ما الذي يُكوّن الدهون في الجسم ويدعِّمها
(*)في عالَم مشبع بالمأكولات، يمكن للنظم المعقدة المتحكمة
في طاقة الجسم أن تضطرب وتؤدي إلى السمنة. وقد يساعد فهم
كيف يحدث ذلك على اكتشاف طرق جديدة لمحاربة الزيادة في الوزن.
ـ< E.ماراتوس-فلير>
منذ بداية البشرية ولفترة طويلة من تاريخها، اعتمدت الوجبات الغذائية على ما كان بمقدور الإنسان أن يحصل عليه من طعام؛ ولأنه تطور في عالم كان الطعام فيه متوافرا بشكل متقطع فقط، فقد احتاج بقاؤه إلى امتلاك القدرة على تخزين الطاقة التي يولدها طعامه لأوقات تشح فيها. ويشكل النسيج الشحمي adipose، المعروف عاميّا باسم الدهن، العضو المختص بأداء مهمة التخزين هذه.
إن قدرتنا على تخزين الدهون لاتزال أساسية من أجل الحياة والسماح للإنسان بالبقاء حيا عدة أشهر، لدى تعرضه لمجاعة، ولكن مقدار الطاقة المختزنة على شكل دهون أخذ بالتزايد مؤخرا لدى العديد من الشعوب. وعندما يقارب الدهن المختزن مستوى مهددا لصحة الشخص فإننا ندعوه بالسمنة.
وترجع هذه الظاهرة جزئيا إلى التقدم التقاني للبشرية. فأمام الطعام الوافر ونقص الحاجة إلى النشاط الفيزيائي أصبح من السهل تناول طاقة أكثر مما يحتاج إليه المرء. ولكن يبدو أن بعض الأشخاص أكثر عرضة من غيرهم لأن يصبحوا سمانا عند تعرضهم لهذه البيئة الوافرة الطعام، وهذا يوحي بأن الاختلافات في فيزيولوجيا الفرد قد تؤثر أيضا في مقدار الطاقة التي يستهلكها الشخص ويصرفها ويخزنها على شكل دهن.
وتتم مراقبة العديد من المتغيرات الحرجة ضمن الجسم، مثل ضغط الدم وحرارة الجسم وسكَّر الدم وتوازن الماء، بشكل محكم وفق آليات محكمة. لكن التساؤل «عما إذا كان وزن الجسم يتم تنظيمه بطريقة مماثلة» بقي لوقت طويل موضوع نقاش حاد. ومؤخرا بدأ العلماء بتحقيق تقدم ملحوظ في تمييز سبلٍ لإشارات وأنشطة خلوية قد تسهم في النظم الضابطة للدهن.
مفاهيم مفتاحية
عندما كان الطعام قليلا، كانت قدرة أجسامنا على تخزين الطاقة للاستعمال اللاحق جوهرية؛ أما الآن فإن السمنة أضحت، في عالم مشبع بالمأكولات، مشكلة تهدد حياة أعداد متزايدة من الناس.
يعمل العلماء على فهم الآليات التي يستخدمها الجسم البشري لتنظيم مخزونه من الطاقة على شكل دهون، وكذلك فهم كيف يمكن أن يختل توازن هذه النظم (الجمل)systems فيؤدي إلى السمنة.
قدمت معرفة مكونات هذه النظم التنظيمية أهدافا جديدة للعلاج الدوائي تستطيع أن تعيد توازن الطاقة وتساعد على التخلص من السمنة.
محررو ساينتفيك أمريكان |
إن هذه الرؤى الجديدة لكيفية إحساس الجسم باحتياجاته من الطاقة ومخزونها واستجابته لها، ساعدت الباحثين على فهم كيف تؤثر التغيرات الجينية الموروثة بشكل ضعيف أو قوي في آليات الجسم الذاتية وكيف يمكن لهذه الآليات أن تضطرب بتأثيرات بيئية إضافة إلى تأثير زيادة الدهن ذاته. ومع تجمع الاكتشافات أمكن للعلماء الحصول على صورة أوضح للنظم الفيزيولوجية المعقدة، التي تتدخل في مراقبة تراكم الدهن، ولأهداف جديدة للتداخلات التي يمكن أن تساعد الأفراد على سيطرة أكبر في معركتهم ضد السمنة.
هل هناك ناظم للدهن؟
(**)يتطلب أي تنظيم فيزيولوجي طريقة يشعر بها الجسم بكمية مادة معينة موجودة وترجمة هذه المعلومة إلى أفعال تبقي هذه المادة المتغيرة ضمن المجال المطلوب. فعلى سبيل المثال، إن احتياجات الخلايا البشرية اللحظية إلى الطاقة تقابَل بالگلوكوز المشتق من الطعام والجائل في الدورة الدموية. وبشكل طبيعي، فإن الجسم يحافظ على مستويات الگلوكوز ضمن حدود ضيقة جدا. وعندما يرتفع گلوكوز الدم تكشف خلايا متخصصة في الپنكرياس هذا التغير وتفرز زيادة من الأنسولين، الذي يحرض استجابات في العضلات والشحم، تدفع هذه النُّسُج إلى أخذ المزيد من الگلوكوز واستخدامه؛ في حين يستجيب الكبد من خلال إنقاص إنتاجه الگلوكوز.
تحول الخلايا الشحمية الطاقة الزائدة التي أخذتها إلى ثلاثي گليسريد
(1)، وهو حمض دهني. وعندما لا يتوافر الطعام وتنخفض مستويات الأنسولين، تقوم الخلايا الدهنية بتحرير ثلاثيات الگليسريد في الدوران الدموي، حيث يتم نقلها إلى الكبد وتحطيمها إلى كيتونات
(2) يمكنها أن تعمل كوقود للعضلات والدماغ.
وقد اقترحت الدراسات التي تمت على الإنسان والحيوان، أن جسم الثدييات يمتلك آليات لرصد مقدار الطاقة التي خزنها على شكل دهن؛ كما يمتلك آليات لتنظيم هذا المورد، بحيث يبقى قرب مستوى محدد. فمثلا، إذا كان وزن الحيوان ثابتا، فإن تغيير مدخوله من الطاقة بشكل كبير سيولد تبدلات فيزيائية وسلوكية تبدو موجهة نحو إعادة الوزن إلى مستواه السابق. والحيوان الذي يتم تقييد طعامه فجأة، يميل إلى إنقاص استهلاكه من الطاقة من خلال إنقاص نشاطه وإبطاء استهلاك الطاقة في الخلايا، فيحد بذلك من فقدان الوزن. كذلك فإنه يعاني جوعا متزايدا، بحيث إنه عند انتهاء التقييد سيأكل أكثر من معدّله إلى أن يصل إلى وزنه السابق. وبشكل مماثل عند فرط الإطعام overfeeding، فإن الحيوان يبدأ باستهلاك المزيد من الطاقة ويبدي نقصا في الشهية. وتستمر هاتان الحالتان إلى أن ينخفض الوزن إلى مستواه السابق.
