الإقلاع في البحور السبعة ..
د/جابر قميحة
______________
شعر: د/ جابر قميحة
أراه كلَّ يومْ ...
بهمةٍ مفككةْ
وقامة قميئةْ
وهيئة وضيعةْ
وسِحنَة رديئة
فوجهُه كما تشاءْ
إن قلتَ أبيضُ....
أو أسودُ .....
أو أحمرُ .....
أو أصفرُ ....
أو كلُّها .....
فقد صدقتَ
وما كذبْـتْ ..
مزاجُه من خِسَّةٍ
وذلةٍ ..
كما تشاء حاضرُ
إن شئتَ فهو ذابلُ
أو شئت فهْو ناضرُ
إن شئت فهو ثعلبُ
أو شئت فهو أرنبُ
***********
رأيتُه في مجلس الحسيْنْ
يمجِّــد الحسين
ويغسل العينين
بدمعةِ المحبةْ
ورعدة الخشوع في الجسَدْ :
" مَددْ ... مددْ...
يا آل بيتِه مدد ...
يأيها الأحبابْ
كونوا لسِبطه جنودْ
ولتحشدوا من أجله الحشود
وساندوه بالسيوف والقلوب والكبودْ
سبطُ النبي
مدد ... مدد..
ياسيدَ الشبابْ
في جنة الرضوانْ
يا سيدي الحسينَ .. يا إمامْ ...
يا ابن الإمامْ
رضاكمُ الشفاءُ والسلامْ ...
مددْ ... مددْ "
************
وفي المساءْ
أراه في قناعه الجديدْ
برقةٍ مؤنثةْ
وهمة مخنثهْ
على موائدٍ يمدها يزيدْ
يغوص في الثريد
وينظم القصيد
مسبحًِّا بحمدِهِ
وسابحًا في مجده
طريفِـهِ ... تليدِهِ:
وداعيًّا لهُ
بأن يكونَ عمرُهُ
سعدًا طويلْ
فلتفتحوا
يا أهلَ هذا الدينْ
فلتفتحوا آذانكمْ .. قلوبكمْ
لتحشروا في زمرةِ الأطهارِ
إنها جناتِ عدنٍ
عرضها كعرض هذي الأرض والسماءْ
يزيدُ دائمًا يزيدْ
وكلنا له مُريدْ
تذكروا : أبوه كان كاتبًا للوحي في الإسلام
وأمَّـنا وقادنـا
فهو الولي والإمام
واستخلف اليزيد عن جدارة
فهْو الإمام بعدَهُ
لا غيرُهُ
يزيدنا يا سادتي
إمامُنا وابن الإمامْ
وكل سيفٍ لم يُـشمْ في نصرِهِ حرامْ
************
وفي الصباحِ..
حيث لا يزيدَ أو حسينْ
أراه في الأسواق جالسًا
على أريكتين..
أريكةٍ لظهرِهِ
وثانيةْ
كيما يمد فوقها رجليهْ
الساق فوق الساقْ
ورافعًا كفيه للسماءْ
ولاعنًا الاثنينْ
يزيدَ والحسين
وهاتفًا في السوقِ بالدهماءِ
في حماسةٍ
يا صفوةَ الرجالْ
فلتحقنوا دماءكمْ
كونوا على الحياد يا رجال
لا تمتطوا جيادكم
لا ترفعوا سيوفكم
وجانبوا القتالْ
ولترفضوا كلا الاثنين
ولتلعنوا كليهما
يزيد والحسين
فكل مسلم دماؤه حرامْ
فلا الحسين بالإمام
ولا يزيد يستحقُّ
أن يكونَ فيكمو يومًا إمام
***************
وساعةَ الأصيلْ
رأيتُـه مهندمًا معطرًا
في الطيلسانْ
مرتلاً في المسجد الكبير
"قاف" و "النساء" و "الدخان"
وفجأةً...
