شهادة المشير غدا تحدد المشهد الأخير في محاكمة مبارك
لماذا ظل المشير صامتا ؟ لأنه وزير الدفاع والجيش أمن قومى، لماذا يصمت رئيس المجلس العسكرى الذي يدير البلاد ويعد اعتباريا القائم باعمال رئيس الجمهوريه؟ لان الكلام لن يجلب له وجع الدماغ فقط وأنما سيجلب مشاكل لم يتعودها طوال حياتة المهنيه التي تجاوزت الخمسين عاما قضاها كلها في سلك العسكريه والتي يحكمها مبدأ معروف للعسكريين ديمقراطية القرار وديكتاتورية التنفيذ.
محمد حسين طنطاوي النوبى الأصل ذو اللون الأسمر لكن لا يذكر تاريخه المكتوب وهو قليل فقد ساند أهالي النوبه في صدامهم مع الدوله لاستعادة حقوقهم المسلوبه منذ التهجير الأول والثاني.
وتولي منصبه الحالي علي أيدى الرئيس السابق حسنى مبارك فى ١٩٩١ لكن تاريخة العسكرى الذي يضم مشاركتة في خمس حروب – أربع منها ضد إسرائيل – كان من أسباب تعيينة وإستمراره كأطول وزير دفاع، حيث تخرج في الكلية الحربية سنة 1956 ثم كلية القيادة والأركان وشارك مباشرة في صد العدوان الثلاثي علي مصر.
وفي حرب 1967 وحرب الإستنزاف وحرب أكتوبر 1973 وكان قائد الكتيبه ١٦ بسلاح المشاة، وبعد الحرب حصل على نوط الشجاعة العسكري ثم عمل في 1975 ملحقا عسكريا لمصر في باكستان ثم في أفغانستان، ثم قائد الجيش الثاني الميداني (1987)، ثم قائد قوات الحرس الجمهوري (1988)، كما شارك في حرب تحرير الكويت1991.وكان وقتها رئيس هيئة العمليات.
وعندما إندلعت ثورة ٢٥ يناير ونزل الجيش إلى الشارع تطلع المصريون إلى المهمة المكلف بها بخبرات سابقة عندما نزل الجيش في أحداث يناير ١٩٧٧ وفي أحداث الأمن المركزي ١٩٨٦ وفي الإثنين وقف الجيش إلى جانب حماية الشعب ضد بطش الحكام وحتى عندما ظهرت مقاتلات الـ F16 في سماء القاهرة لم يفكر أى مصري بان الجيش غير مسارة وإنحاز للحاكم ضده لكن الوقوف يوما بعد يوم علي الحياد ما بين ٢٨ يناير إلى ١ فبراير وعدم تحريك الجيش إصبعا لإنهاء التمرد الذي تحول إلى ثورة تطالب باسقاط النظام كان مؤشرا لموقف الجيش وقياداته بالتحرك لإنهاء حكم مبارك الأب والإبن وأصدقاء الإبن.
وفي ١ فبراير أعلن الجيش موقفة بعدم إطلاق النار علي المتظاهرين ليغلق الباب في وجه مطالبة مبارك ورجاله لوزير دفاعه بإنهاء التمرد بأي ثمن كما ذكرت تسريبات نسب بعضها لرئيس الأركان سامي عنان الذي سيدلي بشهادتة غدا وان كان المجلس العسكرى نفىاها لاحقا.
وعقب حادث التعدي على المتظاهرين بالجمال والخيول ظهر المشير طنطاوي لاول مرة في ميدان التحرير في زياره ظاهرها تفقد القوات والشد على يديها لكن باطنها كانت رسالة لمجموعة الإفساد الموجوده الأن في طرة بان لا تعود للميدان مرة أخرى.
وأن الثورة في حماية الجيش والتسريبات تتحدث عن لجؤ مجموعة عز والوطني لمحاولة إجهاض الإنقلاب الذي إتضح بتخلي الجيش عن مبارك ورجاله والأكيد أن الثورة اذا قدر لها الفشل فان قيادات الجيش وأولها المشير كانوا سيتعرضون لمذبحة وربما واجهت لهم الإتهامات بالخيانه لرئيس الجمهورية الذي أقسموا على الإخلاص له منذ تخرجهم في كلياتهم العسكرية.