إن نتائج عدم وجود نظام ضابط للتحكم في وزن الجسم قد تكون وخيمة. |
إن نتائج عدم وجود نظام ضابط للتحكم في وزن الجسم قد تكون وخيمة. فزيادة بمقدار 1 في المئة مثلا في استهلاك
(3) الطاقة مقابل صرفها
(4)، يمكن أن تسبب زيادة في وزن رجل متوسط الحجم بمقدار 60 پاوند
(5) خلال 30 سنة. لكن هل يمتلك الإنسان نظاما فعالا يحافظ على توازن الطاقة المختزنة بشكل مماثل للآليات التي تراقب مستويات الگلوكوز في الدوران الدموي؟ الجواب هو نعم، يوجد مثل هذا النظام مع أنه غير كامل. ويحقق الباحثون، بما في ذلك فرق البحث الخاصة بنا، تقدما مشجعا نحو تحديد مكوناتها.
ومع تراكب قطع الأحجية يمكن التوصل إلى ملاحظة عامة قد تخيب الآمال، ولكنها غالبا لن تفاجئ كل من صارع لفقدان الوزن، وهي أن الآليات التنظيمية في الجسم البشري تبدو متحيزة قليلا نحو الحفاظ على الدهن بدلا من إزالته. ويبدو أن لهذا الانحياز أهمية في التطور، نظرا لما عرف عن الدهن من أهمية في الحفاظ على الحياة. وقد أدى التطور مع مرور الزمن إلى وجود اختلافات بسيطة مفضلة في جينات مناسبة ينتج منها ما يسمى الإدارة «الأكثر اقتصادية» لمخزونات الطاقة الثمينة.
ويمكن الربط أحيانا بين اختلاف الاستعداد للسمنة في مجموعات الأشخاص وبين نسخ مختلفة من جينات معينة. فعلى سبيل المثال، تم مؤخرا ـ من خلال مسوح لكامل الجينوم (المجين) genome أجريت على حوالي 40000 فرد حول العالم ـ تحديد جينة دعيت FTO، وتم ربط اختلافاتها بالسمنة. ففي جميع البلدان التي تمت دراستها كان حاملو نسخة معينة من الجينة FTO أثقل بثلاثة كيلوغرامات وسطيا من الآخرين في مجموعتهم السكانية نفسها، وعرضة لخطر مضاعف في أن يصبحوا سمانا. ولا تزال وظيفة الجينة FTO وكيفية تعزيزها السمنة مجهولتين تماما حتى هذه اللحظة؛ ولكن ارتباطها بزيادة وزن الجسم يشير إلى أنه قد يكون لهذه الجينة دور في تنظيم الوزن.
ولكن الجينات لا تعمل من الفراغ. وبشكل عام فإن جينات البشر لم تتغير خلال العقود القليلة الأخيرة، ومن ثم فإن تفسير وباء السمنة الحديث نسبيا يتطلب فهما أعمق لكيفية تفاعل الجينات المختلفة مع بيئة الشخص لتؤثر في وزن جسمه. إن بعض العوامل البيئية المهمة واضحة، كنقص الحاجة إلى الجهد الفيزيائي للبقاء على قيد الحياة وزيادة كمية الطعام ونوعيته. وهنالك متغيرات بيئية أخرى أقل وضوحا ولا يزال فهمها ضعيفا، كتأثير التغذية خلال مرحلة التطور الجنيني في وزن الجسم في الحياة اللاحقة. وكذلك الإجهاد والحرمان من النوم وحتى العداوى الکيروسية وتشكل تجمعات ميكروبية حميدة ضمن الجسم، جميعها عوامل إضافية يمكن أن تؤثر في تنظيم الدهن في جسم الفرد.
إن تحديد هوية الجينات التي تتداخل عادة في تدبير دهن الجسم، سمح للباحثين بتوضيح بعض آليات العمل الأساسية. ومن غير المفاجئ أن نجد أن تتبّع طريق إشارات الپروتين التي تكوّدها هذه الجينات، يؤدي غالبا إلى مركز القيادة الرئيسي للعديد من العمليات الفيزيولوجية؛ أي إلى الدماغ.
مكاملة المعلومات
(***)من النادر حدوث شيء في الجسم البشري من دون أن يكون للدماغ دور في مراقبة الوضع وممارسة التأثير فيه، ومن ثم يمكن أن نتوقع أن يكون للدماغ دور حرج في تنظيم الوزن من خلال توجيهه الشهية والدوافع والنشاط الفيزيائي؛ إضافة إلى تدبر كيفية توزيع الطاقة ضمن الجسم.
في الواقع، لقد عُرف منذ سنوات أن هناك منطقة صغيرة في قاعدة الدماغ تدعى الوِطاء
(6) هي مركز هذه الفعاليات المنظمة للطاقة؛ لأن الدراسات على الحيوانات تدل على أن إدخال آفات صغيرة في هذه المنطقة يمكن أن يسبب السمنة أو الهزال اعتمادا على دقة موقع الإدخال. وقد قادت مثل هذه المشاهدات إلى تصنيف بعض مناطق الوطاء كمراكز «شبع» أو «إطعام».
ومن خلال تنبيه الشهية أو شعور الشبع، يستطيع الدماغ أن يدير مباشرة توازن طاقة الجسم من يوم لآخر. كما تستطيع إشارات من الدماغ أن تكبت لفترات أطول النظم غير الأساسية، مثل النمو والإنجاب، وذلك عندما تكون مخزونات الدهن منخفضة جدا، ويجب الحفاظ على الطاقة للبقاء على قيد الحياة. وحتى يتمكن الدماغ من قيادة هذه الآليات والاستجابة لمتطلبات الجسم، فإن عليه أن يتلقى المعلومات تباعا عن كمية الطاقة المختزنة.
