ارئيس وزراء مصر الأسبق يتحدث لـ«المصري اليوم» بعد صمت ١١ سنة (٢-٣): كمال الجنزورى: السلطة تحوّلت إلى أداة لحماية الفساد والبورصة والأراضى مصدر المليارات والربح السريع
حوار مجدى الجلاد وملك عبد العظيم وهشام علام ١٦/ ٢/ ٢٠١١
تصوير- أحمد هيمن
د. الجنزورى يتحدث إلى «المصرى اليوم»
فى الحلقة السابقة تحدث الدكتور كمال الجنزورى، رئيس وزراء مصر الأسبق، عن الأسباب التى جعلته يلتزم الصمت طيلة ١١ عاما، وعن السياسات الاقتصادية الخاطئة –فى رأيه- لوزيرى المالية والاستثمار السابقين، يوسف بطرس غالى ومحمود محيى الدين، وعن الأسباب الحقيقية التى فجرت ثورة ٢٥ يناير، وفى هذه الحلقة يستكمل حديثه عن «الخصخصة» وإهدار أراضى الدولة وتجاوزات وزير الإسكان والتعمير الأسبق محمد إبراهيم سليمان، ويؤكد وجود مجموعة من رجال الأعمال يشكلون تنظيماً يدير البورصة المصرية لصالحهم، كما يكشف النقاب عن نظريته الخاصة فى المشروعات الكبرى التى ميزت عهده، والتى عرف بها، ونسبت إليه. التفاصيل فى الحوار التالى:
■ مجموعة منظمة تتحكم فى البورصة المصرية وتحولها إلى «ترابيزة قمار» وتجنى الثمار وحدها
■ ليس منطقياً أن يتولى التشريع نائب جاهل.. وأعضاء «العمال والفلاحين» كانوا يأتوننى لأكتب لهم الأسئلة
■ ما الذى حدث للكيانات الاقتصادية التى تمت خصخصتها؟
- بعض هذه الكيانات نشطت وحققت أرباحاً مثل «إيديال»، وهذه النماذج ليست كثيرة، لكن بعضها للأسف لم يحقق أى نجاحات، فهناك أحد الوزراء الذين خرجوا مؤخراً من التشكيل الوزارى اشترى عدداً من المحالج، وسوف يقوم بإعادة تشغيلها، وبالتالى أصبحت الخصخصة بمثابة غنيمة لكل من لعبوا فيها.
■ هل تعنى أن هناك مسؤولين فى الحكومة استفادوا منها بشكل مباشر؟
- طبعا، لقد دُعيت إلى العشاء عند أحد هؤلاء المسؤولين، ووجدت أنه يتفاخر بأن كل ما على المائدة من منتجات محل فى فرنسا اسمه «مكسيم»، حتى الملح، ورفضت بالطبع أن أتناول هذا الطعام.. من أين جاءت كل هذه الأموال؟، قبل ثورة يوليو كانت ثروات أكبر رجال الأعمال أمثال عبود باشا تتراوح بين ٥ و٦ ملايين جنيه، أما الآن فهناك أرقام خرافية ذهبت بأصحابها فوق السحاب، حتى إننا لا يمكننا أن نراهم.
■ هل السبب فى هذا هو زاوج السلطة والمال؟
- لا.. زواج السلطة مع المال جاء متأخرا، لكنه بالطبع ساهم فى ذلك.
■ هل استطاع هؤلاء جنى المليارات من عمليات الخصخصة؟
- نعم، لكن أغلب ثرواتهم جاءت من الأراضى والبورصة.
■ كيف؟
- البورصة عندنا مش بورصة، دى ترابيزة قمار، هناك مجموعة هم فقط من يربحون من خلفها، ويقومون بتقسيم الأدوار بينهم، وتحديد متى تهبط ليشتروا ومتى ترتفع ليبيعوا ليجنوا هم الثمار وحدهم، ويحرم من ذلك المواطن البسيط الذى يضارب فيها طمعا فى أى مكاسب.
■ هل هو تنظيم؟
- نعم.. تديرها مجموعة منظمة.