عشرين عاما قضاها طنطاوي وزيرا للدفاع إستطاع خلالها أن يغير من بناء القوات المسلحة في فترة خمول لحقت علي مشاركة القوات المصرية في حرب تحرير الكويت فتوسع الجيش في المناورات المشتركة مع جيوش عربية وأوروبية وأبرزها النجم الساطع التى تحولت إلى أكبر تدريب عسكري في منطقة الشرق الأوسط بمشاركة أكثر من عشر دول، كما وجه الجيش إهتماما خاصا للبعد الإستراتيجى للامن في الجنوب بمشاركة القوات المصريه في السودان حاليا واستطاع طنطاوي أن يكسر حصار المعونه الذي أرادته الإدارة الأمريكية طوقا لتكبيل القدرات العسكرية المصرية وبدءا من ١٩٩٦ عملت القوات مسلحة لتنويع مصادر السلاح كما إتجهت للتصنيع بانتاج مشترك للطائرة K8 والدبابات M1A1 وقبلها M13.
وإكتسب الجيش المصري شعبية نافست فترة تولي المشير الراحل عبد الحليم أبو غزالة والذى كان التحامه وقربة من الشعب سببا إضافيا للإطاحة به علي يد مبارك، فبناء الجيش تحول من قوات عسكرية دفاعية وهجومية إلى كيان تنظيمي يشبه الحكومة البديلة القادرة علي حمل أركان الدولة إذا تعرضت لضربة قاصمة فلا تسقط ودخل الجيش في الحياة المدنية بالمشروعات الإقتصادية التي استطاعت إلى جانب توفير الإكتفاء الذاتي للجيش في كل القطاعات إستطاعت أن تتحول تدريجيا لمنظومه داعمه للمجتمع المدني في قطاع الإسكان والزراعة والصحة.
وأصبحت القوات المسلحة مرادف للشفافية والثقة خاصة مع تصاعد مد الإفساد السياسي وسيطرة طبقة رجال الإعمال من غير الشرفاء على مقدرات الشعب المصري ووقوف الجيش وعلي رأسه طنطاوي ضد مخططات التوريث وضد إفساد النخبه المقربة ونهبها لموارد الدولة وعلى رأسها الأراضي التي لجأ الجيش لوضع يده عليها ليحميها من عمليات النهب والاستنزاف لصالح رجال الأعمال وإنشأ مدنا سكنيه ومشروعات إقتصاديه عليها تحت اشرافه.
لكن طنطاوى ربما لا يملك موهبة أبو غزالة في الظهور ومخاطبة الإعلام فعلى عكسة ظل صامتا طوال عشرين عاما لا يتحدث بطلاقة الا أمام جنوده في التدريبات والمناورات العسكريه.
ومن إقتربوا من شخصية المشير يميلون لتفسير صمته الأن وهو على رأس الكيان الذي يحكم مصر بانه ربما كان في بداية الأمر رغبة منه في أن ينأى بنفسه وبقادة الجيش عن أي إشارة تفسر بانهم طامعون في الحكم، فالسكوت من ذهب لكن إشتداد النقد الموجه للمجلس والهجوم القاسي كما يراه العسكريون على ادائهم منذ إبريل، مؤكدا وراء إلتزام المشير الصمت وتمسكه بانه القرار الأصوب لتجنب الدخول في مواجهات إعلاميه ربما تضر بعمل المجلس من جهة لكنها الأسوأ والتي قد تعرضه لتجريح بكل تأكيد لا يأمل بان يختتم تاريخه المهني الحافل به، ومن ثم فان شهادة طنطاوي اليوم والتى يتطلع لها الكثيرون بمثابة كلمة الفصل في تحديد مصير مبارك، شهادة طنطاوي اليوم تضع كل ما جمعة من ذهب الصمت طوال حياته ثمنا لمكانه ساميه يحتفظ بها عند المصريين وربما ليخلد اسمه عند كتابة تاريخ مصر المعاصر.
أميرة إبراهيم
عن التحرير