دراسة عن تأثير الإسلام في أوروبا تؤكد
الدور الطليعي للحضارة الإسلامية
ساهم في بناء النهضة العلمية الحديثة
عمرو أبوالفضل
تمتلك الأمة العربية مقومات كثيرة وتاريخ مبهر وهي صانعة حضارة عريقة لا تعرف اليأس أو السكون ولا تستكين للواقع مهما كانت التحديات والصعوبات ودأبها دائما التطلع للمستقبل والمشاركة والتحرك بإيجابية وعدم العيش في عزلة عن العالم نهجها الإفادة من منجزات الحضارات السابقة والمعاصرة والعمل علي تطويرها والإضافة إليها. وبالرغم من الحاضر الباهت والقاتم وحالة التأخر التي تعيشها مازالت هناك محاولات جادة للبحث عن سبيل للخلاص والفكاك من اسر التخلف والتردي الذي يكبل حركتها واستعادة دورها الحضاري لتحقيق العدل والسلام والمحبة لكل الانسانية
وكثيرة هي الدراسات التي بحثت في اسباب تراجعنا الحضاري وحاولت أن ترسم معالم النهضة وتخط طريق التقدم دون أن تستغرق في التهليل للماضي والتغني بأمجاده أو تفرط في جلد الذات لدرجة تكسير العظام وبث اليأس في النفوس ومحو معاني الرجاء في الاصلاح ومن الدراسات الجادة التي تناولت القضية بعمق وعلمية ومنهجية الدراسة التي قامت بها الدكتورة ايناس حسني تحت عنوان "التلامس الحضاري الاسلامي الأوروبي" فقد سعت الباحثة في دراستها إلي بيان رسوخ جوهر الفن الاسلامي والكشف عن عمق اصوله الفكرية وخصائصه المميزة والتي اثرت في النهضة الأوروبية لاسيما الفن الأوروبي بكل معطياته ومدارسه القديمة والحديثة.
أكدت الدراسة ان الثقافة العربية الاسلامية قامت بدور طليعي بارز ساهم بقوة في بناء النهضة العلمية العالمية وأشارت إلي ان العلماء العرب والمسلمين تمكنوا من نقل التراث الاغريقي وغيره من ألوان التراث العلمي الذي تقدم عليهم في التاريخ إلي اللغة العربية التي كانت لغة علم وثقافة واستطاع العلماء العرب المسلمون امتلاك زمام المبادرة لقرون عدة والتأثير في النهضة الأوروبية وكان طابع الثقافة العربية الاسلامية غالبا وواضحا ومؤثرا في عديد من المجالات العلمية والفكرية والثقافية مثل ابتكار نظام الترقيم والصفر والنظام العشري ونظرية التطور قبل داروين بمئات السنين والدورة الدموية الصغري قبل هارفي بأربعة قرون والجاذبية والعلاقة بين الثقل والسرعة والمسافة قبل نيوتن بقرون عديدة وقياس سرعة الضوء وتقدير زوايا الانعكاس والانكسار وتقدير محيط الأرض وتحديد ابعاد الاجرام السماوية وابتكار الآلات الفلكية واكتشاف أعالي البحار ووضع اسس علم الكيمياء.
ينابيع فكرية
واستعرضت الباحثة في دراستها مدي تمكن الحضارة الاسلامية من بلورة اسلوب جديد متكامل معبر عنها جلي نابع من الفكر الاسلامي يتميز بالقدرة علي الأداء الواحد والنظام الواضح خلال فترة زمنية قصيرة ويقوم علي وحدة الشكل المستوحاة من فكرة الزمان والمكان مع قدرة هذا الفن علي اضفاء طابع مميز مرتبط بتوجه فكري ووجداني يتضح بجلاء في الآثار الاسلامية الأولي مثل قبة الصخرة والمسجد الأموي والقصور الصحراوية وغيرها وهي تقدم دليلا واضحا علي مدي استفادة العرب المسلمين من الحضارات القائمة بل واستيعابها خلال فترة وجيزة.
جمال رصين
ونوهت إلي ان الفنان العربي المسلم أراد منذ البداية أن يعبر عن وجدانه وحسه تجاه الخالق لا عن طريق محاكاة الأشكال الطبيعية المحيطة به بل عن طريق ايجاد قيم سامية يجسد من خلالها روح الابداع وصفوته فاتخذ من الجمال لغة صاغ بها مفرداتها عبر تلك الرؤية الجديدة التي تبلورت لديه وراح يبصر بها العالم من حوله. وقد برز ذلك في الموازنة بين التجسيد الجمالي والبساطة في فنون العمارة والتنوع في شكل الأقواس وتوافر الحيز أو الفضاء الداخلي والجمع بين الهدوء وتدفق أو توفر الضياء وايضا الجمع بين الاستقرار والحركة المتاحة السهلة داخل البناء. كما برزت الزخارف بالمساجد أو القصور واصبحت العنصر البارز في الفنون الاسلامية واستطاع الفنان الاسلامي الاستفادة من كل عناصر الطبيعة من حوله بتكوين مبتكر جديد يتولد من اشتباكات قواطع الزوايا ومزاوجة الاشكال الهندسية لتحقيق الجمال الرصين.
