبيعية فيه.
والقوة الرابعة في الكون هي قوة الجاذبية التي تشكل هيئة الكون. ولقد كانت معروفة منذ عصر نيوتن قبل القوى الثلاث السابقة.. وكان الإنسان القديم يعرفها عندما لاحظ أن الصعود لأعلى أصعب من الهبوط؛ لأن الجاذبية تشد الأشياء لأسفل باتجاه الأرض. لكنها مازالت لغزًا حتى الآن رغم أنها القوة الأساسية في بناء هذا الكون المترامي الأطراف حيث تتحكم في حركة الذرات والجزيئات بالمادة، كما تتحكم في حركة الأجرام السماوية والمجرات.. فقوة الجاذبية موجودة في كل مكان ولها القدرة على اختراق الأشياء، وتتناقص شدتها كلما ابتعدنا عن مركزها.. فقد يصلنا الضوء من نجم يبعد عنا بملايين السنين الضوئية، لكن جاذبيته تصلنا ضعيفة جدًا.. فالكرة الأرضية لها جاذبيتها وهي تعادل 1ج (أي وحدة الجاذبية)، وهذه الدرجة هي التي جعلتها على هيئتها من جبال ومحيطات ومناخ وهي تدور داخل مدارها بالمجموعة الشمسية. ولو زادت الجاذبية الأرضية عن1ج فستصبح الجبال صخورًا صغيرة وتتقزم الأشجار الفارهة الطول. ولن تستطيع الكائنات الحية بما فيها الإنسان التحرك فوقها إلا بصعوبة. ويصبح قالب الطوب كحبة رمل. ولن تستطيع الطيور التحليق في الجو ويصل حجم الأرض لحجم بيضة وتتفتت الصخور لتصبح كحبات رمل في أقل من ثانية.. ولو قلت الجاذبية عن 1ج فستصبح الجبال هشة وتفيض مياه المحيطات والبحار والأنهار لتتحول لفقاقيع مائية في الهواء.. وتعتبر الجاذبية هي القوة التي لا يستطيع الإنسان السيطرة عليها أو إنقاص شدتها أو عكسها كبقية القوى بالكون.. والجاذبية تختلف شدتها من جرم سماوي لآخر في الكون، ويمكن انعدام الجاذبية فوق الأرض عندما نطير بطائرة وهي تصعد لأعلى في شكل قوس دائري وعندما تبلغ الطائرة لأوج القوس تصبح الجاذبية منعدمة وينتاب الطيار شعور مؤقت بانعدام الوزن لمدة 20 إلى 30 ثانية عندها يفقد الدم وزنه ولا تستطيع الشرايين الانقباض لمقاومة سريان الدم بها ويشعر الطيار كأنه يتسلق بطائرته منحدرًا جبليًا. وعندما تعود الجاذبية لتصل شدتها 1ج قد يتعرض قلبه للتوقف.
والقوة الخامسة بالكون هي القوة المضادة للجاذبية وقد أطلق عليها الجرافيتونات Graviphoton أو الهيبرفوتونات.. وهي عبارة عن بوزون إشعاعي له كتلة تعادل واحدا على مليار من كتلة الإلكترون عكس كتلة الفوتون أو الجرافيتون؛ لأن كتلتيهما صفر.. لهذا نجد بصفة عامة أن في الكون قوة ضعيفة تحطم النترون في نواة الذرة المشعة وتحوله إلى بروتون وإلكترون ونيترينو مضاد.. وقوة ثانية تتمثل في الفوتونات التي تطلق قوة كهرومغناطيسية شدتها أقوى 100 ألف مرة من القوة الضعيفة.. وهذه القوة الكهرومغناطيسية مسئولة عن الحفاظ على الإلكترونات في مداراتها حول النواة لتكون الذرة.. وقوة ثالثة أشد مئات المرات من القوة الكهرومغناطيسية وتسمى بالقوة العظمى التي تحملها الجولونات ومهمتها الحفاظ على تماسك النواة.. والقوة الرابعة هي الجاذبية ويحملها جسيم الجرافيتون الذي يعتبره العلماء بلا عمل داخل الذرة. وكان العلماء لا يعرفون سوى القوى الأربع هذه. لكن عندما أعلن العالم الفيزيائي إفرايم فيشباخ عام 1986م أن هناك قوة خامسة بالكون كانت مفاجأة لهم. فأخذوا يعيدون النظر في تعريف الجاذبية وقيمة ثباتها وكتلة وكثافة المادة بالكون.. ولاسيما أن قياسات الجاذبية تخضع لقوة الجاذبية ذاتها وقوة الطرد المركزي Centrifugal force لأي جسم متحرك دائريًا. لكن العلماء اعتبروا أن الجاذبية لا تخضع في الكون للقوة الخامسة، لأن معدل الجاذبية بها أشد من معدل الجاذبية الأرضية. لكن فيشباخ يعتقد أن هناك قوة طبيعية مضادة للجاذبية، وهي قوة مجهولة تقاوم جاذبية الأرض وتجعل الأشياء تسقط من أعلى لأسفل بمعدلات سرعة متفاوتة ومختلفة. واكتشف العلماء أننا كلما تعمقنا في باطن الأرض تناقص معدل الجاذبية لوجود قوة نابذة شدتها من 2 إلى 3 % من قوة الجاذبية الأرضية، وكان مفروضًا نظريًا أن شدة الجاذبية تزداد كلما تعمقنا باتجاه قلب الأرض حيث يوجد مركز الجاذبية، فالجاذبية تشد البروتونات بالذرات ومضاد الجاذبية النابذية تدفعها في الاتجاه المعاكس، لكن العالم فيشباخ افترض قوة خامسة أطلق عليها الشحنة الزائدة ولها صلة بالجاذبية وردها لقوة الربط الكبيرة في النواة بالذرة حيث تقبض على الجسيمات بها واعتبرها