دموع هاني رمزي علي ما يحدث:
أنا مواطن قبطي أرفض أن يحميني أحد غير أخوتي المسلمين
حوار أجراه ـ علي بركه:
من طبيعة هاني رمزي المدير الفني للمنتخب الأوليمبي أنه يصغي أكثر مما يتكلم.. وإجابته تكون دائما محددة وشاملة وعلي قد السؤال كما يقولون.
وهو مواطن قبطي يفتخر بأنه مصري جاء من تراب هذا الوطن وهو ـ بصفة عامة ـ يكره الأحاديث الصحفية.
وكان طبيعيا بعد أحداث ماسبيرو المؤسفة أن يتولد في داخل صاحب أهم تجربة إحتراف مصرية في أوروبا الكثير من الأراء والأفكار التي تنم عن وجود احتجاج ما, وصرخات ما في أعماقه تصلني وتصلكم صداها.
قلت لهاني رمزي: أحداث ماسبيرو الأخيرة هزت كيان مصر من الداخل.. وأعطت للقوي المعادية فرصة تشويه مصر في الخارج.. وأنا أنتظر تعليقك! أجاب بكلمات محددة وقد غلبت عليه نبرة حزم شديد:
1- مازلت أؤكد أقباط مصر يرفضون أن يتدخل أحد في شئوننا.. ولكن المشكلة أن عددا لابأس به ـ بكل صراحة من أقباط المهجر تعودوا دائما علي أصطياد الأخبار السيئة فقط ليؤكدوا تعرضنا لاضطهاد ديني.
2ـ من واقع معايشتي للحياة في مصر وخارجها.. أقول إن نسبة المتعصبين من الجانبين المسلم والمسيحي لا تزيد علي1% علي أكثر تقدير.. فالتعصب موجود لدي أبناء كل طائفة.. وما يفعله بعض الصبية يعطي الفرصة لأقباط المهجر لأن يشنوا الحملات ويطالبوا بالحماية الدولية.. ونحن أول من يرفضها.. لأننا بإختصار علي قناعة بأن من سيحمي المسيحيين في مصر هم أخوتنا المسلمين, فهكذا يقول نيافة البابا شنودة ويؤكده واقع الحال في مصر.
3ـ عشت طفولتي وصباي كلها في حي عابدين الشعبي بقلب القاهرة.. كل جيراننا من المسلمين.. نحن أول من نزورهم في الأعياد وأول من يستقبل أطباق الحلوي منهم في رمضان.. ونحن نفعل الشيء نفسه في أعيادنا.. في عابدين عشت التسامح الإسلامي والمحبة المسيحية قولا وفعلا.. كلمة ابن بلد و صاحب صاحبه و أولاد منطقة واحدة لا تسمعها إلا في مصر.
4ـ بعد بدء مشواري الإحترافي بسويسرا بعدة أشهر.. أرسلت لأبي وأمي لكي يشاركوني حياتي الجديدة في أوروبا.. وفوجئت بأنهما وقد أصيبا بالإكتئاب.. والسبب أنهم وجدوا الجمود في العواطف, ولاحظا أن الجيران لا تود بعضها بعضا, وكل إنسان في حاله, حتي أن الجثة التي يتوفي صاحبها في شقته يتم أكتشافها بعد أيام طويلة لأن أحدا لم يعتد علي المودة والرحمة كما يحدث في مصر.. فكان أن قطعا رحلتهما وعادا الي مصر بعد عشرة أيام فقط, حتي أن ابي الذي توفي فيما بعد قال لي: خارج مصر ليس لي قبر وكذلك أمي التي تبكي ليل نهار علي ما يحدث من مناظر قتل وحرق لمصر التي تقول عنها انها لن تموت الا في مصر.
5ـ توقيت اثارة المشكلات دائما تثير عندي الكثير من علامات الاستفهام فقد تلاحظ لي ان البلد كلما تبدأ في الاستقرار والبناء اذا بمشكلة طائفية تافهة تتحول في زمن قياسي الي قنبلة موقوتة تحرق الكنائس وتشعل المشاعر فتكون ننتيجة ذلك احداث عنف لانعرف اولها من اخرها وهو ما يجعلني اجزم بوجود عناصر خارجية يهمها ان نضيع وتضيع معنا مصر.
6ـ كيف غاب عن المصريين من الجانبين إدراك ان الفتنة الطائفية اخطر من مواجهة اسرائيل لأن عدونا الخارجي نعرفه تماما أما في الداخل فلا نعرف اعداءنا.
.............................
أنساب سيناريو الحوار بيننا طبيعيا بعد فترة صمت لمحت فيها دمعة معتقلة ترفض عين هاني رمزي الافراج عنها.
