دينا نبيل عضو نشيط
عدد المساهمات : 11 تاريخ التسجيل : 13/06/2011 العمر : 40
| موضوع: روبابيكيا .. الأحد يوليو 10, 2011 3:43 am | |
| روبابيكيا " غدا ... غدا ... إن شاء الله !"سكت الجميع هنيهة من دهشة .. وتبادلوا النظرات فيما بينهم .. ثم سريعا انفجروا في الضحك --" أنت ! .... غدا !"-- " نعم ، وما المانع ؟ ... سأضع إعلانا على الفيس بوك الليلة ... ألن تأتوا معي غدا ؟ "تعالت الضحكات حتى ذرفت الأعين وصفقت الأكف وأخذ أحدهم يستند إلى صاحبه وآخر يخبط بكفه على جبهته وثالث يلوح بكفه في الهواء ثم يهوي بها على فخذه ... أصبح الضحك مدمعا .. وموجعا ، فقد جاوز حدوده .. هكذا صار مهينا .. جارحا ! جاشت مراجله : -- " أنا ذاهب !" نهض مسرعا من بينهم يسب " سلسفيل " جدودهم ويلعن اليوم الذي عرفهم فيه ، فتجاذبته الأيدي محاولة إقعاده ... أخذ يخلص ثيابه العالقة في قبضات أيديهم وسط قهقهتهم التي لا تتوقف ونظرات الاستهجان التي ما فتئت تسف ماء وجهه .. وما بين شد وجذب ضعفت القبضات فخرج لا يلوي على شئ تتعقبه نظراتهم المرسلة ملاحقة عبوس وجهه لتستزيد من التهكم والتندر عليه -- " .... مسكين !!" ثم سكتوا هنيهة .. وتبادلوا النظرات .. وسريعا ما انفجروا في الضحك مجددا انطلق نحو بيته تطوى الأرض من تحته وتئن تحت وقع ضرب قدميه -- " مسكين ! ... ولاد ال ....!!" وصل بيته الكائن في " العزبة الجديدة " .. كان قد حل الظلام إلا أنه لم يحل دون عادة العزبة في موعدها الليلي من السهر " الصبّاحي " ..فما كان الظلام ليمنع اهل كيف من تحين ساعة حظ لهم فيها نشوة وعربدة ولا أهل سمر من تصيد سقط الكلام والنكات وبناء فحش الروايات .. ولا ان يشق صوت رجولي البيوت المترنحة فيعقب تلاشيه صراخ نسائي ... فيأخذان يتعاقبان بين كرّ وفرّ ! مر بكل هذا ولم يلحظه فهو يسمعه ويراه كل ليلة ويرى ويسمع أضعاف أضعافه كل صباح .. ولكن " للعزبة الجديدة " قوانين للمرور .. --" مئة مساء ... يا عم عطية !" لم يلتفت .. ولم ينتبه أصلا أن أحدا يكلمه فقد كان مشغولا عن عالمهم بعالم الإفتراض ناظرا إلى الأرض يفكر في ديباجة لإعلانه على الفيس بوك -- " يظهر أن الرجل جنَّ !... ما حكايته ؟ ... هل طلبت زوجته الطلاق أخيرا ...فهو ... وهي .... "ويبدأ التشخيص النفساني من خبراء النفس في " العزبة الجديدة "بدءا من معرفة الداء ثم عمل نشرة بحالته النفسية وكيفية التعامل معه وانتهاء بما يجب عمله لتفادي الوقوع فيما وقع فيه ! -- " لم لا تأكل ، يا عطية ؟! "قالتها مستغربة ويحق لها ذلك ، فما كانت تضع أمامه الطعام حتى يقبل عليه سفّا وفتّا وتفصيصا وتمصيصا وكأنه أمام شاة وليس صحن فول وبصل وخبز يابس وما ينتهي حتى تبدأ جولة الثلاثة أكواب من الشاي " أبي نعناع " لكن ما به هذه المرة شارد الذهن تائه العينين ... هو حتى لا ينظر إليها ولا ينكت معها كعادته ... --" ما لي نفس !"وانطلق نحو الحاسوب يشغله ... بدأ يفرك جبهته وينظر إلى السقف شاخصا لا يحرك طائرا .. ثم أخذ يطقطق أصابعه وبدأ الكتابة على لوحة المفاتيح : " أنا عم عطية ... سأمر عليكم غدا مثل كل أسبوع وأجمع منكم الروبابيكيا التي كانت سببا في انهزامنا وسط الشعوب .. غدا قبل صلاة الظهر سأجمعها منكم وأدفنها تحت سفح الجبل الكبير في الصحراء ..." ثم اخذ يضع بعض التفاصيل حول نوعية الروبابكيا المراد بها .... -- " استعنّا على الشقاء بالله !" استيقظ باكرا جدا وأسرع نحو حماره يسقيه ويطعمه ما بقي من وجبة الأمس ... ثم جهز عربته وزوادته وانطلق ...
