سينـــــاء فــــي مرمـــــي الخطــــر
أجري المواجهة- عبدالرءوف خليفة
أسقطت الحكومة من حساباتها تنمية سيناء علي مدي سنوات طويلة وتركت اهلها يواجهون مصيرا محتوما..دون ان تمديدها وتتدخل جراحيا لاستئصال المشاكل الحياتية المتراكمة.
التي خلقت مناخ صراع يغلف المنطقة ويوفر بيئة خصبة ترتع فيها العصابات المسلحة.
لم تكن المخططات الاستراتيجية تدفع صوب اعمار وبناء سيناء.. فقد وضعوها في ذيل الاولويات وفي الصدارة مشروعات تنموية اخري في توشكي وشمال خليج السويس وشرق التفريعة وحصدوا من ورائها ثمارالفشل
لم تعد سيناء تحتمل تراكمات السنين واعباء الماضي.. فتفجر الوضع فيها وخلف وراءه احداثا جساما وبادرت الحكومة بإعادة النظر في المخططات الحاكمة لسيناء.. بناءها واعمارها وكتابة صفحة جديدة من الرعاية والاهتمام بأهلها واعادة النظر في تأمينها من الداخل والخارج.
يتحدث محافظ شمال سيناء الحالي عبدالوهاب مبروك من واقع جديد تدلف اليه سيناء وحزمة حوافز تهدف تحسين نوعية الحياة وتأخذ بأبناء سيناء الي بؤرة الاهتمام والرعاية.
بينما يسيطر الخوف والقلق علي احمد عبدالحميد محافظ شمال سيناء السابق من وعود الحكومة التي تصطدم عادة بأرض الواقع وتذهب ادراج الرياح ومن حالة خطر يتهدد سيناء في داخلها وعلي حدودها
في هذه المواجهة نقترب من حال سيناء.
عبدالوهاب مبروك المحافظ الحالي:
تأمين الحدود يخضع لضوابط صارمة وتستخدم فيه تقنيات متطورة
كان يتوقع الكثيرون أن تتجه أوضاع سيناء نحو الأفضل بعد ثورة25 يناير.. بينما ما يحدث يعكس وضعا غير طيب؟
اتخاذ القرارات في التعامل مع مشكلة سيناء يحتاج لدراسة واعية والاستغراق في التفاصيل الدقيقة حتي تؤتي النتائج ثمارا طيبة وتتحقق التنمية الشاملة في سيناء وتتلاشي العقبات التي تحول دون ايجاد مجتمع متكامل يتعاون مع السلطة التنفيذية.
في الحقيقة التنمية في سيناء تقوم علي بعدين أساسيين إذا حدث خلل في أحدهما فإن النتائج التي تتوصل إليها لن تكون علي النحو المطلوب.. الأول يتعلق بوجود خطط تنموية تعبر عن الاحتياجات المجتمع ومتطلباته والتمتع بقدر من المرونة بما يجعلها قادرة علي التغير وفق للاحتياجات المتجددة التي قد تفرضها الأوضاع التي تصيب المجتمع من وقت إلي آخر, في ضوء مجتمع تحكمه وشائج علاقات قوية ومترابطة وتحمل في ثناياها خصوصية شديدة. والثاني يستند علي استجابة الناس وتفاعلهم مع تلك الخطط التي وضعتها الدولة وإذا لم يكن هناك قدر كبير من التعاون علي انجاز مراحل التعمير والبناء والتنمية. فإن الدولة لن تستطيع بلوغ الهدف وتحقيق الغايات من خطط التنمية الموضوعة. هناك مثالب وعيوب حالت دون انطلاق التنمية ودوران عجلة البناء والتفاعل مع متطلبات المجتمع واحتياجاته.. كل الظروف التي وقفت حجر عثرة وجعلت من التنمية ولادة متعثرة لم تعد موجودة ودبت في المجتمع السيناوي روح طيبة تتحمل قدرا كبيرا من المسئولية صوب البناء..فقد أصبح كل فرد في المجتمع يؤمن بأن مصر بعد25 يناير باتت أكثر قوة وأقوي إرادة وعزيمة عن ذي قبل وإلا ماكنت قد اجبرت إسرائيل علي الاعتذار عما اقترفته من أفعال.
