ياسر بركات يكشف
طاهر حلمي جنرال تهريب مليارات عائلة مبارك للخارج..ننفرد بنشر قصة الرجل الغامض في حياة سوزان مبارك..استشهد والده في حادث المنصة ودخل البيت الأبيض وهو في الخامسة والعشرين من عمره
لقد كان عصر مبارك هو عصر الألغاز، وفي كل يوم سوف نكتشف شخصيات كانت تعمل في الخفاء وكان لها أدوار رئيسية في حماية مليارات عائلة مبارك وفي غسيل تلك الأموال عبر مصارف متعددة وبنوك في كل أنحاء العالم.
واليوم سوف نضع أيدينا علي واحد من أكثر تلك الشخصيات غموضا وهو "طاهر حلمي" أو الفتي العبقري الذي كانت سوزان مبارك تقربه منها بشكل أثار غضب وغيرة نجلها جمال مبارك.
وكما هو معروف وكما أوضحنا من قبل فإن سوزان كانت تسعي بكل ما تملك كي تجعل لنجلها علاقات متعددة وكي تصنع له رجالاً يساندونه استعدادا لتولي الحكم وكان علي رأس هؤلاء طاهر حلمي.
وخلال الفترة التي كان يقيم فيها جمال مبارك بلندن، ويعمل في واحد من أكبر بنوكها، طلبت سوزان من طاهر حلمي أن يضع عينه علي جمال وأن يصنع له شبكة من العلاقات، فقام طاهر حلمي بشراء منزل خصيصا ليكون ملاصقا لنجل الرئيس المخلوع، وأسس معه الشركة التي تاجرا بها في ديون مصر وربحا منها مئات الملايين من الدولارات.
وقصة طاهر حلمي طويلة وعريضة ومن خلال الأوراق التي حصلت عليها «الموجز» والتي ننفرد بنشرها نكتشف أن طاهر حلمي هو نجل الوزير الأسبق "سامي حلمي" الذي لقي مصرعه مع السادات في حادث المنصة الشهير، وهنا لابد من التوقف لأن مبارك أشرف بنفسه علي تربية وتعويض الصبي طاهر عن فقدان والده، وفي ذلك إشارات كثيرة تثير تساؤلات عن شعور مبارك بالذنب تجاه هذا الشاب الصغير تحديداً، فهل كان "سامي حلمي" أحد ضحايا أحلام مبارك في الرئاسة؟!
هل كان مبارك مشاركاً في الحادث الشهير ولذلك قرر تعويض الابن؟!
أسئلة كثيرة ليس هذا مجال البحث عن حقيقتها بعد أن تناول الكثيرون ما جري في حادث المنصة وطرحوا الشكوك حول دور الرئيس المخلوع في تدبيره.
ولكننا اليوم بصدد قضية الشاب الصغير طاهر حلمي الذي نال رعاية آل مبارك منذ اللحظة الأولي لاغتيال والده وهو الرجل الذي كان مقربا من السادات جدا، فقد كان سامي حلمي صديقا شخصيا للسادات، ولقد عاش "طاهر حلمي" في نعيم السادات قبل أن ينتقل إلي جنة مبارك ويصبح جنرال غسيل أموال عائلة المخلوع.
في عهد السادات تم إرسال طاهر حلمي إلي أمريكا للدراسة منذ أن كان في الخامسة عشرة من عمره، درس في الولايات المتحدة حتي سن الثالثة والثلاثين، ثم عاد لمصر وتزوج من شيرين علاء الدين حسين بدراوي عاشور.
وخلال الفترة الطويلة التي قضاها بأمريكا قبل اغتيال والده مع السادات في حادث المنصة الشهير كان يلقي الدعم الكامل من والده لدرجة أن السادات ضم "طاهر حلمي" إلي فريق التفاوض لتوقيع معاهدة السلام وكان في العشرينات من عمره، وهو الدعم الأكبر الذي تلقاه بعد ذلك من سوزان مبارك التي كانت تعتبره واحداً من أهم رجال نجلها في المستقبل.. وهو الرجل الذي يحمل مفتاح العلاقات الأمريكية.
