حروب كرة القدم.. من ديكتاتورية هتلر.. إلي ثوريـة الألتـراس
اشراف:محمد فاوي
اسمه وليام بيل شانكلي أو الأسطورة الرياضية بيل شانكلي ويعد هذا الرياضي الراحل أسطورة كروية تاريخية كبيرة في بريطانيا علي وجه التحديد.
وكيف لا وهو واحد من أشهر من اداروا فريق ليفربول الإنجليزي العريق( الذي تأسس في عام1892) وذلك خلال الفترة من بين عامي ألف وتسعمائة وتسعة وخمسين, وألف وتسعمائة وأربعة وسبعين.
مقولة الأسطورة
ولهذه الأسطورة الكروية مقولة, يعتبرها مؤرخو تاريخ الكرة العالمي من الأقوال الكروية المأثورة, تقول هذه المقولة أن بعض الناس يعتقدون أن كرة القدم مسألة حياة أو موت, ولكني أؤكد لكم أن كرة القدم أكثر أهمية من هذا بكثير جدا
هذه المقولة التي نسبت إلي شانكلي قبيل وفاته بفترة قصيرة, وبالتحديد خلال عام ألف وتسعمائة وواحد وثمانين, تبرز الدور الذي باتت تلعبه الساحرة المستديرة في حياتنا المعاصرة بوصفها اللعبة الشعبية الأولي علي مستوي العالم باسره. وقد برهن التاريخ المعاصر حسب تقرير لمحطة( سي.ان.ان) ـ عن الكرة والسياسة العالمية ـ علي ان دور هذه اللعبة أكبر بكثير من قصة رياضة ومشجعين.
فقد أثبتت لعبة كرة القدم ـ التي ترجع جذورها الأولي إلي ما قد يزيد علي مائتين وخمسين سنة قبل الميلاد ـ ان في وسعها لعب دور سياسي ليس فقط علي مستوي الأمة الواحدة, وانما كذلك علي مستوي العالم كله. فالتاريخ يقول لنا: إن هذه اللعبة الشعبية شاركت ضمن عوامل أخري في إلهاب ثورات, وفي تأجيج حروب, وفي اشاعة السلام والرقي.
حروب كرة القدم
لن ينسي التاريخ السياسي العالمي ما يسمي بحرب كرة القدم التي اندلعت بين هندوراس والسلفادور في عام ألف وتسعمائة وتسعة وستين, وذلك عندما دخلت هاتان الدولتان في صراع عسكري لمدة مائة ساعة وهو الصراع الذي فاقمته منافسة كروية بينهما وصلت إلي ذروتها في مباراة جرت بين فريقي البلدين في إطار تأهلهما لنهائيات كأس العالم لعام ألف وتسعمائة وسبعين.
والذي حدث أنه خلال عام ألف وتسعمائة وتسعة وستين, كانت المشكلات السياسية قد تفاقمت بين هاتين الدولتين, وهي مشكلات كانت تتعلق بالدرجة الأولي بقضية الهجرة من السلفادور إلي هندوراس. ثم حدث ان اندلعت أعمال شغب خلال لقاء فريقي البلدين في إطار تصفيات كأس العالم, بصورة دفعت الجيش السلفادوري إلي شن هجوم عسكري علي هندوراس في الرابع عشر من يوليو من عام ألف وتسعمائة وتسعة وستين.
واستمرت المعارك بين الجانبين لمدة أربعة أيام متتالية, وقد تطلب الأمر تدخل منظمة الدول الواقعة في قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية لحسم هذا الصراع المسلح, هو ما اسفر في نهاية المطاف عن التوصل إلي وقف لإطلاق النار بين الدولتين في العشرين من يوليو من عام ألف وتسعمائة وتسعة وستين, ومن ثم انسحاب قوات السلفادور من هندوراس في أوائل شهر أغسطس من ذلك العام الذي كان عصيبا بالنسبة للبلدين.