■ هل ما حدث لأراضى الدولة له علاقة بالوضع الاقتصادى الراهن؟
- أكيد، وهو ما عنيت به من البداية، هذا السبب هو ما صرف الانتباه عن الزراعة والصناعة والتشييد، الناس هنا أخذت أراضى فى القاهرة الجديدة بـ٥٠٠ جنيه للمتر وبعد فترة وجيزة بيعت بـ٤ آلاف جنيه للمتر، واشتروا مرة أخرى وبنوا قصورا ببلاش، ولما أُعجبوا بالربح السريع صاروا محترفين فى بيع الأراضى.
■ وماذا عن الأراضى على طريقى الإسكندرية والإسماعيلية الصحراويين..هناك أراض تم تخصيصها أثناء رئاستك للوزارة، بغرض الزراعة، ما هى أهدافكم التى كنتم تنوون تحقيقها فى هذه المرحلة وما الذى تحقق منها؟
- فى إحدى زيارات الرئيس مبارك مع يوسف والى لهذه المنطقة، قال له ازرعوا هذه الأرض وملّكوها للمواطنين بـ٢٠٠ جنيه للفدان، ولم يكن موضوع الزراعة مهماً بالنسبة للدكتور والى.
■ مقاطعا: وزير الزراعة لا يهتم بالزراعة.. هل هذا يعقل؟
- وهل يُعقل أن يقوم وزير الزراعة باستخدام الصوب الزراعية فى بلد تصل درجة الحرارة فيه إلى ٤٠ درجة مئوية.
- مستكملا: كانت هناك قطعة أرض عند مدخل الصحراوى، مملوكة لمجموعة أطباء مصريين من الذين ادخروا أموالا من خلال العمل فى الخليج، لكنى فوجئت ذات مرة بأن محمد إبراهيم سليمان استصدر قرارا جمهوريا، بتمليك مساحة أراضى، مضمنا فيها هذه القطعة، لإحدى الشركات، التى يملكها مجدى راسخ، صاحب «بيفرلى هيلز»، وقام إبراهيم سليمان بعرض الطلب علىّ، موضحا فيه قطعة الأرض هذه، لكن عندما ذهب بالطلب إلى الرئيس انتزع هذه القطعة كى يحصل على قرار بتخصيصها كاملة لهذا المستثمر، وبعد موافقة الرئيس وجدت أحد الملاك الأصليين يشكو إلىّ ما حدث من تلاعب الوزير، فاستدعيته فورا وقلت له «اللى انت عملته ده جريمة تدخل بسببها السجن، وأنا هاعلّقك من رجلك الشمال فى الميدان لو الناس دى ما أخدتش أرضهم تانى»، فذهب إليهم وعرض عليهم أن يحصل كل منهم على أربعة أمثال الأرض التى يملكها فى مكان آخر، ورفضت وقلت له لو لم تأت بهذا القرار «هاكلم الراجل وافهّمه اللى حصل»، فرجع فعلاً عما كان ينوى فعله، وبعدها فوجئت بسليمان متولى يقول لى إنهم قدموا له طلباً بنقل الأنفاق على الطريق الصحراوى لأنها تعيق مشروعاتهم، وكنت أشعر حينها أن سليمان رجل قوى قادر على التصرف، لكن فى نفس الوقت عندى قناعة بأن هناك أشخاصاً يشعرون بالخجل، خاصة بعدما عرضوا أن يدفعوا ٥٠٠ ألف جنيه تكلفة نقل الأنفاق، فوقعت على الطلب «أرفض احتراما لسيادة الدولة، حتى لو عرضوا تحمل جميع التكاليف».
■ وما الحل فى نظرك لتجاوز كل هذه العقبات فى الفترة القادمة؟
- انتهى العهد الذى أستطيع فيه أن أحقق إنجازاً اقتصادياً دون تحرك سياسى، فكى تحقق تحركاً اقتصادياً حقيقياً لابد أن تكون هناك مساحة للحريات، وفصل واضح ومعلوم بين السلطات، خاصة التشريعية والتنفيذية، كى يملك المواطن اليقين بأن هناك جهة ما ستنصفه وسوف يلجأ إليها بكل يقين فى العدالة، إذا ما جار أحد على حقوقه، وأنا على يقين أن الشعب الذى ثار فى ٢٥ يناير من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة سوف يجعل من مصر خلال عامين فقط دولة تقف على مساحة قريبة جداً من الدول المتقدمة، أو على الأقل ستتربع على قمة الدول النامية، كل هذا من خلال الصدق والمصارحة، والإجراءات السياسية التى تتعلق بنظام الحكم، وشروط العضوية فى مجلس الشعب، لأنه ومن خلال تجربتى البرلمانية وجدت الأعضاء الذين يمثلون نسبة ٥٠% من العمال يأتون إلىّ يطلبون منى أن أكتب لهم الأسئلة التى سوف يوجهونها لى، فكيف يستطيع هذا الإنسان أن يحاسبنى كمسؤول وهو لا يجيد القراءة والكتابة.