وبالفعل نجح طاهر حلمي في إقامة علاقات واسعة في جميع الولايات المتحدة الأمريكية.. وأصبح طاهر حلمي يتمتع بعلاقات واسعة مع كبار الشخصيات والمسئولين الأمريكيين وبحكم الذكاء الواسع الذي كان يتمتع به نجح طاهر حلمي أيضاً في إقامة شراكة مع عدد من كبريات الشركات المهمة في العالم وتنوعت تلك الشركات بين التجارة والمحاماة، وفي مجال المحاماة وصل طاهر حلمي إلي القمة فهي تخصصه، فلقد حصل علي الدكتوراه في القانون من جامعة سانت لويس بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1974 بعد حصوله علي درجة البكالوريوس من نفس الجامعة عام 1971، وقضي في أمريكا 20 عاماً عمل خلالها في المحاماة بنيويورك وشيكاغو لمدة 9 سنوات من خلال مكتب محاماة «كهيل» و«جوردون» ثم في عام 1975 انضم إلي مكتب بيكروماكنزي الدولي للمحاماة بالمركز الرئيسي بشيكاغو وأصبح شريكاً في هذا المكتب الذي يعد الأول علي مستوي العالم وله 63 فرعاً في مختلف أنحاء العالم ويعمل به أكثر من 3500 محام.
فأصبح هو المحامي الوحيد المولود خارج الولايات المتحدة والذي له الحق في الترافع أمام المحكمة العليا في الولايات المتحدة، ولكن كان "طاهر حلمي" وراء خسارة مصر قضية "سياج" منذ ثلاثة أعوام والتي خسرت فيها مصر 75 مليون دولار.
جهينة والتورط الصهيوني
ولقد كان طاهر حلمي يمتلك نفوذاً واسعاً في عدد من البلدان العربية وعلي رأسها السعودية التي مكث فيها لفترة من الوقت ومد جسور العلاقة هناك مع العديد من كبار المسئولين السعوديين، وبعد دراسة القانون في أمريكا، عاد " طاهر حلمي" إلي مصر ليقضي فترة قصيرة ثم يعود إلي أمريكا مرافقا لأول وفد عسكري يزور واشنطن، فيدخل البيت الأبيض وهو في الخامسة والعشرين، ويرافق قائدا عسكريا عظيما مثل المشير محمد عبدالغني الجمسي.. والمشير عبدالحليم أبوغزالة، وتنتهي الحرب، ويبدأ عهد السلام ليكون طاهر حلمي في حديقة البيت الأبيض مرة أخري والرئيس السادات يوقع علي اتفاقية السلام قبل اغتياله في عام 1981، وفتح طاهر حلمي باب علاقات جديدة مع إسرائيل عقب حضوره تلك الاتفاقية التاريخية، وبعد اغتيال السادات وصعود مبارك كان طاهر حلمي هو أقوي رجل مصري في أمريكا، فهو شخصية سياسية واقتصادية وقانونية وتحرص أمريكا علي أن يقيم علاقات داخلها وخارجها دون أي قيود، وبذلك أصبح طاهر حلمي هو جنرال عائلة مبارك وكل الكبار في مصر في قلب الولايات المتحدة، فهو الرجل الذي يعرف أسرار المصارف والبنوك والشركات والأبواب السرية في كل عواصم العالم لغسيل الأموال.
وصنع طاهر حلمي إمبراطورية ضخمة يتم ضخ المليارات من خلالها ويتم توقيع عقود أكبر الشركات المساهمة، كما أصبحت مكاتب المحاماة الكبري التي يديرها تدخل شريكا في أكبر وأهم صفقات الشركات والمضاربات، ولقد تورط رجال أعمال مصريون كبار في الدخول في شراكة مع شركات صهيونية عبر مكاتب طاهر حلمي التي يمتلكها وكان مكتب "جولد مان ساكس" صاحب أشهر الصفقات الصهيونية وكان هذا المكتب مستشار الطرح في اكتتاب "جهينة" وتورط صفوان ثابت المعروف بالتوجه الإخواني في صفقة صهيونية عبر مكتب طاهر حلمي، فالكارثة الكبري أن هذه الأسهم التي طرحت سواء لـ«جهينة» أو لـ«بالم هيلز» قام مستثمرون صهاينة بالاستيلاء عليهاوفق مخطط صهيوني لتهويد الاقتصاد المصري.