هذه " الإصطباحة " ليست كسابقاتها .. فلأول مرة ينهض جم النشاط ويخرج مسابقا الطيور من أعشاشها كأنه على موعد مع غنيمة لا يعرف مسالكها إلا هو .. لم يدرك ان عمله مهم إلا لتوه فمن غيره لهذه المهمة الجليلة التي لن يتنعم في الخير الحاصل منها أبناء جيله فحسب وإنما أبناء الأجيال اللاحقة .. أخذ يفكر كيف سيكتب اسمه في التاريخ :" في يوم كذا عام كذا هبّ الوطني الغيور العم عطية من وسط ركام الهوان نافضا عن كاهل وطنه عفر الذل والخذلان فقد أتى بعمل عجيب في زمانه لا عجيب من أمثاله ، وكأن التاريخ يعيد نفسه فقد خرج بعربته ودابته تعدو من أمامه يشبه بذلك سالفه من الملوك بعربته الحربية وجياده ترمح من أمامه إلا أن الأخير طرد الغزاة وعم عطية دفن الروبابيكيا وفي غمار معركته لم يكن يكف عن الصراخ "روبابيكيا ... بيكيا !" ومن وقتها صارت بلادنا العزيزة مدينة لذاك البطل الهمام بما هي عليه الآن !" ليس فقط التاريخ وإنما كم سيكتب عنه في الداخل والخارج وما سينظمه الشعراء في المفاخرة به والنصب التذكاري الذي سيخلد ذكراه المجيدة في العاصمة... انتشت روحه لتوارد هذا العباب من الأفكار على رأسه فأخذ يرفع صوته "روبابيكيا "ويصدح أحيانا .". بيكيا !" ... لكن لا يزال الوقت مبكرا .. وكيف للناس أن يميزوه عن غيره من العربجية ! .. الإعلان :" أنا عم عطية .. صاحب الإعلان على الفيس بوك .." خرج شاب في عنفوان الشباب : -- " أنت عم عطية .. أنا منتظرك ولم لأنم مذ قرأت إعلانك بالأمس ثم دخل بيته وخرج حاملا جوالق ضخم " ما هذا؟ " --" هذا جوالق إهمال .. خذه وخلصني منه . هيا توكل على الله أمامك مشوار طويل !" ........ "أنا عم عطية ... روبابيكيا .. بيكيا ..." خرجت امرأة ثائرة الشعر من نافذتها تدعك عينيها ..:" عم عطية ... الحاج محمد يسلم عليك ويرسل إليك هذه ..." ثم ألقت من النافذة ثلاثة أكياس زرقاء ألصق عليها ورقة " وأنا مالي ! " التقطها عم عطية وقذفها فوق العربة ..... بلغت الشمس كبد السماء واستعرت جمراتها وازداد لفح الهواء أخرج منديله وبلله بالماء .." روبابيكيا " ... ثم عصبه فوق رأسه ... " بيكيا !" وقف في إشارة مرور فلمح بجواره سيارة فارهة ففتح زجاجها الأسود وكشف عن رجل عليه مخايل الهيبة والوقار ثم أخرج من النافذة حقيبة -- " خذ يا عم عطية ... هذه حقيبة " فوضوية " ... لكن احترس منها فهي تحب أن تفك أزرارها وتخرج ما فيها ! "أسرع عم عطية يحملها بحرص محتضنا إياها ثم حشرها بين الأحمال على عربته ثم قال متعجبا : -- " مهلا كيف عرفتني ؟! " -- " صورتك وصورة الحمار الآن على الفيس بوك !" ......لون أخضر ... وانطلق .... روبابيكيا ... عجل يدور ... وحمار يعدو ... وعربة تغوص في أعماق العاصمة لاصطياد الروبابيكيا ... وصوت يصدح " بيكيا " بلا تعب ولا كلل. " عم عطية ... هذه كرتونة " استهبال "....