من أجل ان تحقق الثورة اهدافها
بقلم: د. محمد السعيد إدريس
غدا الأربعاء بمشيئة الله تعالي يكون قد مضت ثلاثة أشهر علي نجاح ثورتنا, وعلي الرغم من قصر هذه المدة إلا ان حجم ما تكشف خلالها من جرائم ارتكبها النظام البائد ومؤسساته ورجاله, وما تعرضت له الثورة من تحديات وضغوط داخلية وإقليمية ودولية يفوق كل خيال وإن دل هذا كله علي شيء.
فإنه يدل علي أمرين اثنين, اولهما, أن أجهزة الرقابة والمحاسبة والأمن اما انها كانت فاسدة هي الاخري وشريكة في ارتكاب كل تلك الجرائم والسماح بحدوث كل ذلك الفساد.
اما أنها كانت اجهزة لاكفاءة لها, وثانيهما أن التخلص من هذه الأجهزة واعادة تقييم دورها واستبدالها بأجهزة جديدة أكثر ولاء للشعب والوطن وأكثر كفاءة واقتدارا مهمة شديدة الأهمية والأولوية قبل اي شروع في اجراء اية انتخابات تشريعية كانت أم رئاسية من أهم هذه الأجهزة والمؤسسات التي نعنيها مجلسي الشعب والشوري, والجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية, وجهاز المخابرات وجهاز الشرطة.
فمجلسا الشعب والشوري لم يقوما كما يجب بأهم وظيفتين كانا يجب ان يقوما بها, وظيفة التشريع ووظيفة الرقابة والمحاسبة, فقد تورط المجلسان في عمليات تشريعية لصالح الرئيس ونظامه وفي غير صالح الشعب, وما يجعلنا نقول, دون تجاوز للحقيقة, ان معظم السادة النواب, وبالتحديد معظم نواب الحزب الوطني, لم يقوموا بما يمليه عليه دور هم كنواب للشعب, يشرعون من أجله ويحمون مصالحه ويدافعون عنها, بقدر ما كانوا ادوات في يد النظام يقومون علي خدمته والتشريع له بما يخدم اهواءه ومصالحه, كما ان المجلسين تخليا, تماما, عن دور الرقابة والمحاسبة للسلطة التنفيذية للرئيس وللحكومة رئيسا ووزارء, وقيادات تنفيذية في الوزارات والمؤسسات الحكومية لأسباب كثيرة ابرزها ـ وبالذات ـ معظم نواب الحزب الوطني, كانوا غير مؤهلين لاعلميا ولاثقافيا لهذه الادوار, لكن الأهم لأنهم لم يختارهم الشعب فعلا, بل عينهم النظام, واختارتهم أجهزته الأمنية وفرضتهم نوابا للشعب بالتزوير والقهر والاجبار, لذلك لم يكن ولاء هؤلاء للشعب, بل كان لصاحب الفضل في وجودهم داخل المجلس, لذلك لم يكن لهم اي وجود فعلي داخل اي من المجلسين, وكان دورهم الوحيد ان يدخلوا إلي قاعات المجلسين عندما يطلب منهم من أجل التصويت علي امور لايعرفونها ولم يقوموا بمناقشاتها, وليخرج رئيس المجلس ليقول موافقة!! بعد ارهاق طويل للمعارضة ونوابها وتوصيلها إلي درجة اليأس, وكل ما يشغل معظم هؤلاء النواب, المكاسب وتوظيف الحصانة للمزيد من المصالح الشخصية واسترداد ما سبق ان دفعوه من رشاوي انتخابية عشرات وربما مئات الاضعاف.