ولا نعرف هل كان صفوان ثابت علي علم بما تم من تعامل مع الصهاينة أم أن تلك كانت عمليات سرية علم بها بعد فوات الأوان؟!
صفقات سوزان مبارك
وفي الثمانينيات ومع سيطرة آل مبارك علي مصر بفضل سياسة الخصخصة التي بدأ النظام ينتهجها تمت دعوة طاهر حلمي إلي العودة إلي مصر، علي أن تظل علاقاته واستثماراته قائمة كما هي وأن يستفيد من مصر ومن أمريكا، وبالفعل عاد طاهر حلمي ولكن سفرياته لم تنقطع فلم يكن يقضي بمصر أكثر من شهر علي الأكثر، وكانت سوزان وراء تلك الفكرة كي يبدأ جمال في استثمار علاقات طاهر حلمي داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ويصبح هو رجل مصر القادم في أمريكا، ولكن جمال مبارك في البداية لم يكن يستريح لطاهر حلمي وكان يشعر بالغيرة منه ومن اهتمام والدته الزائد به، ولكن الفترة التي قضاها معه في أمريكا جعلته يعرف أنه بدون طاهر حلمي لن يصبح أي شيء في الولايات المتحدة الأمريكية فهو إمبراطور في مجال الاستشارات القانونية للشركات والعقود والبنوك والاستثمار وسوق المال وأيضاً القضايا التجارية بعيداً عن القضايا الخاصة والجنائية.
وعندما عاد طاهر إلي مصر استقبلته سوزان مبارك بنفسها وفي اجتماعها مع الوزراء كانت تطلب من طاهر حلمي أن يجلس بجوارها وبذلك عرف كل وزراء الحكومة أن هذا الرجل الذي تتضح علي وجهه ملامح أمريكية هو رجل بيت الرئيس وصاحب الكلمة المسموعة. لقد وجد طاهر حلمي في مصر كل الأبواب مفتوحة.
وبعد عودته بقليل كانت مصر تبدأ عصر الخصخصة وتم تكليف عاطف عبيد بتشكيل حكومة الخصخصة وكان طاهر حلمي مهندس القوانين التي تم علي أساسها بيع شركات القطاع العام بتراب الفلوس، وشارك طاهر في صياغة بعض القوانين الأساسية في مصر حيث دعاه د.عاطف عبيد للانضمام للجنة مكونة من 5 أشخاص لصياغة قانون قطاع الأعمال وكان هذا من أهم القوانين التي صدرت في فترة الثمانينيات حيث إنه تم بمقتضاه بيع أسهم الشركات المملوكة للدولة ومن هنا بدأت الخصخصة في مصر وبدأ أيضاً دور القطاع الخاص يتعاظم وفي إطار هذا القانون "قطاع الأعمال" تم تأسيس الشركات القابضة، وتم تفصيل المناصب الجديدة لتناسب طاهر حلمي، فقد كان مهما آنذاك أن يكون هناك مركز اقتصادي يقدم البحوث والدراسات الاقتصادية لخدمة الاقتصاد المصري في مرحلة التحول إلي "اقتصاد السوق".. لذلك أنشئ المركز المصري للدراسات الاقتصادية برئاسة طاهر حلمي!!