ما هي هذه الإشارة؟ وكيف يمكن أن تعمل؟ لقد تبين أن العديد من الجزيئات المختلفة تؤثر في الشهية عند ارتفاع مستوياتها في مجرى الدم وانخفاضها. ويدخل في هذه الجزيئات العديد من نواتج تحطيم الطعام كالگلوكوز، والهرمونات المشتقة من الأمعاء كالأنسولين والكولسيستوكينين
(CCK)
(7). ولكن منظما بالغ الأهمية لكمية الطاقة المُخزّنة، بقي محيرا إلى أن قام وزملاؤه [من جامعة روكفِلر] باكتشاف اللپتين
( عام 1994.
وقبل بضعة عقود، ظهرت في مختبر جاكسون [في مين] متلازمة من السمنة الشديدة توافقت مع ازدياد الشهية ونقص مصروف الطاقة لدى بعض سلالات الفئران، وسميت هذه المتلازمة ob/ob، لأن الفأر يجب أن يرث هذه الخلَّة
(9) من كلا أبويه. وعلى الرغم من مئات الدراسات التي حاولت فهم السمنة لدى هذه الفئران، فإن مجموعة فريدمان كانت الأولى في تحديد هوية الطفرة الجينية الموروثة المسؤولة. كما توصل الباحثون إلى أن الجينة التي حُددت هويتها حديثا تسود فعاليتها في الخلايا الدهنية، وتنشئ پروتينا لا يصنع في شكله الوظيفي في الفئران الحاملة لطفرة ob. ويبدو أن متلازمة السمنة تنتج من غياب هذه المادة.
لقد أطلق الباحثون اسم لپتين على الپروتين، من الجذر اليوناني leptos الذي يعني «النحيل»، وأثبتوا بسرعة أن تعويض اللپتين المفقود من خلال حقن يومية يؤدي الى إنقاص وزن الفئران المصابة من خلال تراجع شهيتها وزيادة مصروفها من الطاقة. ولاحقا أيد آخرون هذا الاكتشاف الرائع من خلال العثور على طفرة فيها نقص لوظيفة مماثلة في جينة اللپتين البشري لدى المصابين بحالات نادرة للغاية من السمنة الشديدة المبكرة. وقد ساعد إعطاء اللپتين لهؤلاء الأشخاص على إنقاص أوزانهم تماما كما فعل مع الفئران.
[الدماغ]
مركز القيادة(****)
ينظم الدماغ الوزن من خلال مكاملة المعلومات عن متطلبات الجسم من الطاقة وحالة مخزوناته منها، ومن ثم توليد تغيرات في السلوك وفي معالجة الطاقة استجابة لتلك المعلومات. وتنبه مناطق متخصصة في الدماغ إحساسات(11) الشهية أو الشبع لتؤدي إلى تناول المزيد من الطعام، أو لإنهاء الوجبة. ومع الوقت يستطيع الدماغ أيضا أن يزيد أو ينقص طاقة الجسم الكلية ويعيد توزيعها، بحيث لا تذهب إلى النظم غير الضرورية للبقاء على قيد الحياة على المدى القصير، مثل الإنجاب. |
وللمرة الأولى، أظهرت هذه التجارب وجود نظام فيزيولوجي تُنتج وفقه الخلايا الدهنية إشارة هرمونية تعكس حالة مخزونها من الطاقة ـ كلما ازداد محتوى الخلية الدهنية من ثلاثي الگليسريد ارتفع إنتاج اللپتين ـ ويستجيب لها الدماغ بتغيير الشهية وصرف الطاقة. وعند غياب تلك الإشارة الهرمونية لحالة الطاقة هذه، سواء بسبب أن الطفرة الجينية تمنع تصنيع پروتينات اللپتين الوظيفية أو بسبب أن الجسم يمتلك في الواقع مخزونات منخفضة من الدهن، فإن الدماغ يعتقد أن الجسم يعاني الجوع ويتصرف وفقا لذلك بتعزيز حالة الجوع والحفاظ على الطاقة.
إن اكتشاف اللپتين فتح الباب أمام استكشاف سبيل بيولوجي جديد كليا من الإشارات والاستجابات الخلوية. وكان واضحا أن الدماغ هو هدف رئيسي للپتين المفرز إلى مجرى الدم من قبل الخلايا الدهنية. وقد بدأ الباحثون، ونحن من بينهم، بتعرف العديد من الدارات العصبية المفصلة والأنماط الخلوية التي يؤثر عبرها اللپتين. وكما هو متوقع فإن معظمها موجود في الوطاء [انظر الشكل في الصفحة 23].
[الأمعاء]
رسائل مختلطة (*****)
تنبعث إشارات مهمة تنبه استجابات الدماغ ونسج الجسم المنظمة للطاقة من الجهاز الهضمي ومن الدهن نفسه. وهذه الإشارات تشكل المؤشرات القصيرة الأمد لحالة إطعام الجسم مثل الاندفاقات(12)العصبية والپپتيدات المفرزة المتولدة قبل تناول الوجبات مباشرة وبعدها؛ إضافة إلى المعلومات الأطول أمدا حول حالة الطاقة المختزنة في الجسم. وتفرز الخلايا الدهنية، إضافة إلى اللپتين الذي يقدم تقريرا عن مستويات دهن الجسم إلى الدماغ، حوالي اثني عشر هرمونا، يعرف مجموعها باسم الأديپوكينات(13)، يغير اثنان منها على الأقل استجابات النسج للأنسولين، وهذا ينظم كمية الگلوكوز الذي يدخل إلى الخلايا وتستخدمه كوقود fuel.
معدة فارغة
ينتج الگريلين من الغدد في المعدة قبل الطعام بنحو 20 إلى30 دقيقة. والمسبب لإطلاقه غير واضح، إلا أن الگريلين يمكن أن يبلغ الدماغ باستعداد المعدة للوجبة.
مملوءة بالطعام
ينتقل تمدد المعدة والأمعاء إلى الدماغ عبر الأعصاب النخاعية والعصب المبهم.
ترسل المستقبلات التغذوية في الكبد أيضا إشارات عصبية تدل على أن الطعام المتناول قد تم تحطيمه(14).
تعكس مستويات الأنسولين الجائلة، المفرزة من الپنكرياس، والگلوكوز المشتق من الأطعمة المتناولة، حالة الإطعام والطاقة المتوافرة في الحال.
الكولسيستوكينين (CCK) وPYY هما پپتيدان تصنعهما الأمعاء وتطلقهما في مجرى الدم بعد الوجبة.
الطاقة المختزنة
يتم تصنيع اللپتين من النسيج الشحمي بمقادير تتناسب مع الدهن الذي يحويه النسيج.