>> سألته: ابنك الوحيد فابيو10 سنوات كيف تربيه؟
> يقول بهدوء وقد خفت نبرة صوته: أربي فابيو علي ان يتعامل مع الشخص الذي امامه علي كونه انسانا بغض النظر عن دينه أو لونه أو بلده وأطالبه بعدم الالتفات لأي تصرف غير مسئول ينتج من متعصب وليتنا جميعا نتبع نفس المنهج في تربية اولادنا
>> قلت: حدثني عن أشجانك ـ كقبطي نحو القدس؟
{{ قال بإطمئنان بالغ: لن أدخل مع كل أفراد أسرتي للقدس إلا مع أخوتي المسلمين عندما تصبح مدينة عربية.. فأنا لا أقبل أن أستأذن عسكري إسرائيلي لكي يسمح لي بالصلاة في كنيسة القيامة.
>> قلت: هل عانيت ـ بسبب الدين ـ لكي تثبت نفسك كلاعب أساسي في صفوف النادي الأهلي ومنتخب مصر؟
{{ قال هاني رمزي بحماس شديد: ربما حدث هذا مرة واحدة فقط.. فقد زارني أحد الأشخاص وأوضح لي أني لن أستمر بصفوف فريق16 سنة بالنادي الأهلي لأني مسيحي, وكان من نتاج ذلك أن أنقطعت عن المران ستة أيام كاملة, وفي اليوم السابع فوجئت بمدربي أنور سلامة يزورني ويسأل عن أسباب إنقطاعي.. ولما عرف السبب طالبني بمجاراة هذا الرجل الذي كان يريد ضمي لناد آخر منافس يعمل به كشافا.
>> سألته: وبماذا تعلل عدم وجود لاعبين مسيحيين بالمنتخبات الوطنية؟!
{{ أجاب بأسي: لابد من الاعتراف بوجود قلة قليلة من المدربين في قطاعات الناشئين ليسوا علي المستوي المرجو.. كما أن العائلات المسيحية تفضل دائما الدراسة وقصر المشاركة علي دوري الكنائس.. وكثيرا ما أجد مواهب كثيرة, فأسأل أولياء أمورهم عن سبب عدم إنضمامهم للأندية فيشيرون ـ خطأ ـ إلي خشيتهم من الإضطهاد.
>> قلت: هل أنت قبطي متدين أم قبطي فقط؟!
{{ أجاب بثقة: في طفولتي كنت خادما في الكنيسة ممن يؤدون الأعمال الخيرية لخدمة شعب الكنيسة.. وكان من طموحاتي أن أتدرج في مجال الكهنوت فأصبح شماسا فقسيسا.. وهكذا.. وطوال رحلتي الاحترافية خارج مصر كنت أحرص علي زيارة دير وادي النطرون.. وكانت كلمات الراهب مكسيموس تعطيني الراحة التي أنشدها.. ولا أذكر يوما أنه حدثني عن أنني قبطي بل كان دائما يوصيني بمصر, ويطالبني بمزيد من الالتزام لكي أرفع راية بلدي عاليا.
>> أسأل هاني رمزي عن رؤيته للخطاب الديني في مصر؟
{{ تسود لحظة صمت قبل أن يقول: أكتب بالحرف الواحد أن أسباب ما نحن فيه الآن هو الخطاب الديني من الجانبين المسلم والمسيحي.. فأغلب القنوات الإسلامية والمسيحية ليست علي مستوي المسئولية.. وتأثير الإعلام قوي جدا علي الناس.. وخذ مثلا أن المخرج التليفزيوني المصري لمباراة مصر وزيمبابوي قد أضاع علينا فرصة التأهل لكأس العالم بأمريكا عام94, وذلك عندما أبرز بالتفصيل الممل موضوع الطوبة التي سمحت لمدرب زيمبابوي أن يقوم بالتمثيلية التي أعادت المباراة وأضاعت جيلا كاملا من اللاعبين.
>> لو أتيح لك أن تقترح حلولا لمشاكل الأقباط في مصر.. ماذا تقترح؟
(هكذا سألت).
{{ وهكذا أجاب هاني رمزي: لابد من توحيد قوانين دور العبادة.. فيجب ألا توضع معوقات في بناء الكنائس مثلما الحال في بناء المساجد.. ولابد من المساواة في معاقبة المخطئ.. وأن يكون أختيار المسئولين في المناصب العليا تبعا للكفاءة وليس الديانة.. المهم هو أن يشعر الجميع بالمساواة.
....................
تتفق أو تختلف مع رؤي هاني رمزي.. هذا متروك لحكمك, لكنه قال رأيه بأمانة تامة وموضوعية مطلقة.
وقد قال لي في نهاية الحوار:
ليتنا نراعي ربنا في صورة مصر أمام الدنيا.. مصر لا تستحق منا أن نفعل فيها هذا.. ليتنا ننسي كلمة مسلم ومسيحي.. لو لم نتحد الآن ستضيع منا مصر.. لا أحد سوف يربح.. كلنا خسرانين.. سنعيش جميعا في هذه البلد و.. سنموت فيها.
الأهرام