وبدأ "طاهر حلمي" يحصل علي عشرات المناصب الكبري فقد حصل طاهر علي رئاسة الغرفة الأمريكية بمصر، كما كان عضواً في المجلس الرئاسي المصري الأمريكي «مبارك- جور» في عهد الرئيس كلينتون.. الذي يرأسه الرئيس مبارك وآل جور نائب الرئيس الأمريكي الأسبق فقد أناب كلينتون جور لرئاسته من الجانب الأمريكي، وقد أقام طاهر حلمي علاقات وطيدة مع الرئيس الأمريكي الأسبق ومع رجال البيت الأبيض.
وكان في كل يوم له في مصر يقترب من دوائر صنع القرار في العهد السابق، وتوطدت العلاقة بينه وبين "سوزان" وبدأ يفتح أمامها الأبواب الأمريكية من خلال علاقته المتميزة بكبار المسئولين، وكانت محصلة خدماته لها أن فتح لها أبواب التعارف مع عدد كبير من النواب الفاعلين في الكونجرس ودوائر البيت الأبيض كما عرفها علي آل جور نائب الرئيس الأمريكي الأسبق وبيل جيتس صاحب شركة «ميكرو سوفت» ودعاهما من خلالها لزيارة مصر، كما عرفها علي مستثمرين كبار في الدوائر الأمريكية.. ورويدًا رويدًا راحت العلاقات تتوطد بين طاهر حلمي وآل مبارك، ومع نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات بدأت ملايين الدولارات والعملات المختلفة تتدفق علي عائلة مبارك وهنا تفتحت بوابات تجارة غسيل الأموال واستثمارها، وفي ذلك الوقت اتجهت الأنظار إلي سويسرا حيث المحطة الرئيسية لتمرير صفقات غسيل الأموال.
ثم حصل بعد ذلك علي ثقة الوزير رشيد محمد رشيد وعينه رئيساً لمجلس الأعمال المصري الأمريكي عام 2009، وكان طاهر حلمي بصفته الدولية هو محامي الدفاع في القضية المصرية مع «سياج»، وبالرغم من مسئوليته الكاملة عن خسارة مصر لقضية سياج وما تلا ذلك من حجز علي الأموال المصرية في الخارج إلا أن المهندس رشيد محمد رشيد أصر علي اختياره رئيسا لمجلس الأعمال المصري - الأمريكي ودفع به ليحتل هذا الموقع الهام الذي يمثل حلقة الوصل بين الإدارة المصرية والإدارة الأمريكية، وكان هذا المجلس يضم الكبار وأبناء الكبار إلي جانب بعض الشخصيات النافذة في مجال البيزنس ومنهم "وليد جلال الزوربا" نائب رئيس شركة النيل للملابس الجاهزة، وشيرين ماهر إسكندر رئيس شركة سوديكو جروب، وباسل أسامة الباز رئيس الشركة المصرية للهيدروكربون، وحسن محمد الخطيب رئيس الجمعية المصرية لشباب رجال الأعمال والعضو المنتدب لشركة كاتيل للاستشارات، كما يضم المهندس عقيل بشير رئيس الشركة المصرية للاتصالات، والمهندسة ماجدة جورج السبع رئيس مجموعة ساميت القابضة، وأحمد الوكيل رئيس الغرفة التجارية بالإسكندرية وعمرو محمد بدر رئيس شركة إيركروبي آند كنت للسياحة، وهاشم حسن الخزندار العضو المنتدب لشركة سيتادل، وعمرو الجارحي نائب رئيس مجلس إدارة بنك الاستثمار القومي، وعلاءالدين حسونة سبع العضو المنتدب لشركة بلتون المالية القابضة، ومحمد صالح يونس رئيس شركة كونكورد للأوراق المالية، وهاشم رامز عبدالحافظ نائب محافظ البنك المركزي، والدكتورة ليلي مصطفي البرادعي أستاذ الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
وأصبح طاهر حلمي هو الإمبراطور، فهو أيضاً رئيس بعثة طرق الأبواب في الولايات المتحدة الأمريكية ورجل الأعمال ونجم المجتمع وصديق جمال مبارك وأحد مالكي إذاعة نجوم FM 100,6 .
عن جريدة الموجز