النساء والجاسوسية
جميلات يعدن رقصة سالومي القاتلة
لهنّ – شيرين صبحي
يحفل التاريخ بالنساء الخائنات أمثال استر ولولا مونتيز والجميلة اوتيرو ودليلة وسالومي صاحبة أول رقصة ستربيتز في التاريخ، أما في القرن العشرين وبالتحديد في بداياته ظهرت أشهر جاسوسة في التاريخ وهي "ماتا هاري"، وتوالت قصص الجاسوسات والفضائح التي هزت دولا وكادت أن تنال من عروش.
ماتا هاري.. زهرة متوحشة في صقيع أوروبا
استطاعت ماتا هاري، كما تروي سلمى قاسم جودة في كتابها "الحريم والسلطة" الصادر عن سلسلة "أخبار اليوم"، أن تعيد إلى الحياة رقصة سالومي المميتة التي كان ثمنها رأس النبي يحيي، أما ماتا هاري فكان الثمن رؤوس وزراء وسفراء وعروش ودول وفي النهاية رأسها..!
ولدت مارجريتا زيلي الشهيرة بـ "ماتا هاري" أواخر القرن الماضي في هولندا وتزوجت وأنجبت وهي لا تزال في مرحلة الصبا، وكان انتقالها مع زوجها الضابط إلى جاوة في إندونيسيا بداية التحول في حياتها حيث انبهرت بالشرق وتعلمت الرقص الشرقي وتحولت إلى راقصة شرقية بعد موت ابنها الصغير وانصراف زوجها عنها.
رحلت إلى باريس عام 1903 تحت اسم "ليدي ماكلويد" لكنها عوملت كامرأة للبيع وبدلا من الاستسلام، تخلت عن شخصيتها الأوروبية وتقمصت شخصية أميرة، ثم راقصة من الشرق وعادت إلى باريس باسم "ماتا هاري" التي تعني بالماليزية "عين النهار" وألفت سيرة حياة جديدة اعتبرت فيها مولدها في أقصى الشرق، واحترافها الرقص منذ طفولتها.
ماتا هاري
حين وقعت الحرب العالمية الأولى ، كانت ماتا هاري في منتصف الثلاثينات ووجدت نفسها بلا مورد، حيث انتهى عقدها كراقصة في ملهى ليلي، ووضعت حراسة على أموالها، فعادت إلى وطنها لتجد أمامها قنصل ألمانيا، يوهمها بأنه ما زال يعيش في جو أسطورتها القديمة ومسارح باريس، وتم تجنيدها على يده ضد الفرنسيين وطلب منها العودة إلى باريس.
وقعت ماتا هاري في حب ضابط روسي وقررت أن تتزوجه، ومن أجل أن توفر المال اتصلت بالمخابرات الفرنسية وأصبحت عميلا مزدوجا.
اكتشف الفرنسيون أمره ماتا هاري بوشاية، فاعتقلت، وحوكمت لمدة شهور، تخلى عنها أثناءها كل من عرفتهم، وأعدمت ماتا هاري رميا بالرصاص عام 1917 قبل انتهاء الحرب العالمية الأولى.
بعد مرور 90 عاما وفي يوم 16 أكتوبر عام 2007 صدر بيان عن إذاعة هولندا العالمية يقول:
"بالرغم من تنفيذ الحكم بإعدامها منذ اكثر من 90 عاما، إلا أن ماتا هاري لا تزال حاضرة، فقد ساد التخمين لسنوات بأن تكون ماتا هاري حقا جاسوسة مزدوجة، ففي خلال الحرب العالمية الأولى. تتجسس لصالح الفرنسيين ولصالح الألمان معا. في العام 1917، صدر في حقها حكم بالإعدام بعد محاكمة لم تدم طويلا، وذلك بتهمة التجسس للألمان.
وقد ألف الروائي توماس روس كتابا عنها أعلن فيها براءتها بعد أن اطلع على كتب وأرشيف في كل من ألمانيا وانجلترا، فيقول "في الواقع، ليس استنتاجي مذهلا، إذ ان المحكمة الفرنسية التي أصدرت في حقها عقوبة الإعدام، أشارت مباشرة بعد إعدامها إلى أنها لم تكن تمتلك ضدها أدلة كافية. كانت تنام مع العساكر الألمان وتجلب المال من هنا وهناك. هذا كل شيء. لم تقترف إثما"..!
