القاهرة - منال علي
على عكس الاعتقاد الشائع بأن النوم أو الغفوة التي يأخذها الصغار أثناء النهار هي سلوك طبيعي تلقائي، أدرك العلماء أنها سلوك معقد وخليط من البيولوجية الشخصية للطفل والتوقعات الثقافية وديناميكية الأسرة.
ودائماً ما يتساءل الآباء عن الساعات التي يجب أن ينامها الطفل، وحاول العلماء إيجاد إجابة لهذا السؤال لعقود طويلة قد ترجع لما يقارب القرن من الزمان عندما حاول علماء أوروبيون في العقد الأول من القرن العشرين قياس أنماط النوم عند الأطفال، ومن هنا بدأ القلق من عدم تمتع الطفل بقدر كاف من النوم.
تعدد العوامل المؤثرة على نوم الأطفال
واعتقد الباحثون أن الأطفال الصغار ينامون لأن ما يسمى بضغوط النوم تتراكم بسرعة في المخ، أي أن الحاجة للنوم تتراكم بسرعة جداً أثناء ساعات اليقظة مما يجعل الغفوة تمثل ضرورة بيولوجية لديهم، كما وأنه وبسبب النشاط المركز المتشابك لأعصابهم الذي يزيد في عقلهم على النشاط يكون الأطفال الصغار أقل قدرة على تحمل فترات طويلة من اليقظة.
وافترض عالم الصيدلة الدكتور ألكسندر بوربلي من جامعة زيورخ بسويسرا في بداية ثمانينات القرن الماضي منظومتين لتنظيم عملية النوم، وأطلق على المنظومة الأولى اسم "Circadian process" وهي تفترض وجود "سلعة" في رأس الإنسان
تربط نومه بجدول يتبع الضوء والظلام بصرف النظر عن الوقت الذي يبقى فيه الشخص متيقظاً أو نائماً.
وهذه العملية تتفاعل مع منظومة أخرى تعرف بـ"homeostatic process" وتعمل بشكل مختلف بحيث تحث الشخص بقوة على النوم كلما ظل فترات طويلة متيقظاً.
وصرح أخصائي الأطفال بمستشفى الأطفال الجامعية بزيورخ الدكتور أوسكار جني: "لهذا فرغبة الطفل في النوم تحدث كثيراً لأن الأطفال تتكون لديهم ضغوط وهم لا يحتملون البقاء متيقظين لفترات طويلة".
تتغير ساعات النوم مع العمر
وينام الأطفال الرضع بين فترات الرضاعة لوقت قصير بشكل عام سواء ليلاً أو نهاراً، ومع الوقت ينام الأطفال ليلاً بشكل أطول ويتيقظون في نشاط في الصباح الباكر، ثم يأخذون إغفاءة الصباح ليتيقظوا مرة أخرى للعب والطعام ثم يتبعون ذلك بنوم فترة بعد الظهر.
وأحياناً ما تتجمع فترتي نوم النهار إلى واحدة بعد العام الأول للطفل وغالباً ما تكون في نهاية الصباح وبداية الظهيرة، ومع وصول الأطفال لسن الدخول الى المدرسة يبدأ معظمهم في مقاومة غفوة النهار، الأمر الذي يؤرق الآباء ويجعلهم يجاهدون لدفع أطفالهم لأخذ غفوة الظهيرة.
وتتسبب هذه المشكلة في بعض الأحيان بإفساد برنامج الأبوين اليومي وكثيراً ما تعاني الأسر من حالات الغضب والبكاء المتواصل للطفل بسبب شعوره بالتعب نتيجة عدم أخذ فترة قيلولة أثناء النهار.
وبوصول الطفل لسن الخامسة، يقلع حوالي 80% منهم عن إغفاءة الظهيرة، وسجلت دراسة كبيرة شارك فيها الدكتور جني تناقصا في فترات غفوة النهار في مقابل زيادة واستمرارية فترات نوم الليل مع تقدم الأطفال في العمر لتصل إلى حالة من الاستقرار عند سن العاشرة.
وفي دراسة حديثة، قامت عالمة النوم بجامعة كولورادو الدكتورة مونيك ليبورجويز بإيجاد علاقة بين تأثير النوم على استجابة الطفل في أوقات يقظته وذلك بسبب إفراز هرمون معين عند استيقاظ الطفل من نومه.
وقالت: "الأطفال الذين يشعرون بالنعاس لا يتمكنون من التوافق مع التحديات اليومية في عالمهم. فعندما يحرم الطفل من هذه الغفوة يكون أقل إيجابية وتقل لديه قدراته المعرفية."
إذاً فإن سلوك الأطفال هو نتاج توقعات أسرية وثقافية بالإضافة لتعقيدات بيولوجية تتغير مع نمو الطفل.
العربية نت