تذهب مع من ذهبوا إلي الاقرار بوقوع سيناء فريسة لعصابات مسلحة متعددة الاتجاهات؟
هناك من يقف بالمرصاد لايريد لمصر تغييرا حقيقيا بدفع خطواتها نحو أعماق المستقبل وبناء كيانها كقوة سياسية عريضة موغلة في عالمها العربي والإسلامي.. مصر تغيرت رغم أنف الجميع ودلفت إلي واقع مغاير يقودها صوب البناء والتعمير والانفتاح علي العالم كقوة فاعلة ومؤثرة لا يستهان بها وتمسكها بموقف صلب تجاه ما فعلته إسرائيل علي الحدود.. يرسخ لتغيير شامل في السياسات المصرية وما كانت تقبل به في الماضي فلن تقربه في الحاضر وقد انعكس ذلك علي اخضاع إسرائيل للاعتذار عما حدث.
لن نستطيع الاقرار بأن الأحداث التي آلمت بسيناء خلال الفترة الماضية تأتي علي خلفية عصابات مسلحة تعكس اتجاهات تخريبية متعددة وإنما يمكن القول إن ما حدث كان نتيجة طبيعية لواقع مغاير دخلت في رحابه مصر وهذا لا يرضي بعض الطامحين والمغرضين, وأدي ذلك إلي وجود محاولات فردية أقدمت عليها مجموعات مسلحة عبر أعمال تخريبية لاشاعة الفوضي وعدم الاستقرار وزعزعة الأمن وتسريب إحساس لدي الناس بأن هناك حالة من عدم الأمن والاستقرار تضرب سيناء ونحن نعلم مدي حساسيةالمنطقة وتأمينها ركيزة أساسية ولا يمكن السكوت علي أي عبث قد يمتد إليها.
المجموعات المسلحة التي ارتكبت تلك الأفعال.. مجموعات هشة وليس لها بناء تنظيمي أو خطط محددة وإنما تسعي إلي ارتكاب أحداث بصورة عشوائية هدفها هدم كيان الدولة ويساندها في ذلك بعض الجهات الخارجية المعروفة التي تلتقي رغباتها وأهدافها مع تلك المجموعات في تغييب الأمن وجعل سيناء منطقة صراعات.
يسود اعتقاد لدي البعض بأن حدود سيناء غير مؤمنة بشكل كاف تعتقد أنها في حاجة لإعادة نظر؟
مالا يعرفه البعض أن تأمين الحدود يخضع لقواعد ضبط صارمة وتستخدم فيه أحدث الوسائل التكنولوجية فهذه مسألة تتعلق بسيادة الدولة ولا يمكن الاغفال عنها أو التهاون في التعامل معها ولا تحتمل اجتهادا من أحد.
لدينا كوادر مدربة علي أحدث التقنيات في هذا الصدد وتملك من الامكانيات والقدرات ما يعينها علي القيام بمهام تأمين الحدود دون تقصير أو إهمال وكل ما يتردد لا يستند لحقيقة دامغة يمكن الاعتداد بها ولا يعدو كونه اجتهادا يسعي البعض إليه. فهناك الحدود الشرقية وتنقسم إلي جزءين الأول مع قطاع غزة وطوله13.3 كيلو متر وتأمينه يخضع لقوات حرس الحدود والجزء الباقي من كرم أبوسالم وحتي طابا تقوم علي تأمينه قوات الأمن المركزي. ولا يستطيع أحد أن يجزم بوجود ثغرات أو عيوب تحول دون وجود تأمين شامل للحدود.. وقد انعكس ذلك علي ضبط إيقاع العملية التأمينية وجعلها تتصدي لمحاولات العابثين.
