نافعة: أنصار ''التوريث'' لن يستسلموا أبداً
حوار - سامي مجدي:
قال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن مصر لا تزال تحتاج إلى فرسان جدد في معترك الانتخابات الرئاسية المقبلة، من أجل العمل لتأسيس نظام سياسي يحتضن كافة القوى السياسية القديمة والجديدة، مؤكداً أن الثورة المصرية تجاوزت جميع الحركات السياسية التي كانت موجودة بما فيها الجمعية الوطنية للتغيير، وحركة كفاية وحركة شباب 6 أبريل.
وثمن نافعة – في حوارٍ له مع ''مصراوي'' – الدور الذي لعبه الدكتور محمد البرادعي في إحداث الحراك السياسي منذ مجيئه مصر، حيث تمكنا من طرحه بديلاً لجمال مبارك؛ إلا أنه رأى أنه (البرادعي) ''أجهض فرصة تاريخية لأن يكون رمزاً لكل ما حدث، لوكان كرس المزيد من الوقت للعمل داخل مصر، ومد جسور التواصل مع الأحزاب السياسية، ولم يتعال عليها''.
ولا ينسى الدكتور حسن نافعة أن الدكتور محمد البرادعي كان خارج الوطن، حينما اندلعت الثورة، قائلا إن (البرادعي) فضل العودة والمشاركة في تظاهرات 28 يناير (جمعة الغضب) ''حتى لا تنساه الثورة''، على حد قوله.
ويرى استاذ العلوم السياسية أن المستشار هشام البسطويسي، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، هو الأنسب لقيادة مصر خلال المرحلة المقبلة، بالنظر إلى أنه رجل قانون، إلا أن محدودية خبرته الدولية ربما تكون عاملاً سلبياً.
وقال نافعة إن ''الثورة المصرية تعتبر معجزة بكل المقاييس، فلم يكن أحداً يتوقع أن تندلع ثورة بهذا الحجم وهذا الشكل وهذا الجمال؛ فما جرى في ميدان التحرير من تعانق كافة ابناء الوطن جسد بحق الوحدة الوطنية بكل معانيها، وأكد على أن هذا الشعب قادر على الإبداع والخروج من عنق الزجاجة كلما وجد نفسه محشوراً فيها''.
وتابع المنسق السابق للجمعية الوطنية للتغير ''ما جرى في التحرير يفسر لماذا استمرت مصر كل هذه السنين الطويلة.. لأنها قادرة على الصبر طويلاً وهضم المحتل (خارجياً كان أم داخلياً) والتعامل معه وتطويعه.. فضلاً عن قدرتها (مصر) على أن تحافظ على شخصيتها وهويتها وروحها''.
وحول ما يقال بأن الثورة هي ثورة الشباب المصري، عبر أستاذ العلوم السياسية عن معارضته لتلك الفكرة، وقال ''أنا ضد فكرة أن الشباب هو من صنع الثورة أو صاحبها.. وأرى أنه (الشباب) مفجر الثورة''. وثمن نافعة التوقيت الذي اختارته مجموعة كنا خالد سعيد لتنظيم وقفتها الاحتجاجية في يوم احتفالات الشرطة بعيدها يوم 25 يناير، بالإضافة إلى أنها جاءت بعد ثورة تونس مباشرة.
وتابع ''الأمر الآخر الذي ساعد على نجاح الثورة هي أنها جاءت بعد سلسلة من الأعمال الوحشية التي أفقدت النظام السابق مصداقيته، وبالتالي كانت اللحظة مهمة وحاسمة''، موضحاً أن الثورة ما أن فجرها الشباب حتى انضم إليها الشغب بكل طوائفه، وحماها الجيش، وبالتالي هي ثورة الشغب بكل المقاييس، وليست ''ثورة القاهرة أو ميدان التحرير''.
وبالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين ودورها في الثورة، قال الدكتور حسن نافعة إن الجماعة لم تشارك في الثورة، إنما التحقت بها، ولعبت دوراً محل تقدير، مشيراً إلى تطور موقفها مع مرور الوقت، فإنشاء حزب سياسي (العدالة والحرية) بمثابة تحولاً مهماً في تاريخ الإخوان، لكن العلاقة بين الحزب والجماعة لم تحسم بعد. وقال إن ''على الإخوان المسلمين توضيح طبيعة العلاقة بين الكيانين (الحزب والجماعة)، لأن هذا الأمر قد يقضي على الجماعة بأكملها.. فإذا كانت الجماعة ترغب الاستمرار في ممارسة نشاطها الدعوي، فعليها أن تتحول إلى جمعية أهلية تخضع للقانون المنظم لمثل تلك الجمعيات''.
ويرى الدكتور حسن نافعة أن المرحلة التي تمر بها مصر في الفترة الحالية شديدة الخصوصية، بالنظر إلى أن الجيش هو الذي تقدم لاستلام السلطة، وليس الثوار الذين لم يكن لهم قيادة فردية أو تنظيمية أو ايدلوجية. وقال ''الجيش يتعامل مع الشعب بأكمله ولا يعرف مع من يتحاور وفي نفس الوقت لا تستطيع التحاور مع الكل.. نحن الآن أمام مجلس عسكري يمارس السلطة الفعلية وشعب يريد التغيير الجذري، بمعنى استئصال كل جذور النظام القديم وبناء نظام جديد لكن هناك بقايا النظام القديم وشبكة المصالح المرتبطة به، والمؤسسة العسكرية التي تحاول أن تحدث التغيير وفقاً لمنطقها لرؤيتها''.
واشار إلى أن القوات المسلحة لا تملك رؤية مسبقة، إنما تتعامل مع الواقع وفقاً لموازين القوى القائمة؛ تلك التي فجرت الثورة والقوى الأخرى التي ليس لها مصلحة في دفع التغيير إلى مداه، وحتى قوى الثورة المضادة التي تحاول اجهاض الثورة وعرقلة التغيير.
وقال نافعة ''الأمور تبدو في المرحلة الحالية مختلطة ومتداخلة وليس هناك رؤية واضحة لإدارة تلك المرحلة الانتقالية الهامة لا لدى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ولا لدى الشباب الذي فجر الثورة ولا القوى المضادة، فالكل يحاول بطريقته وبشكل عملي براجماتي من يوم ليوم إدارة مصالحه بالطريقة التي يراها متناسبة''.
وحول حالة الانفلات الأمني وتوقف عجلة الانتاج والخطورة التي يشعر بها البعض، شدد الدكتور حسن على أن هذا الأمر في غاية الخطورة على الثورة، وهو بالضبط ما تريده الثورة المضادة أن تجعل الناس يتوهمون أنهم باتوا يفضلون الآمن على التغيير.. وبالتالي يصل الشعب المصري إلى قناعة أنه يفضل الآمن على الاستمرار في استئصال ما تبقى من بقايا النظام الجديد وبناء النظام الجديد''.
ولفت إلى أن ''هذا هو جوهر المؤامرة التي ارتكبتها أجهزة الأمن حين قررت أن تسحب نفسها من الشوارع في 28 يناير، بهدف اسقاط الثورة والتحالف مع جمال مبارك، بهدف عودته مسلحاً بالأمن بطلب من الجماهير التي تستغيث لحمايتها من البلطجية والمساجين، ولحسن الحظ ان الجيش أجهض هذه المؤامرة وتمكن من احتوائها''.
وعن دور الجيش في انجاح الثورة بجنوحه للشرعية المتمثلة في الشعب، على عكس جيوش أخرى بالمنطقة، أكد نافعة ''الواضح أن الجيش كان منذ البداية منحازاً للشرعية وللشعب وكان ضد مشروع التوريث منذ زمن طويل، وكان لديه خطط للنزول للشارع، على اساس أنه سيحدث شيء في مصر في مايو أو يونيو 2011، على اساس أن هذه الفترة التي كان مقرراً أن يعلن فيها جمال مبارك عن ترشحه للرئاسة، وبالتالي الجيش كان يتوقع حدوث مظاهرات حاشدة وأنه قد يضطر للنزول للشارع لمنع مشروع التوريث استجابة لرغبة الناس''.