تدفق الشدقان منه بالزبَدْ
عيناه سابحتان
في عوالمٍ مغيَّـبَهْ
بوجدها ونبلِها وسرِها ...
في عالم الجلالهْ
والوجدِ والنبالةْ
وصوته يُهزْهِز الحيطانَ والعمدانْ
"يا مسلمون وحدوهُ
وحدوهْ..
وحدوهُ إنه منكم قريبْ
يجيبُ دعوة العبادِ... فلتدعوهُ
وحدووووهْ
فلا إله إلا الله تغسل القلوبْ
وترفع الذنوبْ
وحدوه ...".
وفوق شاربيه من نزيفِ خمرةِ المساء
نقطتان تبرقان
ما أسهل القِـنِّـينَـهْ !!
للأنفس العِنِّـينَه
ما أسهل العِرضَ الطهورَ
إذ تبيحه الأظافرُ اللعينهْ
والألسنِ السِّـكِّينةْ
*************
وذاتَ صبحٍ غائمٍ
قابلته.. سألتهُ:
"يا تابع الحسين واليزيدْ
يا صاحب اليزيدِ والحسين
يا مادحًا ولاعنا كليهما
وتاليَ الأذكارِ في الموالدِ
وموقظَ الإيمانِ في المساجد
يا عاشقَ الأبدالِ والمقامِ والمواجدِ
يا قاصدَ الطاساتِ والكاساتِ والموائدِ
قل لي "لمن تعيش سيدي لمن؟
يجيبني
"إني أعيش يا فتي لكي أعيشْ
فنحن في زماننا ذي الألف وجْـهْ
سفينتي في الشط مشحونَـهْ
وريحنا في البحر مأمونه
بها ملكتُ سبعةَ البحورْ
تجارتي النقودُ والجلودُ والبخورْ
وأن أقولْ...
فكنزيَ المعطاءُ أن أقولْ
وحينما تميلُ ريحهم أميلْ
وأفرد القلوعَ حين ريحُهم تشتدْ
وأوقدُ الشموعَ من أصابعي
إن أفْـقهم يسودْ
وعندما تمتد شمسُهم على شطآنِنا امتدْ
وأسبق الربيعَ في رضائهمْ
مدد... مدد
وأقرأ الأورادَ في حضورهم
مدد.. مدد
وبعد ساعةٍ سفينتي
... تغادر الشطآنَ
في رعايتي
تقودها مهارتي
وإنني شراعُها.. ربانُها.. دِفافُها
أجوبُ سبعةَ البحارْ
وأنزل المدائنَ الكبارْ
أبيع عملتي
وسلعتي
وجلدتي
وسحنتي
ونِحلتي
وكلُّ ذاك يا بنيَّ كي أعيشْ
فإنني أعيشُ يا فتى لكي أعيشْ
واسمَعْ نصيحتي أنا الخبيرْ
جواب هذي الأرضِ والبحور
لكي تعيش يا فتى بوجهِكَ الوحيدِ لن تعيشْ
وأن تجوبَ البحرَ في سفينةٍ تواجهُ التيارَ سوفَ تنكسرْ
ولن تصلْ
لن تعرف الطريقَ نحو القوتْ
لن تلبس الحريرَ والديباجْ
لن تقتني النضارَ واللجينَ والياقوتْ
لكنما تضيعُ في المدى مثلَ الصدى
وبائسًا.. ويائسًا تموت".
*************
تركتُـهُ ... هرولتُ جاريًّا
فصاح سائلاً:
"لأينَ أنت ذاهبً ؟"
أجبته بلهْـثَـةٍ:
"دعني أموتْ
أسعى لعزرائيلَ كي أموتْ
بوجهيَ الوحيدِ هانئًا أموت
ظمآنَ.. صامتًا وراضيًّا أموت
جوعانَ ضامرًا أموتْ
بوجهيَ الوحيدِ مؤمنًا أموت
ولن أعيشَ كي أموتْ
ولن أعيش كي أموت