باعتبارك كنت قائدا لحرس الحدودأشار تقرير أمني إلي أن النظام السابق كان يوقف مراقبة الحدود من غروب الشمس وحتي شروق اليوم التالي.. ما مدي مصداقية محتواه؟
عملية تأمين الحدود لا تتم بشكل عشوائي وإنما تخضع لقواعد صارمة لا تحتمل الهزل كونها تتعلق بسيادة الدولة ومسألة التأمين لا يمكن القبول بخضوعها في وقت محدد وتغييبها في وقت آخر فهذا عبث. عملية تأمين الحدود مسئولية مشتركة بين الدولتين.. فكلاهما له مسئولية محددة في هذا الشأن وتقوم علي مدي24 ساعة بصورة منتظمة ودون انقطاع. ما يقال لا يستند لحقيقة أو يقره واقع.. كيف يمكن تأمين حدود الدولة وسيادتها في وقت بينما تغيب في وقت آخر لو كان يحدث ذلك لعمت الفوضي علي حدود سيناء وما قبل بها الطرف الآخر المشارك في عملية التأمين.. مسئولية حماية حدود مصر من العابثين جسيمة ولا يمكن التفريط فيها هناك قواعد ملزمة نسير في ضوئها ولا يتسني الذود عنها من أين استقي تقرير أمني الواقع الذي يتحدث عنه.. هذا كلام لا يمت للحقيقة بصلة وإقراره درب من دروب المستحيل.
الحديث عن تنمية سيناء لم ينقطع علي مدي سنوات طويلة نتصور أنها كانت تسير علي غير هدي؟
حتي نحق الحق ونضع الأمور في نصابها الطبيعي عندما بدأت تدور عجلة التنمية في سيناء كانت تسير علي هدي وتحقق الأهداف المطلوب الوصول إليها وأينعت ثمارا طيبة في السنوات الأربع من الخطة الخمسية الأولي ولو مضي الإيقاع علي نفس الوتيرة طوال السنوات المحددة لخطة التنمية حتي عام2017 لتغير وجه سيناء وباتت من أعظم المناطق الاقتصادية. توقف عملية التنمية في عام2001 ترك أثرا بالغا في عمليات البناء والإعمار وساعد علي ازدياد معاناة الناس والإطاحة بكل الانجازات التي تحققت علي أرض الواقع خلال الأربع سنوات الأولي من عمر الخطة الخمسية وتم تدمير البنية الأساسية والمرافق التي تعين علي بناء المجتمع والاسراع في جذب الاستثمارات وفتح أفق أوسع للحياة.. غياب ذلك حال دون ايجاد تنمية حقيقية علي أرض سيناء. سيناء الآن تحتاج للتنمية والبناء أكثر من أي وقت مضي ولابد من ايجاد أفكار خلاقة تعمل علي تنمية الوعي والمشاركة المجتمعية لتدور عجلة التعمير علي نحو جاد وفي سبيل ذلك بدأنا وضع الأساس.
التنمية تعود إلي سيناء اعتمادا علي الخطط السابقة أم الأفضل لها صياغة رؤي مغايرة؟
مصر تدلف صوب عصر جديد من البناء الذي يحتاج إلي أفكار جادة ومخلصة وتضرب بجذورها في عمق المستقبل ومستقبل سيناء واعد وعلينا التعامل معه علي ذات القدر من الأهمية حتي نحقق واقعا يحصد ثماره المجتمع.
بالقطع ما أصاب المجتمع من تغيير في الرؤي والأهداف يجعل البحث عن خطط تنموية لسيناء تتناسب والواقع الجديد هذا الواقع لا يمكن إغفاله وعدم التعامل معه ووفق ذلك فإنه يتعين النظر في محتوي الخطة القديمة والوقوف علي محتواها وقياس العائد الذي يحصده المجتمع من تطبيق أهدافها وإمكان استثمار نقاط القوة فيها. الخطة القديمة لتنمية سيناء فيها بعض النقاط المضيئة التي يمكن استغلالها والبناء عليها ونقاط أخري لم تعد تصلح للتطبيق وفق المتغيرات العديدة التي أصابت المجتمع. نحن نبحث في الخطة الجديدة عن مجتمع مغاير لأبناء سيناء يقوم علي تنمية حقيقية وتفتح لهم أفقا أوسع للحياة ومنحهم مميزات حياتية تجعلهم فاعلين ومؤثرين في خطة التنمية وإذا كان للدولة دور حيوي نحو ايجاد مصادر تمويل لإعادة الإعمار فإن للمجتمع دورا غاية في الأهمية بتحقيق مشاركته وتعاونه علي نحو جاد ويقيني أن نظرة أبناء سيناء صوب ذلك تغيرت كثيرا وتعاظم دورهم في الفترة الأخيرة التي تلت ثورة25 يناير. خطة التنمية في تصورها الجديد تمت مناقشتها مع رئيس مجلس الوزراء الدكتور عصام شرف ووضعت أبعادها ومحتواها والطريق الذي تسير علي دربه للإسراع بمعدلات التنمية والنهوض بالمجتمع السيناوي وتوفير احيتاجاته الملحة في فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية وغيرها.