صدام الكرة والسياسة
وبالتأكيد لم تكن تلك هي المرة الأولي, والأرجح انها لن تكون الأخيرة التي يتصادم فيها عالم كرة القدم مع عالم السياسة بشكل يؤدي إلي نتائج قد تكون وخيمة علي نحو قد لا يتخيله عقل. فالزعيم الفاشستي الراجل بينيتو موسوليني ـ الذي حكم إيطاليا خلال الفترة ما بين عامي ألف وتسعمائة واثنين وعشرين وألف وتسعمائة وثلاثة وأربعين ـ كانت له صولات وجولات في استغلال لعبة كرة القدم في ممارساته السياسية الفاشستية.
فقد كان نظام الدوتشي الفاشستي موسوليني مصمما علي استغلال نهائيات بطولة كأس العالم التي جري تنظيمها في إيطاليا خلال عام ألف وتسعمائة وأربعة وثلاثين للترويج ولاستعراض الفكر الفاشيستي فيما كانت الساحة العالمية تغلي ببدايات الحرب العالمية الثانية. وعمد موسويليني إلي بناء نصب تذكاري عملاق بهذه المناسبة للدعاية لبلاده ولعقيدتها الاستعمارية الفاشستية.وتقول كتب التاريخ الرياضي ان موسوليني تدخل حتي في اختيار حكام المباريات كي تفوز بلاده بهذه البطولة الكروية في نهاية المطاف.ويقال ان موسوليني كان يهدد رجال الفريق القومي الإيطالي بالموت إذا لم تحز بلاده علي هذه البطولة, وتردد انه قبل كل مباراة من مباريات تلك البطولة كان يجري توجيه رسائل تهديد للاعبي الفريق من قبل هذا الطاغية. وكان موسوليني يصف هذه الرسائل بانها رسائل تشجيعية. ويقال انه خلال اللقاء الكروي الذي جري بين إيطاليا وأسبانيا, بعث موسوليني برسالة للفريق الإيطالي يقول نصها اسحقوا الأسبان والا فالويل لكم وقد جاء جانب من هذه القصص المثيرة في كتاب يحمل اسم قصص كأس العالم الذي عرضته هيئة الإذاعة البريطانية في برامجها, وكانت الفضيحة الكروية الكبري ابان هذه البطولة متمثلة في مباراة إيطاليا مع النمسا التي انتهت بفوز الفريق الإيطالي علي الفريق النمساوي بهدفين مقابل هدف واحد لفريق النمسا, ثم تبين بعد ذلك انه جري الاتفاق بين النظام الإيطالي الفاشستي وحكم المباراة علي نتيجة هذه المباراة مسبقا أو هكذا قيل. وقد وصفت ممارسات الحكم خلال هذه المباراة بانها لم يكن يتخيلها عقل, إذ كان وصل به التحيز إلي حد قيامه بنفسه بتمرير كرات إلي لاعبي الفريق الإيطالي!
هتلر والساحرة المستديرة
ولعل ما فعله الزعيم الناري أدولف هتلر ـ الذي حكم ألمانيا خلال الفترة ما بين عامي ألف وتسعمائة وثلاثة وثلاثين وألف وتسعمائة وخمسة وأربعين ـ مع الفريق الكروي القومي النمساوي في عام ألف وتسعمائة وثمانية وثلاثين لم يكن أقل غرابة. فقد كان الفريق القومي النمساوي واحدا من أكبر فرق كرة القدم في العالم آنذاك, وعندما تمكن جيش النازي من ضم النمسا إلي ألمانيا أجبر هتلر النمسا علي الانسحاب من بطولة كأس العالم, وعلي ضم الفريق النمساوي إلي ألمانيا. وفي عام ألف وتسعمائة وثمانية وخمسين, رفض لاعبو الكرة الجزائريون الذين كانوا يلعبون في الدوري الفرنسي الانضمام إلي الفريق القومي الفرنسي خلال بطولة كأس العالم التي جري تنظيمها في السويد في تلك الاثناء, وذلك احتجاجا علي الاستعمار الفرنسي لبلادهم, بل وقرر هؤلاء اللاعبون الفرار من الأراضي الفرنسية وشكلوا فريقا قوميا جزائريا في خطوة رمزية علي طريق استقلال بلادهم في أوائل حقبة الستينيات من القرن المنصرم.