يرتفع أيضا الپروتين 4 الرابط للريتينول(15) مع ازديادمستويات الدهون ويُنقص قابلية استجابة النسج الأخرى للأنسولين.
يعزز الأديپونكتين من الاستجابات الخلوية للگلوكوزوالأنسولين، لكن مستويات هذا الأديپونكتين تتدنى في حالة السمنة. |
بوقت واحد، يؤثر اللپتين ضمن البنية المسماة النواة المقوسة
(16) في الوطاء، (ضمن المنطقة التي تم تعريفها سابقا على أنها مركز الشبع) بمجموعتين متجاورتين من العصبونات تتحكمان في الشهية بطريقتين متعاكستين. تقوم مجموعة من الخلايا العصبية بإنتاج پپتيد يدعى ألفاMSH-، وهو ينقص الشهية، ومن ثم وزن الجسم. وتُنتج المجموعة الأخرى من العصبونات نوعين من الپپتيدات العصبية: NPY و AgRP، وينبه كل منهما الإطعام ويعزز السمنة. إن تفاعلات اللپتين مع كل من مجموعتي الخلايا ممتازة . ترشد العصبونات التي تفرز الپپتيد MSH إلى عصبونات في مكان آخر من الوطاء تحمل پروتينا سطحيا يدعى مستقبل الميلانوكورتين 4
(17) (MC4R)، الذي يقوم عند تفعيله بإنقاص الشهية وتعزيز فقدان الوزن. ويضاد عمل المستقبل السابق (الپپتيد AgRP الذي يعزز الإطعام)، أي أنه يمنع تفعيل هذا المستقبل. وهكذا فإن اللپتين يعمل على تفعيل مستقبلات MC4 من خلال تنبيهها مباشرة عبر العصبونات التي تنتج الپپتيد MSH أيضا من خلال تثبيط مضاداتها.
اكتشاف اللپتين فتح الباب أمام اكتشاف سبيل بيولوجي جديد كليا. |
ويؤثر اللپتين في الوقت نفسه في منطقة من الدماغ كان ينظر إليها سابقا على أنها مركز الإطعام، وهي منطقة الوطاء الجانبي، وذلك بطريقة مثيرة للاهتمام، حيث تُنتج مجموعة واحدة من الخلايا في هذه المنطقة پروتينا صغيرا يدعى الهرمون المركز للميلانين
(18) (MCH). وفي عام 1996، اكتشفت مجموعتنا من الباحثين أن مستويات هذا الپپتيد مرتفعة لدى فئران النمط ob/ob، ما يقترح أن اللپتين يثبط طبيعيا إنتاج هذا الپپتيد؛ كما أثبتنا أن زيادة الهرمون MCH تعزز مدخول الطعام والسمنة. ووجدنا أنه حتى فئران النمط ob/ob تكون أقل سمنة بشكل واضح، إذا كانت فاقدة القدرة على تصنيع الهرمون MCH. وهكذا وجدنا مثالا واضحا آخر عن النظام الفيزيولوجي الذي يؤثر اللپتين عبره كإشارة تنظم الپپتيدات العصبية الوطائية التي تمارس بدورها الرقابة على الشهية وتوازن الطاقة.
ونضيف إلى ذلك أن الخلايا والدارات التي يؤثر فيها اللپتين تتأثر أيضا بعدد من العوامل الجائلة الأخرى. ويقوم الوطاء ومناطق الدماغ ذات العلاقة بمكاملة هذه المعلومات القادمة من مصادر مختلفة لإنتاج صورة زمنية حقيقية لحالة طاقة الجسم وتنسيق الاستجابات لإدارة مصادر الطاقة. وكي نفهم بصورة أفضل كيفية تأثير هذه الإشارات، بما في ذلك اللپتين، في الدماغ، يقوم الباحثون أيضا بدراسة كيفية نشوئها ومصدر قدومها.
مساعدو الجوع(******)
يمكن أن تؤثر «بيئة» الشخص الداخلية في الكمية التي يتم تحويلها من الوجبة إلى دهن الجسم. فتريليونات من الميكروبات الحميدة تستوطن الأمعاء البشرية، وتساعد على تحطيم الطعام، غير أن الخليطة المستقرة من أنواع هذه الميكروبات لدى أفراد مختلفين يمكن أن تختلف. ففي جامعة واشنطن بسانت لويس بيّن الباحثون أنه يسود لدى الأشخاص السمان قسم من البكتيرات يدعى firmicutes، في حين تكون بكتيرات من قسم العصوانيات bacteroidetes أكثر كثافة لدى الأشخاص النحيلين. إضافة إلى أن مجموعة ميكروبات «الدهن» تمتلك القدرة أكثر من مجموعة النحول(19) على استخلاص المزيد من المغذيات، ومن ثم الكالوريات، من الطعام. ولايزال مجهولا ما إذا كان الاختلاف في الميكروبات يسهم في السمنة أو ينتج منها أو كليهما.
بكتيرات firmicutes ودودة: لبنية مخمرةLactobacillus fermentum. |
الاستجابات الحشوية
(*******)لقد عُرف منذ زمن أن امتلاء البطن علامة بسيطة ولكنها مؤكدة على أن الجسم قد تناول حديثا طاقة على شكل طعام، وأن تمدد المعدة ينقص الشهية. وإحدى الطرق التي تصل فيها هذه الحالة الفيزيائية إلى الدماغ تكون عبر ألياف عصبية حساسة للتمدد تحمل الإشارات من المعدة والأمعاء لتوصلها أخيرا إلى مراكز التحكم في الشهية؛ كما تنقل إلى الدماغ الإشارات العصبية التي تعكس حالة معالجة الطاقة في الكبد عبر العصب المبهم
(20).
ويُعتقد أيضا أن الأنسولين يؤثر مباشرة في العصبونات في الوطاء لكبت الشهية؛ كما أن هناك عددا من الهرمونات الأخرى التي تصنع في الأمعاء وتطلق في مجرى الدم بعد الوجبات، ويعرف عنها بأنها تسافر إلى الدماغ وتنتج التأثير نفسه. ومن هذه الهرمونات الكولسيستوكينين
(21)، وهو عامل مهم في إحداث الشبع القصير الأمد، ويقتصر فعله على الإشارة إلى انتهاء الوجبات الفردية. كذلك هناك الپپتيد PYY الذي يُطلق من الأمعاء الدقيقة ويقوم بالفعل نفسه. وفي الجهاز الهضمي لم يتم حتى الآن تعرف سوى پپتيد متولد واحد، يقوم بتحريض الشهية وهو الگريلين
(22) الذي يصنع ويطلق في المعدة قبل الإطعام ويمكنه توقع الوجبة [انظر الشكل في الصفحة المقابلة].