مجلس الوزراء بصدد انشاء جهاز لتنمية سيناء تري أنه طوق النجاة لبناء تنمية حقيقية؟
مسألة أحداث التنمية الشاملة في سيناء ليست بالأمر اليسير ولكنها تحتاج لجهود شاقة حتي يستطيع الناس علي أرضها الاحساس بأن هناك شيئا جديدا قد حدث وتحقيق ذلك يتطلب تضافر جهود العديد من الجهات المعنية.
الحكومة جادة في التعامل مع قضية تنمية سيناء وتتخذ العديد من التدابير والإجراءات وتدرس رؤي وأفكارا يمكن تطبيقها علي أرض الواقع ومسألة انشاء جهاز يتولي زمام المسئولية في عملية التنمية.. فكرة جاءت من أجل تعظيم عملية التنمية وجعلها مشروعا قوميا للوطن وليس لأبناء سيناء وحدهم. لكن لا تستطيع الاقرار بأن الجهاز سيكون وحده المنوط به عملية التنمية قد يكون هناك تصور آخر لتحقيق هذا الهدف كل الأفكار الآن خاضعة للدراسة وتناقش سلبياتها وايجابياتها لتختار النموذج الأفضل.
هناك فجوة في العلاقة بين أبناء سيناء والجهات التنفيذية لديك مسئولية محددة لرأب الصدع في العلاقة؟
لم يعد نمط تفكير أبناء سيناء يتجه صوب ما كان سائدا قبل ثورة25 يناير, لقد فرض عليهم الواقع الجديد ضرورة التفكير بشكل مختلف والتفاعل مع المتغيرات حتي يستطيع تحسين جودة الخدمة التي يتلقاها في مجتمعه هناك مسئولية وطنية بدأ الناس يشعرون بأهمية دورهم في بناء المجتمع وقد تجسد ذلك بشكل واضح في رفض شعبي واضح لكل الأحداث التي وقعت علي أرض سيناء والتعاون الكبير الذي أبدوه في تحقيق الانضباط والاستجابة لكل الأفكار التي طرحها المجلس العسكري بشأن ضبط واستقرار الأوضاع. المجتمع السيناوي تجاوز فوق كل العقبات وانحاز إلي ضميره الوطني واضطلع بمسئوليته في كتابة صفحة جديدة في علاقاته بالجهات التنفيذية وأيقن أنها تقوم علي خدمته وتوفير سبل الرعاية له وإلا ما كان قد شارك خلال الأحداث الأخيرة في تأمين العديد من المؤسسات الخدمية وتصدي عن قناعة كاملة لكل المحاولات العابثة..
يتصور البعض أن مسيرة تنمية سيناء وفق التصور المقترح تبدأ بمسكنات دون ايجاد علاج جذري؟
إقامة كيان راسخ لعملية التنمية يتطلب إعداد وتجهيز المجتمع لتكون مشاركته فاعلة ومؤثرة علي اعتبار أن جهود التنمية في نهاية المطالب.. يحصد ثمارها أفراده وإذ لم تخلق لديه قناعة كاملة بها فلن تتحقق أهدافها. الوضع القائم يتطلب تحركا سريعا وجادا نحو التعامل مع الاحتياجات الفعلية والملحة لأبناء سيناء والعمل علي إيجادها في غضون فترة قصيرة وتتعلق بالتعليم وايجاد فرص العمل وتمليك الأراضي وغيرها من الحوافز التي تجعلهم يشعرون بأن هناك شيئا يتغير وواقعا يتحقق. هذه ليست مسكنات ولكنها خطوات جادة علي الطريق الصحيح كان يتعين اتخاذها من قبل ورغم بساطتها إلا أنها تحدث انفراجة في المجتمع وتسهم في تغيير نظرته لعملية التنمية, سيناء تحتاج إلي استثمار في البشر بقدر حاجتها إلي التنمية. والخطوات المتلاحقة التي تعمل علي تحقيقها وفق رؤية كاملة لعملية التنمية إذا كانت تسير في ركب التعامل مع المشكلات الحياتية فإنها في المقابل تسعي خلف بناء مشروعات قومية تجعل من المنطقة منارة اقتصادية وصناعية. هناك مشاركة واسعة من الوزارات المعنية حيث يتم توفير اعتمادات مالية خارج الموازنة العامة تتجه نحو دعم مشروعات البنية الأساسية وتحسين جودة الحياة لأبناء سيناء وأتصور أن هذه المشاركة سيكون لها مردود ايجابي في تلبية الاحتياجات المتجددة وغلق الفجوة في الخدمات التي يفتقدها الناس.