■ إذن أنت ضد تحديد كوتة برلمانية للعمال والفلاحين؟
- هل يعقل أن بلدا تعداده ٨٠ مليون مواطن، ما بين طبيب ومهندس وأستاذ ومحاسب، يقوم بالتشريع لهم نائب جاهل، لمصلحة من هذا، أنت تعيش بين شعب لديه القدرة على أن يصمت ويصمت ويصمت، وعندما يثور لا يستطيع أحد أن يسكت صوته، مهما علا منصبه، هذا الشعب يستحق برلماناً أفضل، وبالتالى أشخاصاً آخرين ليمثلوه فى البرلمان، والشعب ده عشان ينام تانى، محتاج على الأقل عشرين سنة، وعمره ما هينام تانى عن حقه.
■ ترسخت صورة سلبية لرجل الأعمال لدى المواطن المصرى، وتحول كل رجل أعمال إلى إنسان حرامى.. لماذا؟
- السلطة هى التى دفعتهم ليكونوا كذلك، لأن السلطة من المفترض أن تكون أداة لحماية الوطن، لكنها تحولت إلى أداة لحماية الفساد، فعندما قررت أن أحرك القطاع الخاص، اخترت ٢٠ من رجال الأعمال واجتمعت بهم فى مجلس الوزراء، واستمعت إليهم وتقربت منهم، لأنى كرئيس للوزراء أحتاج إليهم فى انعاش الاقتصاد القومى، لدرجة أن كثيرين منهم كانوا لا يعرفون بعضهم البعض.
■ لكن رجل الأعمال أصبح وزيراً، واختلط الخاص بالعام؟
- بالطبع يجب التفريق بين الخاص والعام، وعندما تتولى منصباً حكومياً فيجب أن تحترم المال العام وتقدسه أيضا، وطوال ٤٠ عاما قضيتها فى الحكومة متدرجا فى المناصب من وكيل وزارة حتى رئيس للوزراء، لم أنع أحداً فى الصحف، وألزمت الوزراء بذلك، وأذكر أن إبراهيم نافع جاءنى وقال لى «إنت خسرتنا ١٠ ملايين جنيه بهذا القرار».. قلت له: «إذا كانت مكاسبك تأتى من هذا الباب، إخسر»، وقلت للوزراء إن أموال الدولة حرام أن تنفق فى هذه المصارف، ومن يرد أن ينعى فقيدا فليذهب إلى جنازته، ولم أكن من هؤلاء الوزراء الذين يسافرون على الفاضى والمليان، وعندما حضرت مؤتمراً للبنك الدولى، كانت الغرفة فى الفندق الذى نقيم فيه بـ ٣٢٥ دولاراً، ولما وصلنا رفعوا السعر إلى ٥٠٠ دولار، وظللت ساعتين أتفاوض مع إدارة الفندق لخفض أسعار الغرف، فى الوقت الذى كان فيه عمرو موسى يستأجر جناحا رئاسيا بـ١٦٠٠ دولار، لكن مادام يدفع من جيبه الخاص فلا يعنينى هذا.