ثقيلة جدا ! " عم عطية ... خذ جرابين " عدم المسئولية " ... لا مكان يكفيها ! أخذ يحاول زجها في الأحمال فما أفلح ... أفرغ العربة تماما ثم أعاد ترتيبها والكل يرمق قوة ساعديه بإعجاب كيف يحمل هذه الأثقال ويرفعها على عاتقه فتنثني ركبتيه تحت وطأة وزنه ووزن أحماله وتتصلب سمانتاه حتى إذا ما دنا من العربة أهوى بأحماله عليها فترتج العربة من فجأة الهوي وانتفاضة الحمار ... وانطلق ... إنها الثالثة ... الجو يزداد قيظا وصخبا .... روبابيكيا " عم عطية ... هاك اكياس أنانية عم عطية ... خذ معك لفافة فهلوة وعدم إحترام ..... عم عطية .... عم عطية .... ! " ... خذ ... نزل يأخذ ، فما وجد مكانا يأخذ ... قد اكتظت العربة بالأحمال ... لكن هذا جراب الغش ... لن أتركه وإن حملته على رأسي ... كانت الشمس قد قاربت الغروب ولا يزال عم عطية يدور بعربته ولكن لكل نفس طاقة ولكل حمولة كفاية وهو وحده بلا ساعد يعينه ... بح الصوت , وكلّ الساعد ، واعتلّ القدم ... حتى الحمار فأخذ يترنح من التعب وثقل الحمل والعربة بالكاد تتحرك وصارت تصدر أصواتا غريبة وحركات أغرب فحينا تمشي إلى الأمام وأحيانا أخرى إلى الخلف ... لكن فرح قلبه بالانجاز أنساه كل عناء ، فنشوة الظفر أحيت في نفسه لا حب عمله فحسب وإنما حبه الجارف لبلده .. ذلك الحب الذي كان خاملا تحت رماد اللامبالاة والنسيان .. فما أن اتقدت جمرته في لحظة إخلاص إلا وانفجر بركانه فيحرق الرماد المتبقي لئلا يخبئه ثانية ! غابت الشمس ... وفكر عم عطية في السير حيد النهر علّ الهواء يلطف حر جسده ويهون عليه وعثاء الطريق " ... عم عطية ... لا ... ما معي مكان ! .... غدا ...غدا إن شاء الله "كان ينظر إلى النهر .. وفجأة انتبه إلى حماره يتمايل وتلتف قوائمه حول بعضها ... ورجع بالعربة إلى الوراء ... فقد عم عطية السيطرة عليه .. فأخرج سوطه لأول مرة في هذا اليوم وألهب ظهر الحمار ليتقدم إلى الأمام ,,, ولكن أخذ يرجع ويرجع فاصطدمت العربة بالسور الخشبي للنهر وسقطت على منحدر قريب من الماء ... أسرع عم عطية يحل حماره من العربة وسحبه فوق المنحدر حتى أرجعه على الطريق ... وما إن التفت نحو العربة حتى وجدها قد سقطت في الماء وسريعا ما غاصت الأحمال في الماء وفي لحظات غاب كل شئ في قاع النهر
-- " يا خبر ... كيف العمل ؟ .... سقطت الحمولة في النهر ... وسيشربها الناس !" | |
|
غزال عضو جديد
عدد المساهمات : 6 تاريخ التسجيل : 07/10/2010
| موضوع: رد: روبابيكيا .. الأحد يوليو 10, 2011 9:31 am | |
| | |
|
denna عضو جديد
عدد المساهمات : 3 تاريخ التسجيل : 23/06/2011
| موضوع: رد: روبابيكيا .. الأحد يوليو 10, 2011 2:20 pm | |
| | |
|
shenawi عضو جديد
عدد المساهمات : 8 تاريخ التسجيل : 08/01/2011
| موضوع: رد: روبابيكيا .. الإثنين يوليو 11, 2011 7:20 am | |
| أجمل ما فيها العمق والفكرة فى زمن ضاعت فيه المثالية وفكرتنى بفيلم فؤاد المهندس أرض النفاق | |
|
yomn عضو نشيط
عدد المساهمات : 17 تاريخ التسجيل : 04/01/2011
| موضوع: رد: روبابيكيا .. الثلاثاء يوليو 12, 2011 12:02 pm | |
| أسلوبك ممتع وشيق وأفكارك مبتكرة | |
|
nor عضو نشيط
عدد المساهمات : 16 تاريخ التسجيل : 14/02/2011
| موضوع: رد: روبابيكيا .. الأربعاء يوليو 13, 2011 9:38 pm | |
| | |
|
ماهيتاب عضو متميز
عدد المساهمات : 37 تاريخ التسجيل : 01/10/2010
| موضوع: رد: روبابيكيا .. الأربعاء يوليو 13, 2011 11:27 pm | |
| أسلوبك قوى وسردك ممتع وحقيقى كاتبة قوية جدا | |
|
niera عضو نشيط
عدد المساهمات : 12 تاريخ التسجيل : 17/11/2010
| موضوع: رد: روبابيكيا .. الأحد يوليو 17, 2011 8:13 am | |
| | |
|