فكل الذين قبضوا عليها وحاكموها، وحاوروها أو أدانوها، بينهم أصدقاء مقربون منها لطالما سهروا وقضوا معها أياما، سجنوها وهي لا تصدق أنها ذاهبة إلى الزنزانة رقم 13 في سجن سان لازار قرأوا عليها أدلة تدينها بالتجسس لحساب الألمان، ولم تكن أدلة تكفي لإعدامها الذي صادف يوم الخامس عشر من سبتمبر (أيلول) 1917، وحين لم يكن لديها ما تدفع به عن نفسها التهم، ظلت تردد " اعترف بماذا؟ ليس هناك ما يثقل ضميري حتى اعترف. سيتبين لكم فيما بعد، أنكم أعدمتم بريئة ".
وحين أرادوا عصب عينيها، قالت لست جبانة.. ثم هوت إلى الأرض بعد إطلاق النار عليها.
كريستين كيلر.. الغانية الصغيرة
جون برفومو وكريستين كيلر
كانت كريستين كيلر ذات العشرين ربيعا صاحبة وجه ناعم رقيق يحتفظ ببراءته، وجسد مفعم بالأنوثة، هي صاحبة اشهر فضيحة هزت بريطانيا، حيث تسببت في استقالة عشيقها وزير الحربية حينذاك "جون بروفومو" بل وأسقطت حكومة ماكميلان.
اكتشف طبيب يدعى "ستيفن وارد" كريستين فبهره جمالها وقدمها للوزير الذي كان يهوى الجمال فقد كان متزوجا من نجمة سينمائية مشهورة بفتنتها، وعندما رأى كريستين لم يستطع أن يقاوم الرغبة في استعادة الزمن المفقود.
في أثناء الحرب الباردة أقامت كريستين علاقة مع ضابط روسي يدعى "ايفانوف" ملحق بالسفارة الروسية بلندن، ولكنه في الحقيقة ضابط مخابرات، استطاع أن يستغل علاقتها مع الوزير في الحصول على معلومات خطيرة.
دخلت كريستين السجن لمدة قصيرة، ثم قامت بعمل أغنية حققت أرقام مبيعات مذهلة تروي كلماتها قصتها مع الوزير على أنغام البيانو في شكل حوار، ولكن من طرف واحد.
أما الوزير ومنذ أن استقال فقد كرس حياته للأعمال الخيرية، بينما عاشت كريستين في منطقة بالمساكن الشعبية في حي بلندن بعد زيجتين فاشلتين وحفنة من الأطفال.
ليدي باتسيان..
في يونيو 1943 شهدت فرنسا تراجيديا دامية عرفت بدراما كالوير، والتي راح ضحيتها جان مولا مؤسس الجيش السري للمقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني، وعدد من أفراد شبكة المقاومة.. أما من قام بهذه المؤامرة فهو رينيه هاردي أحد أفراد المقاومة نفسها والذي كان شابا ثائرا شجاعا وبطلا للمقاومة.
كان رينيه هاردي شابا في الواحدة والثلاثين من عمره يفتقد النضج العاطفي، بل إنه حتى كان يخاف النساء، أما بداية التحول في حياته فقد بدأ في يناير 1943 عندما حدث اللقاء الأول بينه وبين الفرنسية ذات العشرين ربيعا ليدي باتسيان في مقهى صغير بمدينة ليون.
وجد هاردي نفسه أمام جمال من نوع فريد؛ غجري، بوهيمي وأرستقراطي في آن واحد، ومنذ تلك اللحظة أصبح مجنونا بحبها يصطحبها معه في كل مكان حتى في الاجتماعات السرية لشبكة المقاومة، مما أثار ضده أعضاء الجيش السري.
سيطرت ليدي على هاردي سيطرة كاملة وأصبح عميلا للألمان الذين وضعوا أمامه خيارين، إما أن يتعاون معهم ضد أفراد المقاومة وإما يعتقلوا حبيبته وعائلتها، وهكذا اختار هاردي سلامة الحبيبة على سلامة الوطن.
كانت ليدي باتسيان بجانب فتنة الوجه والجسد والذكاء المتقد، مسكونة بنهم المعرفة والثقافة ، فالتهمت كتب الفلاسفة والأدباء والكتب التي تدور حول "ما وراء الطبيعة"، وكل ما له علاقة بتوارد الخواطر والتنويم المغناطيسي.
كان ثمن خيانة ليدي لوطنها وحبيبها مجموعة نادرة من مجوهرات اليهود التي استولى عليها الألمان وحصلت هي على جزء منها، قدرت بعشرات الملايين من الفرنكات.. وبعد محاكمة هاردي سافرت إلى الهند وقامت بتعميق قدراتها على الغيبيات والخوارق واليوجا، وأخيرا استقرت في باريس وفتحت حانة تردد عليها كل لون وجنس، ويقال أنها عملت من أجل رجال في "الكي جي بي" ، وأن رجال من المخابرات الأمريكية قاموا بحمايتها، ويهود وتجار سلاح ومرتزقة.
موقع / لهن