■ ما قصة المشروعات الكبرى، كيف بدأت؟
- فى عهد الأسرة العلوية، وبالتحديد عام ١٨٠٥، كانت رقعة الأراضى الزراعية ٣ ملايين فدان، وكان تعداد مصر ٣ ملايين مواطن، أى أن نصيب الفرد كان فداناً، وفى ١٩٨٢ وصل نصيب الفرد إلى ٠.١٧ من الفدان، ولو استمر الحال هكذا ٣٠ عاما أخرى، فلن يجد أى مواطن مكانا يدفن فيه، وقد أدركت هذا مبكرا، ولأنى حريص على أن يكون اقتصاد مصر نابعا من مواردها الزراعية والصناعية، فقد ترجمته فى خطة عشرينية، ثم خمسية ثم سنوية، ولو عدنا إلى هذه الخطط سنجد أن الأولى والثانية نحاول من خلالهما إصلاح ما أمكن من الوادى الجديد، وفى الثالثة نجنى ما خرج من الوادى، فقد حصلنا على ١١ ألف كيلو متر أرضاً مرصوفة، وأنشأنا ٢ كوبرى فوق قناة السويس، وعندما وصلنا توشكى شغلنا الآلات بعد ٧٥ يوماً، وكان لابد من وجود عنصر زراعى، فكان هناك من البيانات المؤكدة عن طريق هيئة تعمير الصحارى تؤكد أن لدينا ٨ ملايين فدان صالحة للزراعة وموارد مائية فى ٧٣ موقعاً فى مصر، وأعجبت القيادة السياسية بالخطة، وبدأنا فى تنفيذها فى توشكى وسيناء والعوينات والوادى الجديد، وأصبحت مشروعاً قومياً، وزاره الرئيس مبارك خلال عامين أكثر من ٨ مرات، وبعد خروجى من الحكومة زاره مرتين.
■ لماذا إذن توقفت هذه المشروعات؟
- لا تسألنى أنا، لو أنها مشروعات فاشلة كما يقال، فلماذا زارها الرئيس بعد خروجى من الوزارة، كما أن البعض راح يروج أنها إهدار للمال العام، وما أنفق على توشكى هو ٦ مليارات جنيه، وهو نفس المبلغ الذى أنفق على الخط الثانى لمترو الأنفاق، وأنا ألتمس العذر للمواطن الذى يجلس فى بيته يستمع إلى هذه الأصوات التى تشكك فيما كنا ننوى تحقيقه، لكن الحلم الذى قتل فجأة لايزال لغزا، كانت توشكى مثل العروسة الحلوة، الفنانون يتسابقون للذهاب إليها، وفجأة محدش اتكلم عنها وقالوا طلع فيها طوب وأملاح ومعرفش إيه، وده كله كلام فاضى، ففى سيناء مثلا وصلنا إلى ٦٧ كيلومتراً فى العمق، وعملنا السكة الحديد من قنطرة شرق عشان نروح رفح، وفجأة توقف كل شىء، وسرقت قضبان السكك الحديدية وردمت الترع، وبالتالى أصبح من حق الجميع أن يقول إن كل هذه المشروعات وهمية، وزادت مصر ١٥ مليون مواطن تكدسوا فى حزام العشوائيات، لكن السؤال الآن، من يحاكم على هذا، من قام بهذه المشروعات، أم من أوقفها؟
■ قيل إنه أنفقت عليها أموال كثيرة جدا أرهقتنا اقتصاديا؟
- كيف وهى لم تعمل من الأساس، اتعملت واتسابت، وفى نفس الفترة عملنا مترو الأنفاق الخط الثانى بنفس القيمة كما ذكرت سابقا، وبالتحديد ٦ مليارات و٢٠٠ مليون جنيه.
■ هل صحيح أن هذه المشروعات تم عملها من أجل الدعاية للرئيس والاستفتاء؟
- كل ده كلام فارغ، أنا لا أسمح لنفسى أن أشارك فى شىء وهمى، وأنا مستعد اليوم أن آخذ أى شخص ليزور موقع توشكى، ومن يراها الآن سيبكى على ما تركناه خلفنا وأهلنا عليه التراب.
■ أمازلت تراها فرصة أهدرت؟
- مليون و٦٠٠ ألف فدان فى توشكى، وشرق العوينات، وسيناء، وشمال الدلتا، وترعة السلام ١، والعلمين، تكلفت ١٥ مليار جنيه ثم توقفت، أين تكون الفرص إذن ما لم نعتبر هذه فرصا حقيقية، انظروا إلى اليابان التى تدخل المحيط من أجل تصنيع أرض يعيشون عليها، فكيف الحال بدولة لديها الأرض ولا تستخدمها أصلا.
لجنزورى يتحدث بعدصمت ١١ عاماً (٣-٣): رحلت لأنى لست الرجل المناسب لمرحلة «التوريث».. وذهبت مرتين إلى ميدان التحرير خلال «الثورة» دون أن يرانى أحد
حوار مجدى الجلاد وهشام علام وملك عبدالعظيم ١٧/ ٢/ ٢٠١١
تصوير - أحمد هيمن
الجنزورى يتحدث لـ«المصرى اليوم»
يواصل الدكتور كمال الجنزوى كشفه لكواليس الحكم فى مصر خلال الفترة التى قضاها رئيسا للوزراء، مؤكدا أن أسماء بعينها سعت إلى الإطاحة به، كشف عن أغلبها.