ويمكن لآليات تنظيم الطاقة في الدماغ أن تنحرف عند الأشخاص السمان، عندما تتولد إشارات قصيرة الأمد غير وظيفية تدل على أنه قد تم استهلاك الطعام مؤخرا أو أنه سيتم. وكمثال على ذلك فإن خسارة في الوزن بحوالي 10 پاوندات تسبب ارتفاعا في إنتاج الگريلين، وهذا بدوره يحرض على زيادة الشعور بالجوع.
وعلى المدى الطويل، فإن الإشارات المنبعثة من دهن الجسم نفسه قد تسهم أيضا في شذوذ إدارة الطاقة. ولسنوات عديدة كان يُنظر إلى الدهن بشكل أولي أو حصري على أنه موقع منفعل لتخزين الطاقة وإطلاقها على شكل حموض دهنية. لكن مع اكتشاف اللپتين تم تمييز النسيج الشحمي على أنه غدة صماء يمتلك نشاطها تأثيرات واسعة في الصحة [انظر المؤطر في الصفحة 27].
ولايزال اللپتين هو الهرمون الوحيد المشتق من الدهن الذي تم إظهار إسهامه المباشر في تنظيم المخزونات من الدهون. ولكن هناك مجموعة أخرى يشار إلى مجموعها عادة بالأديپوكينات
(23) ولا تزال قيد الدراسة أيضا. فالأديپونكتين
(24) هو جزيء ينتج ويفرز من الخلايا الدهنية حصريا ويجول طبيعيا في مجرى الدم بتراكيز مرتفعة. ولكن مستوياته لدى الأفراد السمان هي أقل من المعدل لأسباب مجهولة. ولذا نجد أن فئران التجارب التي لا تمتلك الأديپونكتين تكون ثقيلة بشدة. ولا تزال الآلية وراء هذا التأثير مجهولة أيضا. لقد اقترحت بعض الدراسات الأولية احتمال أن يمارس الأديپونكتين في بعض الظروف تأثيرا مباشرا في الدماغ منبها للشهية. وتعتبر هذه الاكتشافات تمهيدية، إلا أنها تشير إلى إمكانية أن يخدم الأديپونكتين كإشارة مباشرة من الخلايا الدهنية إلى الدماغ تدل على الحاجة إلى تناول الطاقة؛ ومن ثم يمكن أن يُعدِّل دور اللپتين الكابت للشهية في تنظيم طاقة الجسم.
أصول السمنة
(********)ولا يزال هناك الكثير ليكتشف حول الدارات المعقدة للغاية التي تنظم استخدام طاقة الجسم وتخزينها، وكذلك حول الانقطاعات فيها وكيف يمكن لها أن تساعد على استمرار السمنة الموجودة أو تؤهب الفرد ليصبح سمينا في المقام الأول. لقد قاد اكتشاف اللپتين لدى الفئران إلى تعرف بعض الأشخاص الذين يمكن تفسير السمنة الشديدة لديهم بوجود خلل جيني وحيد. مثل هذه السمنة «الأحادية الجينة» mon نادرة للغاية، إلا أنها تقدم معلومات وافرة. فعلى سبيل المثال، تم تعرف عدد ضئيل من المصابين بالسمنة الشديدة التي يمكن إرجاعها إلى الطفرات في جينات اللپتين أو مستقبل اللپتين أو POMC، وهو طليعة للپپتيد الوطائي الخافض للشهية MSH.
إن الطفرات التي تسبب خسارة في مستقبلات MC4 الوظيفية ـ أهداف الپپتيد MSH ـ مهمة أيضا، وتعد مسؤولة عن نحو 3 إلى 5 في المئة من المصابين بالسمنة الشديدة، حيث وجد أن لدى معظم هؤلاء الأفراد نسخة مصابة واحدة فقط من نسختي الجينة، وهذا يترك لهم حوالي 50 في المئة من وظيفة مستقبل MC4 الطبيعية.
ولكن معظم المصابين بالسمنة ليس لديهم طفرات جينية معروفة يمكن أن تفسر حالتهم. إضافة إلى أن مستويات اللپتين لديهم تكون أعلى فعليا من تلك التي لدى الأفراد النحيلين، وهذا يبدو مضادا للحدس على فرض أن اللپتين يكبت الشهية. وفي الواقع، قاد هذا الاكتشاف إلى فكرة أنه يمكن أن يكون لدى معظم مرضى السمنة مقاومة للپتين ـ أي لسبب ما فإن إشارة اللپتين التي تدل على غزارة مخزون الدهن لا تلتقط من قبل جزء ما في مسار تنظيم الطاقة. ويتفق مع هذه النظرية واقع أن محاولات إعطاء اللپتين علاجيا نتج منها استجابات سيئة مخيبة للآمال لدى المرضى السمان النموذجيين، الذين ليس لديهم طفرات جينية محددة مرتبطة باللپتين.
خلايا منظمة ذاتية؟(*********)
في حالة السمنة، تفرز الخلايا الدهنية المحشوة زيادة(25) في اللپتين، وهذه إشارة إلى وافر الطاقة المخزونة، ويستجيب الدماغ لها بقطع الشهية. لكن هل تصدر الخلايا الدهنية أيضا نداء لطلب مزيد من الطاقة عندما تكون بحاجة إليها؟ يشير بحث نشر في الشهر 7/ 2007 إلى أن هرمونا آخر يتولد من الخلايا الدهنية هو الأديپونكتين قد يقوم بهذا الدور. وقد بيّن وزملاؤه [في جامعة طوكيو] أن الزيادات السريعة لمستويات الأديپونكتين في السائل النخاعي ووجود الهرمون في الجهاز العصبي المركزي لدى الفئران الجائعة، يسببان تحريض الدماغ على إطلاق الپپتيد المنبه للشهية NPY. وإذا تم إثبات أن الأديپونكتين هو إشارة إلى الجوع يستجيب لها الدماغ بزيادة مدخول الطعام، عندها يمثل الأديپونكتين الجزيء الثاني المولد للدهن والذي يدخل مباشرة في تنظيم مخزونات الدهن.
