هل يواجه العالم كارثة مالية جديدة؟احمد مصطفى
بي بي سي
يشبه حادث يو بي اس حادث سوسييته جنرال عام 2008
تزامنت الذكرى السنوية لانهيار بنك ليمان براذرز الامريكي، ضمن اعراض اضغط هنا الازمة المالية العالمية الاخيرة، مع تحذيرات بازمة مالية جديدة نتيجة انكشاف البنوك على الديون السيادية.
ومرة اخرى، تداعت البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسية لتضخ مزيدا من الاموال في القطاع المصرفي التجاري لتفادي انكماش ائتماني جديد.
ووسط كل هذا تكتشف مجموعة يو بي اس المالية السويسرية ان احد موظفيها في لندن اهدر ملياري دولار، ما يذكر بموظف سوسييته جنرال الفرنسي الذي ضيع على البنك نحو 5 مليارات يورو عام 2008.
ربما لا يرى البعض رابطا بين حادث يو بي اس، ومشاكل البنوك التجارية الاوروبية المكشوفة على مخاطر الدين السيادي في دول على وشك التخلف عن سداد ديونها كاليونان وغيرها.
كما لم نربط عام 2008 بين انهيار ليمان براذرز، نتيجة انكشافه على مشتقات استثمارية تتعلق بالديون العقارية الرديئة في الولايات المتحدة وبين حادث سوسييته جنرال.
لكن ما يربط كل تلك الاحداث، ويعد العامل الاساسي في الانهيار المالي العالمي الذي ادخل اقتصاد العالم في ركود لا يبدو انه سيخر منه قريبا، هو ذلك المصطلح المثير "المشتقات".
تلك هي ادوات استثمار مبتكرة لتدوير سندات الدين، السيادي والتجاري، وتحقيق ارباح بنسب عالية تفوق كل ما في السوق وتمثل اغراءا للمستثمرين في القطاع المالي.
دائرة مفرغةبدأت الازمة المالية قبل اكثر من ثلاث سنوات بانهيار القطاع العقاري الامريكي وانكشاف البنوك ومؤسسات الاقراض على ديونه، وكانما اكتشف النظام المالي العالمي فجأة رداءة الديون العقارية مع انه هو الذي هندس كل تلك الديون واعاد تداولها مرارا بمشتقات وسندات توريق مختلفة.
واسقط في يد السوق الحر، الذي تقول الحكمة التقليدية انه يصلح نفسه بنفسه دون تدخل السلطات، وطلب مساعدة الحكومات.
وتدخلت الحكومات بضخ ما يربو الان على تريليوني دولار في القطاع المصرفي بانقاذ بنوك تفلس عبر شراء ديون معدومة كي لا ينهار "النظام".
ومع ان الحكومات لم تستشر مواطنيها في استخدام اموالهم (التي يدفعونها ضرائب ورسوم) لانقاذ البنوك والاسواق، الا ان الجميع ارتضى على مضض ان احدا لا يمكنه تحمل انهيار النظام.
فالانهيار سيضر بالجميع حكومات ومواطنين ومستثمرين، وظل الامل ان خطط الانقاذ يمكن ان تخرج الاقتصادات من عثرة الركود لتعاود النمو وتصلح نفسها مجددا.
لكن الواضح الان ان تلك الدائرة المفرغة لم تنكسر بحزم الانقاذ والتيسير الكمي ومختلف المسميات لتدخل الحكومات باموال المواطنين لمساعدة البنوك والمستثمرين في القطاع المالي.
فهل تنجح الجولة الاخيرة التي اعلنت عنها البنوك المركزية في امريكا واوروبا واليابان في وقف التدهور المالي والعودة للنمو، أي كسر الدائرة المفرغة؟
تصعب الاجابة على هذا التساؤل في ظل مؤشرات الضعف المستمر في الاقتصاد العالمي وشبه الكساد في الاقتصادات المتقدمة تحديدا.
ازمة اساسياتفالحكومات، وبنوكها المركزية، لا يمكنها الاستمرار في تقديم الدعم للقطاع المصرفي باستمرار.
فمنذ 2008، تكررت تلك العملية وفي كل مرة يقدر واضعو السياسات ان ما اعتمدوه يكفي ليحل المسكلة وينشط الاقراض ويدفع الاقتصاد للنمو.
وما ان تتوقف جولة حتى تبرز مشكلة تستدعي جولة جديدة من الدعم الحكومي للقطاع المالي.
لكن الان لم تعد الحكومات قادرة على ضبط ماليتها العام في ظل تفاقم الديون السيادية وعجز الميزانية.
والمشكلة منذ البداية، ان السياسيين في العالم عملوا بنصيحة مديري الاستثمار ومفادها ان النظام المالي العالمي يمر بازمة يصلحها دعم الحكومات ليعاود القطاع دوره كرافعة رئيسية للنمو الاقتصادي السريع.
وتغافل الجميع عن الخلل في اساسيات النظام المالي العالمي، ولم تتوفر الجرأة السياسية للتصدي لتلك المشاكل الجذرية واكتفى الجميع بالعمل "الترقيعي" للاصلاح.
لكن مع استمرار مشكلة الاساسيات ستنفجر بين الفينة والفينة ازمة جديدة شبيهة بالديون العقارية الرديئة والديون السيادية وغيرها.
وفي لحظة لن تستطيع الحكومات التدخل، فماذا ستكون النتيجة؟ يصعب التصور.
اهم تلك الاساسيات التي تحتاج الى جرأة غير متوفرة هي السماح "للنظام" بمعالجة نفسه، والتخلي عن قاعدة ان هناك بنكا او مؤسسة "اكبر من ان تنهار".
واذا سحبنا الامر من البنوك والمؤسسات المالية الى ميزانيات الدول، فيتعين الا يكون هناك بلدا "اكبر من ان يفلس".
لا تفعل اجراءات الدعم والمساعدات والاقراض سوى التغطية على العلل الاساسية، التي لا تتوقف عن العمل على خلق ازمة جديدة.
فلتترك البنوك المغامرة لتفلس، ولتترك الدول غير القادرة على سداد التزاماتها لتفلس.
حينئذ، يتخلص النظام المالي العالمي ـ ومعه الاقتصاد ـ من احدى الاساسيات المصابة بالخلل.
وذلك ايضا في صلب حرية السوق، خاصة وان تجاوز تلك الحرية بالتدخل الحكومي لا يمكن ضمان استمراره.