[ ص: 3 ] الصيام في اللغة : الإمساك ، يقال : صام النهار . إذا وقف سير الشمس . قال الله تعالى إخبارا عن مريم : { إني نذرت للرحمن صوما } . أي صمتا ; لأنه إمساك عن الكلام ، وقال الشاعر :
خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
يعني بالصائمة : الممسكة عن الصهيل . والصوم في الشرع : عبارة عن الإمساك عن أشياء مخصوصة ، في وقت مخصوص ، يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
وصوم رمضان واجب ، والأصل في وجوبه الكتاب ، والسنة ، والإجماع ; أما الكتاب فقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } إلى قوله : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } . وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم : { بني الإسلام على خمس } . ذكر منها صوم رمضان ، وعن طلحة بن عبيد الله ، { أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس ، فقال : يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصيام ؟ قال : شهر رمضان . قال : هل علي غيره ؟ قال : لا ، إلا أن تطوع شيئا . قال : فأخبرني ماذا فرض الله علي من الزكاة ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام . قال : والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق . } متفق عليهما .
وأجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان . ( 1998 ) فصل : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة . } متفق عليه .
وروي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا تقولوا جاء رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى } . فيتعين حمل هذا على أنه لا يقال ذلك غير مقترن بما يدل على إرادة الشهر ، لئلا يخالف الأحاديث الصحيحة . والمستحب مع ذلك أن يقول : شهر رمضان ، كما قال الله تعالى : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } .
واختلف في المعنى الذي لأجله سمي رمضان ، فروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إنما سمي رمضان ; لأنه يحرق الذنوب } . فيحتمل أنه أراد أنه شرع صومه دون غيره ، ليوافق اسمه معناه . وقيل : هو اسم موضوع لغير معنى ، كسائر الشهور ، وقيل غير ذلك . [ ص: 4 ] فصل والصوم المشروع هو الإمساك عن المفطرات ، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس . روي معنى ذلك عن عمر ، وابن عباس ، وبه قال عطاء ، وعوام أهل العلم . وروي عن علي رضي الله عنه ، أنه لما صلى الفجر قال : الآن حين تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود .
وعن ابن مسعود نحوه . وقال مسروق : لم يكونوا يعدون الفجر فجركم ، إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق . وهذا قول الأعمش . ولنا قول الله تعالى : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } . يعني بياض النهار من سواد الليل . وهذا يحصل بطلوع الفجر . قال ابن عبد البر ، في قول النبي صلى الله عليه وسلم { : إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم . } دليل على أن الخيط الأبيض هو الصباح ، وأن السحور لا يكون إلا قبل الفجر . وهذا إجماع لم يخالف فيه إلا الأعمش وحده ، فشذ ولم يعرج أحد على قوله . والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس . قال : هذا قول جماعة علماء المسلمين . .
عن كتاب المغنى لابن قدامة