خلايا دهنية لدى فئران نحيلة (في الأعلى) وسمينة (في الأسفل). |
ولهذا فإن إيجاد الأسس الجزيئية لمقاومة اللپتين له أهمية بحثية ملموسة. لقد تمت الإشارة بقوة إلى پروتينين على أنهما يسهمان في مقاومة اللپتين من خلال التأثير في الدماغ، ومن المحتمل في النُّسُج المحيطية. أحدهما يسمى SOCS3 وتنتجه عصبونات الوطاء التي تستجيب طبيعيا للپتين. ويستطيع الپروتين SOCS3 أن يحجب قدرة اللپتين على إرسال إشارة لهذه الخلايا، في حين يخمد الپروتين الآخر PTP1B إشارة اللپتين داخل الخلايا. وقد أشارت التجارب على الفئران إلى أن إنقاص مستويات الپروتين SOCS3 أو الپروتين PTP1B في جميع النسج أو في العصبونات فقط، يجعل الفئران أكثر حساسية للپتين ومقاومة للسمنة. ولايزال الدور الدقيق لهذه الپروتينات في مقاومة اللپتين البشري مجهولا؛ إلا أنه اعتمادا على هذه الملاحظات لدى الحيوانات يكون من المغري أن نتكهن بأن مثل هذه الجزيئات الناتجة من العصبونات الحساسة للپتين تهدف إلى تعديل إشارات اللپتين، بحيث لا تغمر الخلايا بها، ومن ثم يمكن لمستويات اللپتين المرتفعة بشكل مزمن لدى الأفراد السمان أن تجعل هذه الپروتينات تفرط في المعاوضة لتحمي الخلايا، فتنشأ بذلك حلقة من المقاومة الزائدة لإشارات اللپتين.
ويمكن لآليات التلقيم الراجع الفيزيولوجية هذه أن تساعد على استمرار السمنة وتزيدها سوءًا؛ كما يمكن أن يكون لتغيرات الجينات التي تتدخل في السبل المنظمة للدهن دور مماثل في اختلال توازن النظام. وفي الواقع نعتقد أن المصدر المرجح لجزء من الاستعداد للسمنة هو التغيرات الجينية التي تؤثر في وزن الجسم عبر آليات غير مكتشفة حتى الآن. ويبقى علينا معرفة ما إذا كان هناك جينات متعددة تؤثر تغيراتها في وزن الإنسان، أو أن هناك القليل من الجينات السائدة لدى معظم الناس والتي تؤثر تغيراتها في الوزن. ومع توافر التقنيات الفعالة لإجراء مسح الجينات البشرية ضمن مجموعات سكانية كبيرة أصبح من المؤكد أن يتسارع اكتشاف سبل جديدة منظمة للوزن مع التعمق في الآليات المعروفة. ويُظهر استمرار انتشار السمنة ومضاعفاتها بشكل واضح عدم توافر علاج عالي الفعالية حتى الآن.
الدور الغامض للدهن في الأمراض(**********)
تم إثبات وجود ارتباط واضح بين السمنة وعدد من الاعتلالات الخطيرة، منها السكري وارتفاع الضغط والداء القلبي الوعائي وحتى السرطان. ويبقى العديد من وجوه هذه العلاقة بين الدهن والاعتلال بحاجة إلى تفسير. ومع ذلك يستند التعريف الطبي الأكثر شيوعا للسمنة إلى وجود دليل على الآثار الضارة للصحة لدى أشخاص تجاوزوا وزنا معينا. يحسب معامل كتلة الجسم(26) (BMI) من خلال قسمة وزن الشخص مقدرا بالكيلوغرام على مربع طوله مقدرا بالمتر. ونلاحظ أن معدل الوفيات يكون مرتفعا عندما يكون المعاملBMI أعلى من 30، لذلك اعتبر هذا الرقم الحد الفاصل المقبول للسمنة؛ في حين تشير أرقام للمعاملBMI تراوح بين 25 و 30 إلى فرط الوزن، الذي يعكس جزءا من الارتباط بالآثار الضارة بالصحة.
لكن هذه العلاقات الوبائية بين المعامل BMI والاعتلال يمكن أن تختلف بين المجموعات السكانية الجزئي(27). ولا يوجد رقم دقيق يسمح للأطباء بتحديد كمية الدهن الزائد التي ستسبب الاعتلال لدى مريض معين، حيث يعاني بعض الأشخاص مشكلات صحية عند معامل BMI منخفض نسبيا هو 25؛ في حين يبقى آخرون أصحاء عند معامل BMI أعلى من 30 [انظر: «هل يمكن للسمين أن يكون لائقا بدنيا؟»، في هذا العدد الخاص].
ولا يبدو أن جميع الدهن يمتلك آثارا متساوية. يتراكم النسيج الشحمي تحت الجلد في معظم مناطق الجسم، إضافة إلى داخل الأعضاء الداخلية وحولها وبخاصة في البطن. وتقترح عدة دراسات، بقوة، أن السكري والأمراض القلبية الوعائية بشكل خاص مرتبطة بشدة بهذا الدهن داخل البطن أو الأحشاء. ولا يرجح نسبيا في بعض الحالات أن تسبب الزيادة المهمة في الدهن في الوركين والفخذين ـ التي ينتج منها الشكل «الإجاصي» المشهور ـ هذه الأمراض عند عدم وجود دهن بطني زائد.
وعلى العكس ترتبط الزيادة السابقة في الدهن البطني بالسكري وباختلالات استقلابية أخرى حتى في غياب الدهن الغزير أسفل الجسم، كما في نمط الجسم ذي الشكل «التفاحي».
ومن غير الواضح تماما الأسس التي يؤثر بموجبها الدهن وفق موقعه، في الصحة. وتركز إحدى النظريات على أن الدهن البطني في الواقع متوضع بشكل جيد، ويطلق الحموض الدهنية ومواد وإشارات أخرى إلى الوريد البابي(28) الذي يغمر الكبد مباشرة، ومن ثم فمن المحتمل أنها تؤثر في وظيفة هذا العضو الحرج. وتستند نظرية أخرى إلى أن مدخرات الدهن في الأجزاء المختلفة من الجسم تولد مقادير مختلفة من إشارات كيميائية معينة، والأحجام الكبيرة نسبيا من هذه الإشارات التي تصدر عن الدهن الحشوي قد تكون مسؤولة عن آثاره الأكثر ضررا.