وقال الجنزورى، فى الحلقة الثالثة والأخيرة من حواره مع «المصرى اليوم»، إنه اضطر إلى تجميع بعض السلطات فى يده، بجانب كونه وزيرا مسؤولا عن ٦ وزارات «لأن عددا كبيرا من الوزراء الذين ضمهم هذا التشكيل الوزارى لم يكونوا من أهل الثقة»، وأن منهم من اعتاد الحصول على الرشاوى لتسيير الأمور، كما أن بعضهم لم يكن ذا كفاءة للمناصب التى شغلها.
وإلى التفاصيل فى الحوار التالى:
■ نبدأ من حيث انتهينا فى الحلقة الماضية.. هل تعتقد أن الحملة التى شنت على المشروعات الكبرى، وبالتحديد على «توشكى»، كانت بغرض الإطاحة بك؟
- لم توجه أى انتقادات لهذه المشروعات إلا بعدما خرجت من منصبى، واللعبة الوحيدة التى قاموا بها ضدى كانت لعبة الدولار، والحمد لله فشلوا، وظلت قيمة الدولار ثابتة عند ٣ جنيهات وخمسين قرشا حتى أغسطس ٢٠٠٠.
■ هل كانت هناك ألعاب أخرى للإطاحة بك؟
- «يوووه.. دول عملوا البدع».
■ من؟
- ٦ أفراد من المقربين للرئيس.
■ وزراء؟
- نعم. ولكنى لو كنت أعرف أنى أنا المقصود كنت خرجت من بدرى.
■ وماذا كان رأى الرئيس مبارك فى مشروع توشكى؟
- بالتأكيد كان مقتنعا به، والدليل زيارته له مرتين عقب خروجى، «هما دخلوه فى حاجات تانية خالص، ولو كانت الأكاذيب اللى طلعوها على المشروع حقيقية كانوا يحاكموا الراجل اللى عملها، مش يوقفوه».
■ بعض المقربين من السلطة قالوا إن خروج كمال الجنزورى من السلطة سببه أنه صدق كونه رئيسا للوزراء.. ما رأيك؟
- طبعا.. لأنى كنت رئيس الوزراء.
■ لكن رئيس الوزراء فى مصر ليس رئيساً فعليا للوزراء؟
- دعنى أوضح الأمر، المشكلة بدأت مع هذه المجموعة عندما أعطانى الرئيس مبارك طائرته الخاصة لأقوم بجولة فى جنوب شرق آسيا منها الصين وسنغافورة وماليزيا فى عام ١٩٩٧، وكانت هذه هى أول وآخر مرة يقوم رئيس وزراء مصر باستخدام طائرة الرئيس، وظنوا حينها أننى سأصبح النائب وسوف أقضى على كل طموحاتهم، وكان معى فى هذه الرحلة ٦ رجال أعمال أصبحوا وزراء فيما بعد من بينهم المغربى وحاتم الجبلى ومحمد منصور، ولما لم يجدوا ما يتهموننى به من الاتهامات المعتادة (حرامى أو بتاع نسوان) قرروا أن يرسلوا رسالة للرئيس ذكروا فيها أن هذا الرجل «واخد باله من نفسه شوية»، ورصيده زاد فى الشارع، وأنا لا أحترم هذه الطريقة لأن السياسة المحترمة تقتضى اللعب وجها لوجه.
■ هل كانت هناك دائرة معينة من الأشخاص تستحوذ على أذن الرئيس؟
- نعم.. لكن هذه الدائرة كانت لا تحب أبدا أن يدخل بينهم أى شخص ويقترب من الرئيس، وأنا لم أكن أسعى لذلك، وعندما توليت الوزارة وجدوا شخصا له شخصية مستقلة ويجيد التحدث وطرح الأفكار ويفرض نفسه بأسلوبه الخاص، وهذا بالطبع أقلقهم، فقد كنت رئيس الوزراء ووزيرا لـ٦ وزارات وجهات هى الأزهر والتخطيط العمرانى والحكم المحلى، والتعاون الدولى، والشباب والرياضة، والطيران، وأتحدى أن يكون أحد لاحظ هذا، أو أن يأتى أحد بطلب تأخر فى هذه الوزارات.
