ثورة الفجأة
=====
ثروت الخرباوى
صدق أو لا تصدق!! أحاول فى الأيام الأخيرة أن أهرب من الحديث عن الإخوان، إلا أنهم مثل القط الذى يثير المشاكل فى بيتك، فإذا حملته للتخلص منه فى أبعد مكان ممكن إذا بك تفاجأ به عند عودتك للبيت متربعاً على الكنبة الوثيرة التى اعتاد الجلوس عليها وخربشها بأظافره الحادة، كيف عاد وكيف اقتحم البيت مرة أخرى، عِلْمُ هذا عند الله، له فى خلقه شؤون، ولنا فى الإخوان شجون بعد أن أصبحوا فى حياتنا كلصقة بالغراء،
لا أريد أن يتصور أحدكم أن كلماتى هذه هى بمثابة جر شكل الإخوان، إذ كنت قد نويت فعلا فى مقالى الأول لـ«المصرى اليوم» أن أبتعد عن الشر حتى لو اضطررت للغناء له، ولكننا فى هذه الأيام نشهد الذكرى الثانية للمأسوف عليها ثورة يناير، لذلك كان ولابد أن نتحدث عن الإخوان بحسب أنهم الآن يجلسون على الكرسى نفسه الذى جلس عليه كل الفراعين المستبدين، ويبدو أن للاستبداد عدوى ليس لها تطعيم، ولذلك وجب الحديث عن الإخوان والثورة.
يقول البعض بصيغة التأكيد بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير إن الإخوان يسعون دائماً إلى ابتلاع الثورات، يدخلونها فى دور الكومبارس، ثم سرعان ما يحصلون على دور البطولة فيها، فشلوا فى هذا فى ثورة يوليو ولكنهم نجحوا فى ثورة يناير، فهل ابتلعوا ثورة يناير بالفعل؟ ويقول البعض الآخر إن الإخوان ضد التحالفات الوطنية وإنهم لا يستمرون فى تحالف أبداً، لأنهم دائماً وأبدا يبحثون عن مصالح تنظيمهم التى قد تكون أعلى عندهم من مصالح الأمة لذلك فهم الذين يبدأون فى الاصطدام واللدغ وفض التحالفات ويُذيقون الآخرين من هذه الكأس مرات ومرات، وأظن أن مصر كلها عرفت مؤخراً أن هذا صحيح؟
أما الإجابة عن السؤال الأول فهى صحيحة فى معظم الأحيان، ولكى نسبر غور الإخوان ونظرتهم للثورات ينبغى أن نفهم طبيعة ثورتنا، فكما يقول الجميع: لم يكن أحد يتوقع أن تقوم ثورة فى مصر!! والذين لم يتوقعوا الثورة إما أنهم فقدوا الثقة فى الشعب وظنوا أنه سيظل مخدراً غائباً عن الوعى الوطنى، وإما أنهم بالغوا فى قوة النظام الضعيف، ولكن الثورة رغم الدهشة التى أصابت الجميع كانت تـُخفى نفسها تحت جبل جليد وهمى، وكما يقول علماء الاجتماع: «إن أعظم الثورات هى التى تنجح فى إخفاء لهيبها»، وكما أن هناك موت الفجأة الذى يستعيذ منه الصالحون فهناك ثورة الفجأة التى يستعيذ منها الحكام.
إذن هل يستطيع أحدنا تلخيص قصة الإخوان مع ثورة الخامس والعشرين من يناير فى كلمة أو فى كلمتين، سيضطر حتماً كاتب المقال إلى القيام بهذا التلخيص لذلك أقول: اتفق أو توافق الإخوان مع المؤسسة العسكرية وتعلموا من درس ثورة يوليو، إلا أن الإخوان الذين وصلوا للحكم بعد الاتفاق مع المجلس العسكرى وقعوا فى خلافات جمة مع البسطاء من أفراد الشعب ومع معظم أو كل القوى السياسية الثورية والإصلاحية، وقد غاب عن الإخوان أن الاختلاف فى عالم السياسة وارد إلا أن الخلاف مع بسطاء الشعب والوقوف منهم ومن القوى السياسية المختلفة موقف العداء هو بمثابة انتحار سياسى، وأكبر دليل على أنهم على وشك الانتحار أنهم لم يستعيذوا من ثورة فجأة قد تداهمهم وتقوض عرشهم قريباً.
المصرى اليوم