أحمد عبد الحميد المحافظ السابق:
التأمين يقوم عليه بضعة جنود ولا يكفي لحماية سيادة الدولة
في الماضي وقفت عقبات كثيرة حالت دون إعمار سيناء نعتقد أن الأوضاع تغيرت بما يكفل إيجاد تنمية حقيقية؟
علي أرض سيناء يعيش أعظم بشر.. أناس مخلصون يعشقون تراب الوطن.. تعلمت منهم الكثير طوال ما يقرب من تسع سنوات وبادلوني إخلاصا بإخلاص ولم أشعر يوما بأنهم وقفوا حجر عثرة عن طريق تغيير نمط الحياة التي اعتادوا عليها. أهل سيناء لديهم وعي وفهم وإرادة صلبة لو أحسن استغلالها ووضعها في مجراها الطبيعي فسيتحقق هدفان أساسيان الأول إعادة الأمن الذي تلاشي وسط زحام الأحداث المتلاحقة والثاني تحقيق التنمية والإسراع في تنفيذ البرامج.
أبناء سيناء يستحقون العطاء الفياض واهتمام الحكومة البالغ وطوال الفترة التي قضيتها محافظا لشمال سيناء لم تكن الحكومة تضع فوق قمة أولوياتها الاهتمام بسيناء والنهوض بمستوي معيشة شعبها.. فقد عانيت كثيرا كلما أردت إقامة مشروع يساعدهم علي التصدي للمشكلات التي يعيشون تحت وطأتها وكان كل شيء يتم بمجهودات فردية والعلاقات الشخصية وهذا النهج يتسني له صناعة تنمية حقيقية.
أري في الأفق نهجا مختلفا وفكرا مغايرا وإرادة قوية تعيد الأمور في سيناء إلي نصابها الطبيعي وأتصور أن الفرصة مواتية لإعادة ترتيب الأولويات في سيناء حتي يتم معالجة العيوب والمشكلات التي تصدت علي طول الأيام لإنجاح جهود التنمية.
سيناء تحيط بها مخططات إرهابية يقوم علي تنفيذها جهات خارجية لتحقيق أهداف محددة؟
كشفت الأحداث التي ألمت بسيناء خلال الأيام القليلة الماضية عن استهدافها وجعلها بؤرة صراع ويقيني أن الاجتهادات التي تذهب لتفسير ما يحدث فيها لا يعكس الخلفيات الحقيقية لاستقراء الأحداث وعمق المخططات التي تدبر لها ويتعين علي الدولة الانتباه جيدا لما يحاك في إسرائيل.. هناك دراسات أجريت تكشف عن سوء نيات تضمرها إسرائيل والصراع الذي تضعه علي أرضها لابد من التصدي له بمنتهي القوة والحزم. إسرائيل تخطط للاستيلاء علي أجزاء من سيناء وتستخدم في سبيل ذلك نهجا مغايرا وعلينا قراءة المنطقة التي تعرضت لأحداث عنف ونسأل سؤالا محددا: لماذا هذه المنطقة بالتحديد؟ لماذا لم يحدث ما حدث في منطقة بئر العبد؟ الإجابة عن هذا السؤال تحمل في ثناياها واقعا تفكر إسرائيل في تحقيقه بأن منطقة الأحداث هي المستهدفة دون غيرها علي اعتبار أنها ضمن ما تخطط له. لم يعد هناك بديل عن إعادة تعديل بنود اتفاقية السلام فقد أثبت الواقع بما لا يدع مجالا للشك أن الوضع الذي تفرضه الاتفاقية في تأمين الحدود لم يعد مناسبا بكل ما يفرضه من مخاطر.