وقد تم إظهار تدخل عدة إشارات نوعية مولدة من الدهن بشكل كبير في مشكلات صحية مرتبطة بالسمنة. فالنسيج الشحمي مثلا ينتج محرضات للالتهاب يمكن أن تسهم في زيادة خطر السرطانات والداء القلبي الوعائي ومرض السكري واضطرابات مناعية أخرى. وعلى العكس من ذلك، فإن لهرمون الأديپونكتين تأثيرات مرغوبة في عدة نسج، حيث تساعد على تحسن معالجة الگلوكوز والشحم في الخلايا. وبسبب انخفاض مستويات الأديپونكتين الجائل في السمنة، يرتبط فقدان آثاره المفيدة بتطور مقاومة الأنسولين التي تسهم في السكري والداء الوعائي. ويعزى الدور الأكثر مباشرة في مقاومة الأنسولين إلى الأديپوكين المعروف باسم الپروتين 4 الرابط للريتينول (RBP4)، الذي تصنعه الخلايا الدهنية بكميات أكبر في حالة السمنة. وتظهر الدراسات على الحيوانات أن الپروتين RBP4 يجعل الكبد وخلايا أخرى أقل حساسية للأنسولين. وقد أكد تقرير صدر حديثا أن الدهن الحشوي يولد مقادير من الپروتين RBP4 أكبر من تلك التي يولدها النسيج الشحمي تحت الجلد في أي مكان آخر من الجسم.
وتوضح هذه الأمثلة القليلة أن للعديد من الجزيئات والآليات التي هي قيد التحقيق حاليا، دورا في تنظيم طاقة الجسم، كما تتدخل في عمليات أخرى أساسية في الصحة. وغالبا ما ينتج من التقدم في فهم السمنة، تعمق جديد في مناحي الأمراض المرتبطة بالسمنة وعلاجاتها.
.J. S. F. - E. M.-F
عندما تشير كلمة تفاح إلى شيء غير صحي فإنها تعني شكل الجسم. وتدل الزيادة في الدهن البطني على فرط الدهن المكدس في الأعضاء الداخلية وحولها، وهو وضع يرتبط بقوة بالأمراض القلبية والاستقلابية. وعلى العكس من ذلك يقل ترجيحا أن يسبب تراكم الدهن على الوركين والفخذين بشكل رئيسي، الذي يطلق عليه شكل «الإجاصة»، اعتلالا في الجسم. |
تدخّل في السمنة
(***********)إن التوصيات البسيطة ـ مثل إنقاص مدخول الطعام وتغيير تركيب حمية الفرد وزيادة التمارين الرياضية ـ مناسبة دائما للشخص السمين. وهذه التغيرات السلوكية وحدها تساعد الأفراد على فقدان حتى 10 في المئة من أوزانهم، مع أنه يصعب غالبا المحافظة على هذا التناقص في الوزن.
وتُجرى حاليا جراحات السمنة
(29) على مئات الآلاف من المرضى سنويا. وبشكل عام يجري في هذه العمليات ربط جزء من المعدة بشريط لتحديد حجمها، أو يتم فعليا إعادة توجيه الأمعاء لإنقاص الجيب المعدي وتجاوز جزء من الأمعاء. وإجراء أي من الجراحتين هو بوضوح أكثر نجاحا من أي علاج دوائي حالي في تعزيز فقدان الوزن والمحافظة عليه. وتقترح الأبحاث الحديثة أيضا أن المجازة المعدية
(30) تسبب نقصا في الشهية، ويرجع جزء من ذلك إلى تغيير مستويات هرمونات الأمعاء مثل الگريلين والپپتيد PYY، وهذا يشير إلى أن الأدوية التي تحقق النتيجة نفسها يمكن أن تحل يوما ما محل هذه العمليات لدى العديد من المرضى.
إن أي دواء جديد لعلاج السمنة يجب أن يحقق معايير عالية جدا من حيث الفعالية والتحمل والأمان. وهذا موضع تحدٍّ، لأن السبل التي تنظم تخزين الطاقة تتداخل بشكل حرج جدا مع عمليات أخرى في الجسم والدماغ. والدواء الجديد يجب تطويره ليتوافق مع جميع تلك المعايير. والتجارب السيئة مع أدوية رُشحت في الماضي لفعاليتها، ثم ثبت فيما بعد أنها ليست آمنة أو تسبب الإدمان، تؤدي إلى دفع الوكالات المنظمة لوضع متطلبات أكثر مما يبدو منطقيا. ونضيف إلى ما سبق أن المفترض في الدواء، إضافة إلى علاجه السمنة بإنقاص محتوى الجسم من الدهون، أن يخفف من المضاعفات المرتبطة بالسمنة كالسكري وارتفاع (فرط) الضغط، أو على الأقل ألا يزيدها سوءا، وأن يكون علاجا آمنا في الاستخدام الطويل الأمد، حيث من المرجح أن يؤدي إيقاف العلاج إلى عودة الوزن إلى مستواه السابق. كما أنه يوجد خطر كبير يرافق أدوية السمنة، وهو الاستخدام الخاطئ من قبل أشخاص يسعون بشكل غير ملائم إلى الحصول على وزن جسم منخفض لأسباب غير طبية.
[استراتيجيات]
تجاوز السمنة(************)
مع ازدياد وضوح الآليات التي تنشأ السمنة بسببها، يزداد أيضا وضوح الأسباب التي تجعل خسارة دهون الجسم والحفاظ على هذه الخسارة من خلال التغيرات السلوكية وحدها صعبا بالنسبة إلى العديد من الأفراد. والعلاجات المتوافرة المعتدلة الفعالية وتطوير أدوية جديدة آمنة للاستعمال المديد أمر صعب لتضافر النظم التنظيمية للطاقة مع عمليات بيولوجية (حيوية) أخرى في الجسم والدماغ، مما يُعرض لخطر آثار جانبية مهمة. وتحاول المقاربات العلاجية قيد التطوير حاليا، أن تستهدف بدقة أكبر الجزيئات والآليات التي تراقب كمية الطاقة التي يتناولها الجسم على شكل طعام أو كمية الطاقة التي يخزنها ويحرقها.
|
وقد فشل مؤخرا دواء متوافر في أوروبا منذ فترة، وهو ريمونابانت rimonabant، في الحصول على موافقة مستشاري إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بسبب الخوف من ازدياد حدوث الاكتئاب والقلق لدى الأشخاص الذين يتناولونه. فهذا الدواء يعمل على حجب تفعيل مستقبل سطح الخلية في الدماغ والنسج المحيطية والمعروف باسم CB1. يتوسط هذا المستقبل «الرغبة في الطعام»
(31) التي يحدثها تدخين الحشيش، إضافة إلى تأثيرات جزيئات الليپيد في النسج المختلفة. لهذا فإن التوازن بين الأمان والفعالية عند استخدام هذا الصنف من المركبات فترةً طويلة لا يزال غير واضح.