قوة مضادة للجاذبية الأرضية تتغير شدتها حسب نوع العنصر وهذا يخالف ماقاله نيوتن وجاليليو من أن أي جسم يهبط بنفس المعدل مهما كانت نوعية المادة، لكن فيشباخ في تجربته على ثقلين من نفس الوزن أحدهما كرة حديد والثاني كرة خشب، وجد أن الكرة الخشبية سقطت أسرع، وعلل هذا بأن ذرة الحديد بها قوة تماسك أشد من ذرة الخشب لهذا تتلقى كرة الحديد قوة مضادة للجاذبية أكبر وهي قوة تصعيد عند إلقاء الشيء من مكان مرتفع، لهذا تباطؤها في الهبوط أكبر من كرة الخشب. لكن هذه النظرية مازال عليها تحفظ علمي. لهذا نظرية نيوتن حول الجاذبية مازالت مقبولة لأنها تنص على أن أي جسم مهما كانت كتلته وحجمه يهبط من أعلى لأسفل في خط مستقيم لاينحرف عنه وأن قوة جذب الأرض للأشياء تتم باتجاه نقطة واحدة بمركزها وحسب معدل تسارع وشدة الجاذبية. كل هذا ليس له علاقة بتركيب مادة الجسم الهابط، فكل الأشياء تهبط بمعدل واحد سواء كان الشيء كرة رصاص أو خشبا. عكس مفهوم نظرية القوة الخامسة التي ترتبط بالتركيب الذري للأشياء، لهذا ستظل جاذبية نيوتن قائمة وموجودة بالكون كله لتحافظ لنا على هيئته؛ لأنها محرك آلة الكون والزمن معًا، فلو كانت أشد مما هي عليه حاليًا أبطأت الزمن وقلصت الفضاء الكوني وانكمش الكون على نفسه.. ولو انعكست لانهار الكون كله، لأنها جمعت مادته منذ بدايته المبكرة في أعقاب الانفجارالعظيم في شكل نجوم ومجرات وكواكب وثقوب سوداء وكلها تتحرك في مداراتها. واكتشف أخيرًا أن لكل قوة من القوى الخمسة الأساسية في الكون وسيطًا ينقلها. فالقوة الكبرى يحملها الميزون Meson وهو موجود في كواركات النواة بذرة العنصر، والقوة الصغرى وسيطها البوزون Boson الذي يحملها والقوة الثالثة الكهرو مغناطيسية يحملها الفوتون Photon أما القوة الرابعة وهي قوة الجاذبية فتحملها الجلوون Gluon والجرافيتون Graviton وهما جسيمات مازالت نظرية حتى الآن. والجاذبية أكثر القوى الأربعة الباقية وضوحًا إلا أنها أقل قوة من القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة التي تحدث تلفًا في النظائر المشعة.. كما أن القوة النووية التي تربط البروتونات بالنيترونات بأنوية الذرات أشد مائة مرة من القوة الكهرومغناطيسية.. وتعتبر أكثر القوى الأربعة الباقية شدة.. وباستثناء القوة الخامسة نجد أن. القوى الأربعة الباقية تعتبر مظهرًا للقوى في الكون الذي يعتمد عليها؛ لأن الجاذبية لو كانت أكبر من معدل شدتها به فستصبح هناك جاذبية عالية تجعل كتلة النجوم تعادل كتلة كوكب صغيرحجمًا وسيصبح قطرها 2كم وتستنفد وقودها خلال عام.. ولن يبقى بها وقود كاف مما يجعل النجم جرمًا قابلًا للحياة فوقه.. ولو كانت الجاذبية ضعف ماهي عليه حاليًا فإن سحب الهيدروجين والهيليوم التي خلفها الانفجار العظيم لم تكن لتتقلص في كون يتمدد ولما قامت حياة، فشدة الجاذبية حاليًا تلائم كوننا.
وبنظرة عامة للكون نجد أن ثمة قوتين متضادتين تلعبان دورا رئيسيًا في الحفاظ على هيئته كما نراها.. وهما قوة الجاذبية و قوة الطرد المركزي.. وتعتبر هاتان القوتان منابع الطاقة بالمجرات والنجوم، فمثلًا الكواكب حول الشمس تتحكم فيها قوة التجاذب نحو الشمس والتي تعادلها قوة الطرد المركزي وهي قوة تباعدية نتيجة لدوران الكواكب بسرعة في مداراتها حول الشمس.. وهاتان القوتان المتضادتان تتعرض لهما الكواكب بما فيها الأرض محافظة على توازنها الحركي المستمر ولولاهما لانهارت في مداراتها.. فكل كوكب له جاذبيته التي تحافظ على شكله وهيئته، وشدة الجاذبية تعادل قوة الطرد المركزية التي تجعل الكوكب على مسافة ثابتة والتي تعتبر البعد الآمن لبقائه، وهذه المسافة لاتتغير، وتحدده سرعته ودورانه حول نفسه في الفضاء ضمن المجموعة الشمسية. فالأرض تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعة فلو تباطأت فإن اليوم سيطول وفيه سيطول الليل والنهار.. ولو تسارعت فيومها سيقصر وليلها ونهارها سيقصران.. كل هذا بسبب قوة الجاذبية وقوة الطرد المركزي، وهما قوتان متعادلتان نسبيا وإلا هامت الأرض و تناثرت في الفضاء.. وبالرغم من وجود هذه القوى إلا أن قوة الجاذبية تتغلب على كل القوى وتجدد تطور الكون وحجم النجوم والكواكب والمجرات.
المهندس محمد سالم مطر
مجلة العربى الكويتية عددابريل 2011