في تصورك حدود سيناء خاضعة لتأمين جاد يكفل صيانة سيادة أرضها؟
ما شاهدته علي الحدود يعكس صورة ضحلة لعملية تأمين مهترئة وعابثة وغير مكتملة الملامح ودون أدوات تعين علي تحقيق الحد الأدني من الأمان.. كيف نترك حدودنا علي هذا النحو السائد ونقبل باتفاقية سلام تجرنا إلي قبول وضع يخلف وراءه مخاطر تمتد للداخل وتساهم في زعزعة الاستقرار وتغييب الأمان للمواطنين. أتصور أنه آن الأوان لإعادة صياغة الحدود المصرية هناك وضبطها علي نحو مستقيم بغلق كل المنافذ ويقضي علي المخططات التي تحاك في إسرائيل للاستيلاء علي أجزاء بذاتها من سيناء الخطر قادم وإني أحذر.. إذ لم نسع صوب تغيير بنود اتفاقية الحدود بما يعيد لمصر حمايتها حماية حقيقية. إنه من الخطر في ظل أحدث تنذر بكارثة أن نقبل باتفاقية تمنع دخول المعدات العسكرية إلي المنطقة جوإسناد التأمين لبعض العساكر للقيام بمهمة تنطوي علي حساسية خاصة وتحتاج لأجهزة ومعدات وتقنيات حديثة.. لو كان من يقومون علي تأمين الحدود لديهم الإمكانيات والأدوات ما وقعت تلك الأحدث المؤسفة.
ضعف تأمين الحدود انعكس بصورة سلبية علي تحقيق الأمان والاستقرار داخل عمق سيناء؟
يحيط الخطر بسيناء من كل صوب وحدب والتعامل مع قضية تأمين حدودها علي هذا النحو السائد بكل تأكيد يجعل داخلها في مرمي الخطر ولو كانت الحدود تخضع لتأمين حقيقي لحال ذلك دون وقوع الأحداث الأخيرة وما تمكنت العصابات المسلحة من الدخول إلي العمق لتشيع الفوضي ويغيب الأمان بين الناس. إسرائيل هي المستفيد الوحيد من استمرار تأمين الحدود المصرية وفق اتفاقية السلام وهي وحدها تملك تفاصيل الأحداث الأخيرة وحقيقة ما جري علي الحدود وفي الداخل.. إذا كان الطرف الآخر الشريك في عملية التأمين يتهاون في القيام بدوره والاضطلاع بمهمة ضبط الحدود بل ويكشف عن وجهه بمخططات تعبر عن سوء قصد.. فإن الأمور تحتاج لوقفة جادة والتحرك صوب التعامل مع الأحداث والنظر إلي عمق المصلحة الوطنية. حدود سيناء الآن لا تختلف كثيرا عن داخلها.. فكلاهما يعاني خللا في عمليات التأمين ويصبح الحديث عن التنمية في ظل الصورة السائدة حديثا غير ذي معني.. لأنه بلا أمن علي الحدود وفي الداخل لن تجدي جهود التنمية.
التنمية في سيناء سقطت من حسابات الحكومة طوال السنوات الماضية وبات الحديث عنها مجرد شعارات؟
الحكومة تعاملت مع تنمية سيناء بمنطق غريب ولم تولها الاهتمام الكافي وكانت تصدر أسباب الفشل للمحافظين وتتركهم في مواجهة المشكلات دون مساعدتهم علي وضع الحلول المناسبة وتصور أنني أمضيت ما يقرب من تسع سنوات لم يزر المحافظة سوي ثلاثة أو أربعة وزراء ولم يزرني خلالها رئيس الحكومة أحمد نظيف إلا مرة واحدة ولم تكن زيارته خالصة من أجل سيناء ولكنها جاءت من أجل ترضية أحد رجال الأعمال الذي يقوم ببناء قرية سياحية.
والأخطر من كل ذلك ترتيبها في التخطيط الاستراتيجي والذي كان يأتي في نهايته بوضع سيناء.. في وقت تصدر التخطيط توشكي وشمال خليج السويس وشرق التفريعة.. ماذا فعلت الدولة بكل هذه المشروعات وأيها كان الأهم والأفضل لتصدر أولويات الدولة.. سيناء التي تحررت بدماء المصريين أم تلك المشروعات التي رسخت للفشل وإهدار المال العام؟!.. سيناء أسقطتها الحكومة من حساباتها وتركت أبناءها يواجهون واقعا صعبا وتعاملت معهم بنوع من اللامبالاة.