وأطلق الدكتور حسن نافعة تحذيرات من أن أنصار مشروع التوريث، وقال إنهم ''لم يستسلموا على الإطلاق وهم يحاولون الآن استعادة زمام الأمور على المدى الطويل وليس بالضرورة من خلال مؤامرة وعودة جمال مبارك وليس بالضرورة عودة مشروع التوريث لكن على الأقل بتقليل الخسائر إلى ابعد مدى ممكن''.
وعن المادة الثانية من الدستور والخلاف الذي أثير حولها، لفت استاذ العلوم السياسية إلى ضرورة أن تجلس القوى السياسية المختلفة وتتفق على الخطوط العامة للدستور كله، وتحديد مصير المادة الثانية على أن يضاف إليها الجزء الذي يتيح لغير المسلمين الاحتكام لشرائعهم في الأحوال الشخصية، فضلاً عن موضوع نسبة العمال والفلاحين بالبرلمان ونظم الانتخابات وآليات الضبط والرقابة.
وبالنسبة للأحداث الطائفية التي حدثت بعد الثورة من هدم كنائس واحتجاز مواطنات بالكنائس، رأى نافعة أنه لا توجد في مصر فتنة طائفية على الإطلاق، راجعاً ما جرى إلى ما اسماه ''توظيف الدين لأغراض سياسية، من جانب إسلاميين وتيارات مسيحية متشددة، مشيراً إلى ان المطلوب محاسبة كل من يحرض على التعصب الديني وتجريم كل تلك الأمور التحريضية مثل أن يصعد شيخ على المنبر ويقول (إلقاء السلام على النصارى حرام) فهذا الذي يحض على الكراهية لابد أن يعامل كـ ''مجرم''.
ويرى نافعة أن السلفيين لا يمكن أن يكونوا جزءاً من التغيير الإيجابي على الإطلاق بعكس قطاع عريض من التيارات الدينية المستنيرة سواء أكانت إسلامية أو مسيحية، والتي يمكن أن تتلاقى لتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي، مشيراً إلى أن صندوق الانتخاب هو الفيصل، بشرط تكافؤ الفرص.
شيء آخر طالب به وهو أن يتم تطبيق القانون على كافة المتورطين في تلك الأعمال التحريضية والكف عن ''بوس اللحى''، ومجالس الصلح التي تجرى بين المسلمين والمسيحيين بعد كل واقعة متعلقة بالدين، كما أنه يجب ضبط تجاوزات الكنيسة نفسها.
وفي تقييمه لأداء حكومة الدكتور عصام شرف، قال نافعة ''لا أرى أي انجازات ملموسة للحكومة على الإطلاق، فالانطباع الذي يعطيه شرف للناس أنه رجل نظيف ومتواضع ويؤمن بالتغيير، إلا أنه يفتقد للكاريزما، ولا يملك سلطات حقيقية نظراً لالتباس العلاقة بين الحكومة والمجلس العسكري''.
وتابع ''رئيس الوزراء لا يستطيع تعيين وزير الداخلية أو وزير العدل، دون ضوء أخضر من المجلس العسكري الذي يطلق على نفسه أنه يدير ولا يحكم؛ ويجب على الحكومة أن تتولى صلاحياتها كاملة ويكون هناك تنسيقاً كاملاً مع المجلس الأعلى العسكري''.
وبرغم انتقاده للحكومة وآدائها، إلا أن نافعة اشاد بالدور الذي يقوم به الدكتور نبيل العربي وزير الخارجية، ومجهوداته لإصلاح الخلل الذي أصاب السياسة الخارجية المصرية. ورأى أن مشروع التوريث كان أحد أسباب الخلل، الأمر الذي جعل السلطة السياسية تقدم تنازلات لا مبرر لها لحماية ذلك المشروع، وإعلاءه على المصلحة العامة، حتى أصبح هناك صراعاً بين التوريث والمصلحة الوطنية خلال العقد المنصرم؛ ''فلم يكن هناك مبرراً لاتفاقية تحرير التجارة (الكويز) والافراج عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام''.
وقال الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية إن الدكتور نبيل العربي يدرك موضع الخلل، وأنه يمكن إصلاحه بعد زوال مشروع التوريث دون المساس بالتزامات مصر الدولية.
عن موقع مصراوى