وحرصت الدراسة علي توضيح كيف عبر الفن الاسلامي عن ملامحه وخصائصه عبر العديد من المجالات سواء في فن الكتابة والخطوط حيث يتجلي جوهر الفن الاسلامي في الشعر والرسم والموسيقي علي مبدأ التكرار أي تكرار اشكال معينة تتخللها تحويرات وتغييرات مفاجئة تعارض الخلفية المنظمة. أما فن الرقش أو التوريق "الأرابيسك" فهو يشمل زخرفة اشكال نباتية وعملا متشابكا يسير وفق نظام هندسي صارم وفي المقرنصات التي هي الأشكال المعمارية فهي تكوينات تجريدية تجلت فيها فكرة الايقاع والسكون وقد استخدمت في قباب الأبنية والحركة والسكون في المقرنصات يتأتيان من ذلك التقابل ما بين القبة والأرضية وهو ما يرمز للتقابل ما بين السماء والأرض.
قدسية
وقالت ان الفنان المسلم حرص علي توظيف الضوء في الفن الاسلامي من منطلق القدسية الخاصة لمعني الضوء فالضوء غيرقابل للتجزيء ولا تتغير طبيعته بامتزاجه بالألوان والظلام لا يبدو مرئيا إلا من خلال تقابله مع الضياء أو الضوء استلهاما للمعني القرآني "ألم تر إلي ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا" "الفرقان 45 - 46".
وأكدت ان الحضارة الاسلامية حضارة شاملة لا تعني فقط الاعمال التي تصنع من أجل أغراض دينية بل تعني ايضا بصناعة الاغراض الثقافية والدنيوية وبينت ان الفن الاسلامي يعد من أغني ظواهر مسيرة الحضارة الاسلامية وأخصبها وان الفن التشكيلي في الاسلام ما هو إلا انعكاس للكلمة القرآنية.
وقدمت عبر دراستها العديد من الأدلة والحجج تؤكد عمق ورسوخ جوهر الفن الاسلامي وتأثر الفن الغربي ببعض ملامحه حتي طغي جوهر الفن الاسلامي علي أعمال الكثير من الفنانين الغربيين مثل الفنان المجري الشهير "فيكتور فازاريللي" الذي اعتمد علي فن الرقش الاسلامي واستمد منه فكرة الفن البصري.
تأثير واضح
واجتهدت الدراسة التي رصدت ملامح التأثير المختلفة للحضارة الاسلامية علي العالم لقرون عديدة وأظهرت حقيقة انتشار الفن الاسلامي في أوروبا وأوضحت ان الأوروبيين استعانوا بكثير من المعماريين العرب في اشادة ابنيتهم ومنها علي سبيل المثال عمارة النوتردام في باريس وأكدت انه كان لفن العمارة الاسلامي في اسبانيا دور كبير في التغير الحاصل علي العمارة الغربية حتي ان بعض الأبنية استقت الاسلوب الاسلامي وبدت الزخرفة العربية واضحة واستخدم الخط العربي لما له من جمالية فريدة في زخرفة الكنائس والمذابح.
وتطرقت الدراسة إلي تأثير الفن الاسلامي علي مدارس الفن الحديث واستعرضت ملامح هذا التأثر خاصة عند مدرسة التأثريين وعلاقتهم بالفن الاسلامي وأولت الباحثة عنايتها للوحشية كنقطة انطلاق نحو الفن الاسلامي وأوضحت ان هذا الفن الثائر النقدي بما ينطوي عليه في الوقت نفسه من معاني العفوية والطفولية البريئة كان أول ثورة فعلية علي جمود الفن التقليدي العقلاني الرصين وأول انطلاقة حقيقية من قيود الطبيعة وأسر محاكاتها وأول خروج جريء علي مفاهيم الشكل واللون. وأشارت إلي ما قام به زعيم الوحشية "ماتيس" من اكتشاف جوهر الفن الاسلامي واستلهام قيمه الجمالية والفنية وخلق اسلوب جديد عريق الجذور واختتمت دراستها بعرض عبقرية جماليات الفن الاسلامي من خلال رؤي اشهر الباحثين والنقاد والفنانين الغربيين مثل موريس بوريس ودهامل وفلوبي وأندرية جيد وموباسان وريلكة والكسندر بابا دوبولو وروبير غرينا ومارسيه وغيرهم.
منقول عن مجلة عقيدتى
موضوع: تأثير الإسلام على الحضارة الغربية 
السبت نوفمبر 07, 2009 1:44 am