خطط تنمية سيناء السابقة تصلح للتطبيق في الوقت الراهن ويمكن قبولها علي أرض الواقع؟
لم تبرح خطط تنمية سيناء الورق المكتوب وظلت علي مدي سنوات طويلة كما مهملا لا يلتفت إليه أحد وكلما كان يبزغ الأمل في إخراج الخطط من محبسها في الأدراج سرعان ما يذهب سدي.. فالدولة لم تكن جادة في التعامل مع ملف التنمية وتنفيذ البرامج المحددة في هذا الشأن وولدت أفكار كثيرة وأجريت دراسات عديدة ولقاءات ممتدة وكل ذلك لقي مصيرا مجهولا. وقد يكون من بين هذه الخطط ما يمكن الاستعانة به في إعمار وتنمية سيناء.. والحكومة عندما وضعت تلك الخطط كانت لديها رؤية محددة تسعي إلي تطبيقها علي أرض الواقع بما يخدم المصلحة الوطنية وقتها ويحقق مكاسب للمجتمع. لقد سقط نظام وبزغ آخر ويصبح القبول بخطط تنمية سيناء القديمة أمرا صعب المنال.. لابد من فتح أفق أوسع وأرحب أمام مجتمع كابد آلام الإهمال والحرمان لسنوات طويلة وعلي الحكومة إذا كانت عازمة وصادقة النية إشراك أبناء سيناء في تحديد الأولويات والبدء في تنفيذ مشروعات عملاقة تغير بها إيقاع الحياة وأسلوب المعيشة وتحسن كفاءة الخدمات التي تقدم المواطنين.
ولعل المشروعات التي يحتاج إليها المجتمع السيناوي في هذا التوقيت بشكل أساسي وعاجل.. إحياء مشروع السكك الحديدية ووسط سيناء والقري الحدوية وتطوير ميناء العريش ليدعم الصادرات وأذكر أن هناك رغبة جامحة لدي كثيرين من أبناء سيناء لفتح الطريق أمام منتجاتهم في الأسواق الخارجية.
تعتزم الحكومة إنشاء جهاز يناط به عملية التنمية في سيناء.. تتصور أنه يستطيع تحقيق بناء قوي وإعمار جاد هناك؟
سيناء لا تحتاج أجهزة تقوم علي عملية التنمية بقدر ما تحتاج لجهود مخلصة ودؤوبة تضع تلبية احتياجات مواطنيها موضع تنفيذ جاد وفاعل, ولقد بات الحديث لا ينقطع عن تحقيق اللامركزية في تنفيذ مخططات التنمية وإنشاء جهاز علي هذا النحو يعود ليعمق مفهوم المركزية ويقيد المحافظ بخطط ونظام عمل يجعله يسير في ركابه دون حق الاعتراض أو التدخل في صياغة الخطط والبرامج. أتصور أن التنمية في سيناء تحتاج لرؤية أكبر وأعمق من جهاز يتولي زمام أمور التنمية.. فالجهاز الذي أقرته الحكومة للقيام بتلك المهمة قد يتحول فجأة إلي خلق نوع من الصراع بينه وبين المحافظ ويخلق تداخلا في الأدوار ويعمل علي تضارب الرؤي والأفكار.
الحكومة طرحت حزمة من الحوافز لأبناء سيناء.. تعتقد أنها نقطة بداية كافية؟
المجتمع السيناوي كابد آلاما شديدة وإهمالا صعبا بعد سقوطه من حسابات الدولة, وهؤلاء يستحقون رعاية أعظم وأكبر من تلك التي يتحصلون عليها وقد بح صوتي طوال فترة مسئوليتي لدعم المنطقة وتوفير الخدمات اللازمة التي تجعل الناس هناك يشعرون باهتمام الدولة.. لكن لم يكن يستجيب أحد.
أبناء سيناء لا يحتاجون فقط لتملك بعض الأفدنة والحصول علي فرص عمل.. فكل ذلك لا يعدو كونه مسكنات تعالج ظواهر الأشياء ولا تمتد جذور مشاكل المجتمع للتصدي لها ووضع الحلول العملية لتغيير الواقع. أخشي أن تتحول الوعود التي يتلقاها أبناء سيناء علي خلفية أحداث وقعت إلي كلام..
عن جريدة الأهرام