وبسبب غياب المجلسين في القيام بواجبات مراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها تراكمت الجرائم وعم الفساد, ولم ينافس هذا الغياب وعدم الكفاءة من جانب مجلسي الشعب والشوري غير غياب وتورط اجهزة الرقابة المالية واجهزة الأمن في معظم ما تعرضت له مصر من فساد, أين كانت كل طيلة كل تلك السنوات الماضية من مراقبة ومحاسبة الفاسدين من رأس النظام وحتي اصغر رجاله, ومن اين جاء كل هذا الفساد الذي يكشف عنه الآن, رغم ان كل ما اكتشف من جرائم وممارسات فاسدة حدث علي مدي سنوات طويلة من عمر النظام, هل التقصير وحده هو السبب؟ ام ان هذه الأجهزة كانت هي الأخري إما فاسدة ومتورطة في الجرائم, وإما أنها لاتمتلك الكفاءة والقدرة علي القيام بوظائفها في حماية الوطن وممتلكاته؟
ان غياب الرقابة والمحاسبة هو الذي أدي إلي حدوث تراكم كل هذا الفساد, والسؤال المهم الذي يجب ان يشغلنا جميعا الآن هو: كيف لنا ان نبدأ عهدا جديدا من التطهر والنقاء ومواجهة الفساد والجرائم دون الإجابة عن الأسئلة السابقة ودون معالجة حقيقية لقصور أداء مؤسسات التشريع والرقابة والمحاسبة؟ هل يمكن أن نتصور أن مصر ستكون بخير بمجرد اعتقال ومحاكمة بعض رموز النظام, او حتي بمجرد استرداد الأموال المنهوبة, في ظل بقاء كل تلك المؤسسات والأجهزة الرقابية علي ماهي عليه من قصور وفشل بل وربما فساد؟
نحن بالفعل امام مهمتين أساسيتين لمعالجة هذا كله, الأولي ان نستأصل جذور الفساد في هذه المؤسسات, ليس فقط الاشخاص بل وايضا القوانين الحاكمة لهذه المؤسسات, وثانيتهما ان نبني مؤسسات وطنية جديدة للرقابة والمحاسبة والأمن الوطني علي اساس وقواعد وضوابط جديدة يكون من شأنها تمكين وتفعيل دور هذه المؤسسات في القيام بوظائفها بكفاءة واقتدار وولاء مطلق للوطن والشعب وليس للنظام, ورئيس وحزبه, ويكون من شأنها ايضا حماية هذه المؤسسات وادوارها من حدوث اي انتكاسة في مهمتها, اي تحميها من الفساد وتحميها من التورط فيه, وتحميها من التعرض لأي ضغوط او ابتزاز من جانب الحكم ورجاله ومؤسساته.
تحقيق هذا كله يستلزم مراجعة دور مجلسي الشعب والشوري, وان نعيد لهما مكانتهما ودورهما في التشريع لصالح الشعب ورقابة ومحاسبة السلطة التنفيذية, وان يكون المجلسان سلطة باسم الشعب في مواجهة السلطة التنفيذية الرئيس والحكومة وان تكون اجهزة الرقابة خاصة الجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية تابعتين لمجلس الشعب وليس للرئيس, ان تكون هذه الأجهزة ادوات الشعب في محاسبة ومراقبة الرئيس والحكومة وليس مجرد ادوات للتستر علي جرائم وفساد الرئيس والحكومة.
تحقيق هذا كله لايمكن ان يحدث دون وضع الدستور الجديد الذي يجب ان يجعل السيادة والسلطة للشعب, وان يعيد تفعيل دور السلطة التشريعية كما يجب وان يحمي ويفعل دور السلطة القضائية ويؤمن حياديتها ويحميها من اي انحراف أو ضغوط او وصاية من السلطة التنفيذية, وهذا يقودنا إلي القضية الأهم وهي ان وضع الدستور الجديد يجب ان يسبق اي انتخابات تشريعية أو رئاسية, يجب ان نبدأ فورا بوضع الدستور الجديد عبر آلية ديمقراطية ذات كفاءة واقتدار, وبعدها تبدأ العملية الانتخابية لبناء النظام الجديد الذي نريده ونبتغيه, وعندها تكون الثورة قد حققت أهدافها, أو علي الاقل, الكثير من اهدافها وفي مقدمتها بناء مجتمع الحرية والعدل والسيادة الوطنية.
جريدة الأهرام[u]