وخلال بطولة كأس العالم التي أجريت في عام ألف وتسعمائة وأربعة وسبعين, تابع العالم أعجب مباراة في هذا الوقت الا وهي التي كانت بين فريقي ما كان يعرف بألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية والتي انهت بفوز فريق ألمانيا الشرقية, وقد كان الصراع السياسي والايديولوجي حاضرا بقوة خلال تلك المباراة, إذ كانت الحرب الباردة مازالت علي أشدها بين القوتين العظميين وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق. وقد جري بالطبع استغلال المباراة في المزيد من تأجيج تلك الحرب الباردة أبشع استغلال.
دبلوماسية كرة القدم
ولكن في المقابل, يقول لنا التاريخ أن كرة القدم استغلت في أحيان كثيرة كحمامة سلام لاصلاح ذات البين بين العديد من دول العالم المتصارعة لدرجة أن هناك ما يمكن وصفه بمصطلح جديد جري صكه في العلوم السياسية الا وهو مصطلح دبلوماسية كرة القدم وهو المصطلح الذي يقصد به استغلال شعبية هذه اللعبة في بناء صروح من النوايا الحسنة بين الشعوب كما حدث خلال عامي ألفين وثمانية وألفين وتسعة بين تركيا وأرمينيا وذلك عندما عمد زعماء البلدين إلي حضور مباريات تأهيل فرقتيهما إلي نهائيات كأس العالم بعد قرن كامل من العداء التاريخي المرير بينهما اثر مقتل مئات الآلاف من الأرمن والأتراك خلال الحرب العالمية الأولي.
جماعات الألتراس
وربما لا تذكر علاقة كرة القدم بالسياسة إلا ويذكر ما يعرف بجماعات الألتراس وكلمة ألترا هي كلمة إنجليزية تعني شخص متطرف وهذا معني الكلمة كاسم, أما الكلمة كبادئة فهي تعني بالعربية فوق أو مسرف أو مغالي في أو فائق.
وتقول موسوعة ويكيبيديا عن الألتراس أنهم فئة من مشجعي الفرق الرياضية المعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها, وتشكل دول أوروبا وأمريكا الشمالية أهم معاقلها الرئيسية, وقد جري تشكيل أول فرقة التراس في عام ألف وتسعمائة وأربعين في البرازيل, ثم سرعان ما انتقلت فكرتها إلي الأقطار الأوروبية, وتميل هذه المجموعات إلي استخدام الألعاب النارية والأغنيات والهتافات الحماسية لتعزيز موقف فرقهم.
وهناك ما يمكن أن يسمي بعقيدة الألتراس والتي يقصد بها مجموع المباديء العامة التي عادة ما تكون شائعة عند كل فرق الألتراس في شتي انحاء المعمورة ومنها: العداء الشديد للسلطات الأمنية لأنها تشكل بالنسبة لهم قيدا كبيرا علي حريتهم في تشجيع فرقهم, كما أنهم لا يحبون الظهور في وسائل الإعلام علي الاطلاق أيا كان نوعها, فهم يناضلون مثل جيفارا أي من أجل نجاح فرقهم بدون انتظار شهرة أو مال أو نفوذ أو سلطان. كما أنهم شديدو التماسك فيما بينهم, فهم بمثابة خلية نحل هائلة الفرد فيها يذوب في الجماعة ولا صوت فيها يعلو علي صوت صالح الفريق. كما أن هذه الجماعات عادة ما تكون نظيفة اليد, إذ أنها ترفض الحصول علي أية أموال من أية جهة حتي النوادي نفسها التي عادة ما تكون خزائنها مليئة بالملايين أو بالمليارات من الدولارات. وعادة ما يجعل الالتراس من أنفسهم وقودا لنصرة القضايا السياسية العادلة, وسوف يذكر التاريخ انه كان لجماعات الألتراس دور كبير في انجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير خاصة ابان موقعة الجمل التي كانت نقطة فاصلة في هذه الثورة إلا أنهم يقولون انهم أكبر من أن يتاجروا بهذا الدور لتحقيق مصالح سياسية ضيقة.
الأهرام المسائى