وهناك دواءان فقط موافق على وصفهما في الولايات المتحدة في الوقت الحالي للاستخدام الطويل لعلاج السمنة. أولهما سيبوترامين sibutramine، وهو متوافر منذ عام 1997 ويعمل على إطالة زمن تعرض العصبونات في الدماغ للناقلين العصبيين النورإبينفرين والسيروتونين، وهذا ينتج منه نقص الشهية وخسارة وزن متواضعة. ويحد استخدام هذا الدواء حقيقة أن ضغط الدم والنبض يميلان إلى الارتفاع وليس إلى الانخفاض خلال العلاج به. والدواء الآخر أورليستات orlistat، وهو متوافر منذ عام 1999 ويقدم حاليا بدون وصفة بالاسم التجاري alli، ويخفض مدخول الكالوريات colorie الكلي لدى الفرد من خلال العمل في الأمعاء لإنقاص امتصاص الدهون، مع تأثيرات متواضعة في الوزن ومضاعفات السمنة.
في النهاية، سيشمل علاج السمنة الناجح أدوية عدة تؤثر من خلال سبل مستقلة. |
وتتم متابعة العديد من المقاربات الأخرى لتطوير أدوية للسمنة استنادا إلى السبل العديدة لتنظيم الشهية والوزن والتي تم اكتشافها في السنوات الأخيرة. وتضم العلاجات المحتملة مثبطات الجزيئات المنبهة للشهية: الهرمون MCH والپپتيد NPY والگريلين، وكابتات الشهية المحاكية للپپتيد PYY، ومفعلات أنماط جزئية لمستقبلات الميلانوكورتين 4 والسيروتونين. ويهدف أيً من هذه الخيارات إلى خفض مدخول الطاقة، كما تفعل الأدوية المتوافرة حاليا. ولكن بسبب ميل الجسم إلى معاوضة خسارة الدهون من خلال الدخول في وضع الحفاظ على الطاقة، فإن الأدوية المتممة التي تزيد معدل صرف الطاقة يمكن أن تكون ضرورية أيضا.
وتنظر عدة مجموعات من الباحثين في طرق لزيادة معدل إطلاق الخلايا الدهنية للطاقة المختزنة أو منع تشكل مخزونها أساسا. وتركز إحدى المقاربات على تنبيه صنف من مستقبلات سطح الخلية ـ يعرف باسم المستقبلات الأدرينرجية بيتا3
(32) والمستقبلات النووية PPAR ـ وهو الصنف الذي يحرض إطلاق النسج لمادة تدعى الپروتين 1 المزيل للاقتران
(33). وهذه الإشارة هي نداء للطاقة يُلتقط من بعض الخلايا الدهنية فيزيد معدل إعادة إرسالها لثلاثيات الگليسريد إلى مجرى الدم. ولكن هذه التقنية تعمل فقط في نمط معين من النسيج الدهني يعرف باسم الشحم الأسمر
(34)، وهو غزير لدى القوارض والرضّع من البشر، لكن مع الوصول إلى سن البلوغ لا يبقى إلا القليل جدا من خلايا الشحم الأسمر ضمن الدهن البشري.
وتتضمن مقاربة واعدة أخرى حجب فعاليات إنزيمية تعزز تخزين الدهون. وأحد الأمثلة هو الإنزيم 11 بيتا 11bHSD1 HSD1، الذي يسبب تحويل الكورتيزول الستيرويدي
(35) من شكل ساكن إلى شكل فعال بيولوجيا داخل الشحم والخلايا الكبدية. ويدفع هذا الكورتيزول الفعال موضعيا بدوره الخلايا الموجود فيها إلى تصنيع المزيد من ثلاثيات الگليسريد. وقد أظهرت مجموعتنا المختبرية أن فئران التجارب التي تفرط في إنتاج الإنزيم 11bHSD1 في خلاياها الشحمية تولد أيضا زيادة بالكورتيكوستيرون (نسخة الفئران من الكورتيزول) في هذه الخلايا، وتنمو لتصبح سمينة بشكل خطير. ومما يثير الاهتمام أن هذه الفئران تطورت لديها سمنة بطنية بشكل خاص، إضافة إلى السكري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع ليپيدات الدم، وهي مجموعة من الأعراض تشبه الحالة البشرية التي تعرف باسم المتلازمة الاستقلابية.
ومع أنه لم ينتج بعد من الدراسات على بشرٍ سمان ربط واضح بين فعالية الإنزيم 11bHSD1 وفرط تخزين الدهون، فإن مثبطات هذا الإنزيم موجودة ويجري تطويرها للاستخدام في علاج المتلازمة الاستقلابية، ويمكن أن تثبت فائدتها في مداخلات السمنة أيضا.
ويعتقد العديد من الخبراء أن العلاج الدوائي الناجح للسمنة سيشمل في نهاية المطاف عدة أدوية تؤثر عبر سبل مستقلة، في توليفات تخصص للمرضى بشكل فردي، كما هي الحال حاليا لعلاج ارتفاع الضغط والسكري. وبالطبع، فكما هي الحال في أمراض شائعة أخرى، مثل ارتفاع الضغط، سيكون من الأفضل علاج الأشخاص من خلال تغييرات في الحمية ونمط الحياة فقط. لكن إذا ما فشلت هذه المقاربة ونتجت عوارض مرضية، فإن العلاجات الدوائية الآمنة قد لاتكون أقل ملاءمة للسمنة مما هي للاعتلالات الأخرى.
المؤلفان
| Jeffrey S. Flier - Eleftheria Maratos-Flier |
زوجان يترأس كل منهما مختبرا ضمن قسم الغدد الصم والسكري والاستقلاب (الأيض) في مركز ديكونس الطبي ببوسطن. كلاهما أستاذ في مدرسة هارکرد للطب، وقد صار <فلير> عميدا في هذه المدرسة في 1/9/2007. ويبحث الكاتبان فيزيولوجيا السمنة والسكري، وقد اكتشف كل منهما مكونا رئيسيا في النظم التي تتحكم في توازن طاقة الجسم.
ويهتم <فلير> بشكل خاص بوظائف اللپتين والأنسولين في حالتي الصحة والمرض.
ووصفت <ماراتوس-فلير> الأدوار المختلفة للهرمون المركز للميلانين، كما حددت مؤخرا الدور الحرج الذي يؤديه پروتين كبدي في تحريض الخلايا الدهنية على إطلاق طاقتها المختزنة. | | |
المصدر/ مجلة العلوم - النسخة العربية(الكويت)