يبدو أن حالة الاستنفار السياسي من الأوضاع الحالية للبلاد، لم تتوقف إلى حد
المشاهد العادى ولكن آثارها امتدت إلى الإعلاميين أيضًا، الذين دفعتهم مشاعرهم تجاه
الوطن للخروج عن الصمت، والتعبير عن أرائهم بحرية، اعتبارًا بأن تليفزيون الدولة هو
في وجهة نظرهم "تلفزيون الشعب" الذي لا يمكن فرض السيطرة عليه.
الواقعة
الأولى كانت مع الإعلامية هالة فهمى، إحدى مذيعات ماسبيرو المعروفة بمواقفها
الثورية وانتقادها لسلبيات الدولة، ففي حلقاتها الأخيرة من برنامج "الضمير" على
القناة الثانية، خرجت هالة حاملة لكفنها على أيديها، وتم قطع الإرسال عليها ومنذ
شهرين تم منعها من الظهور بدعوى أنها تأخرت عن موعد الحلقة، رغم أن هذا لم يحدث
وقدمت فهمى أدلتها على ذلك أهمها دخولها مبنى ماسبيرو، مؤكدة أن كاميرات الأمن رصدت
لحظة دخولها في موعدها.
وكعادتها، تستمر الإعلامية بثينة كامل التى منعت
سنوات طويل من العمل بمبنى التلفزيون في العهد البائد في ثوريتها، حيث خرجت مؤخراً
في النشرة الإخبارية وقالت عبارة "نتابع النشرة الإخوانية، وقبلها بفترة قليلة سمع
صوتها خلال قراءتها النشرة وهى تقول "شالو ألدو حطوا شاهين" وذلك عقب تقرير إخباري
كان يذاع عن تعيين مدير أمن جديد لـ سيناء وهو ما كان خارج سياق النشرة.
ورغم تحفظ خبراء الإعلام على التزام الإعلاميين بمهنيتهم وحياديتهم، إلا
أنهم تعاطفوا مع واقعتى بثينة كامل وهالة فهمى، مؤكدين أن الضغط السياسي الذى تعيشه
جميع طوائف المجتمع قد يدفع البعض للخروج على موضوعيته.
الدكتور ياسر
عبدالعزيز، الخبير الإعلامى، يري أن النظام الإعلامى في أى دولة هو تابع وليس رئيس،
وأن الهشاشة السياسية والتخبط والرؤية المشوشة لدى السلطة التنفيذية بالتأكيد
ستنعكس على الممارسات الإعلامية بسبب القرارات العشوائية التى أحدثت انقسامًا
شعبيًا وقال: الممارسات الحادة التى تظهر في الإعلام حالياً ماهى سوى تعبير عن حالة
التخبط التى وصلنا إليها، بمعنى أدق أن الارتباك السياسي الذى وصلنا إليه قد يفقد
الإعلام اتزانه.
وأضاف عبد العزيز: نحن نطلب من الإعلاميين الممارسة
المسئولة والمنضبطة لكن في الوقت ذاته ندعو السلطة التنفيذية لرفع يديها الغليظة عن
رقبة الإعلام لأن كل ممارسة سياسية تتسم بالطغيان ستنعكس في ممارسة إعلامية تتسم
بالحدة.
ومن جانبه، يرى الدكتور محمد الباز، أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس،
أن وضع الإعلام حالياً استثنائي، وقال: يمكن أن نقول أنهم هؤلاء المذيعات غير
موضوعين في أدائهم ولكن بالأساس أريد أن أطرح تساؤلاً: هل سياسة التلفزيون موضوعية؟
بالطبع لا، وإلا ما كانوا لجأوا للتعبير عن رأيهم الشخصي، حيث إنهم يعانون من ضغوط،
فأحد مكاسب الثورة أن يمارس الإعلام دوره بحرية ولكن هذا لا يحدث حالياً في عهد
الإخوان.
ويستكمل الباز: خروج الإعلاميين عن شعورهم نتيجة للضغط المتزايد
لأنهم يريدون أن يجعلوا الإعلام على كيفهم مثلما حدث في واقعة حمدين صباحى، وإن كان
سابقًا كان هناك إحساس بوجود حكومة مستبدة، فمن المفترض أن يكون ماسبيرو حالياً
تلفزيون الشعب، ويجوز أن تكون واقعة بثينة غير موضوعية لأنها في إطار نشرة إخبارية
ولكن في النهاية هذا جاء تحت ضغط تحديدًا أثناء مليونية جامعة القاهرة، حيث كانت
هناك 9 كاميرات تنقل الحدث.
وبسؤال الباز، عما إذا كان يحق محاسبة هؤلاء
الإعلاميات على مواقفهم قال: هذا أمر يتبع الجهة الإدارية ولكن في النهاية من هى
الجهة التى ستقوم بالتحقيق، فنحن للأسف نعيش في مناخ يشوبه الفوضي.
أما
الإعلامية هالة فهمى، مقدمة برنامج "الضمير" أكدت أنه ليس من حق أحد أن يوقفها عن
العمل، خصوصاً وأن التلفزيون المصري هو بالأساس تلفزيون الشعب، حيث قالت: ليس من حق
أحد أن يفرض قيوده على التلفزيون المصري، فمن الممكن أن يحدث ذلك بالقنوات الخاصة،
لكن ماسبيرو في النهاية هو "ملك الشعب" وهو ما يعنى أنه لا يجوز قطع البث على بأى
حال من الأحوال، ومن حقي أن أخرج على جمهورى وأقول لهم ما أشعر به.
وأضافت
فهمى: من حق جمهورى على ألا أخطأ بالتلفظ بعبارة خارجة، ولكن في النهاية لابد أن
أكون مع الشعب، وعندما خرجت بكفنى على الهواء جاءتنى الفكرة قبلها بثلاث ساعات فقط،
حيث أننى كنت قبلها مشحونة كثيراً بما أشاهده من مشاهد بميدان التحرير، وفكرت
كثيرًا في أن أخرج على جمهورى بشىء قوى ومصدق، وهنا جاءتنى فكرة "الكفن"، ومن وجهة
نظرى أن المذيع الناجح هو الذى يخرج بطبيعته لكى يصدقه الجمهور، ولا يعيننى ما
سيفعلونه بي فصوت الحق دائمًا عال.
عن بوابة الاهرام
سارة نعمة الله