■ لكن البعض اعتبر ذلك رغبة منكم فى تركيز السلطات فى قبضة رئيس الوزراء؟
- «أنا كان معايا ناس عاوزة تتعلق، وكان لازم أشيل الشيلة اللى هما مش عاوزين يشيلوها، وألاقى الواحد منهم فى الاجتماع الوزارى قاعد متنح، وأقوله قولى إنت موافق ليه على القرارات اللى بناخدها، ادينى سبب مقنع، ولا بيحط منطق».
■ لكنك كنت تتدخل فى التفاصيل؟
- لأنى لم أكن أستطيع أن أتركها تمر هكذا.
■ لابد للرئيس أن يثق فى رجاله وأن يكون هناك تفويض لهم فى اتخاذ القرارات؟
- «لما يكون فى حد تثق فيه، كان معايا ٢٠ وزير مش عاوزنى، وكانوا متعودين يعملوا اجتماع مجلس الوزراء بالساندويتشات والعصائر وأنا لغيت الكلام ده كله، وزى ما فى ناس معتادة إجرام، كان معايا ناس معتادة رشوة، وهم يعرفون أنى أعرفهم، كيف تتوقع أن أثق فيهم؟!».
■ ولماذا لم تغيرهم؟
- فكرت فى ذلك جديا، لكن لما لمست عدم رغبة الرئيس فى تغييرهم سكت.
■ هل معنى ذلك أنك لم تختر وزراءك؟
- لم أختر من التشكيل الوزارى سوى وزراء المجموعة الاقتصادية فقط، لأنها كانت تسمى قبل ذلك حكومة الجباية، فسعيت لتغيير هذا الانطباع، لكنى كنت أتمنى أن يرحل هؤلاء الوزراء، لكنى لم أسع إلى ذلك.
■ ما الدور الذى لعبه فاروق حسنى ويوسف بطرس غالى فى الإطاحة بك؟
- فاروق حسنى كان «عايش فى ملكوت لوحده»، أما يوسف فكان حريصا جدا على التخلص منى، وكنت الوحيد من أيام عاطف صدقى اللى كنت بقوله «اخرس»، لأنه إنسان ليس لديه ولاء لبلده ولا لأسرته ولا لدينه، وهو صاحب الرد على مقولة أن الجنزورى «طول ما هو موجود ما حدش ها يعرف يقرب من الرئيس»، وأبلغت السيد عمر سليمان بأنى لن أنحدر إلى هذا المستوى، وأرد على بطرس غالى، لكنى لو تكلمت فسوف أتكلم عن هذا الانحدار المالى، الذى وصل بمصر إلى الحضيض.
■ كيف وصلوا إلى الرئيس؟
- كان همهم الأول هو خلع ضرس العقل، ووصلوا إليه من خلال التراكمات، وكانوا بيقولوا إن «كتفى ضرب فى كتف جمال»، و«مبارك كان شخصية قوية داخل الأسرة، ومش سهل تتكلم معاه، ولما بيكون غاضب بيضرب ويشتم ويزعق، وهما بدأوا يلعبوها على ميه باردة على مدار شهور، وقدروا يوصلوله إن الجنزورى رجل بدأ تكون له شعبية، وده يتنافى مع شخصية مبارك، وأنا ما أخدتش بالى منها غير قبل ما أخرج من الوزارة بيوم».
■ من هم؟
- لن أقول، لكن على سبيل المثال فإن صفوت الشريف سحب الكاميرا من مكتب على لطفى أثناء لقائه أحد السفراء، وقال له أنا وزير الإعلام، وأحدد أين تكون الكاميرا، لكن عندما توليت رئاسة الحكومة جعلت هناك كاميرا فى مكتبى يوميا من التاسعة صباحا وحتى مغادرتى، واعتزازى الواضح بذاتى شارك فى تصديق الرئيس لهذه الوشاية، وهناك قاعدة فى البروتوكلات الإعلامية تقول إن رئيس الوزراء يظهر فى نشرة الأخبار مرة واحدة فقط يوميا، على أن تظهر صورة الرئيس فى نشرتى ٦ و٩ وموجز الأنباء، ولكن فى آخر شهرين لتواجدى فى الوزارة قام صفوت الشريف بوضع صورتى فى كل النشرات وموجز الأنباء، من أجل تكريس الصورة لدى الرئيس.
■ دعنا نخمن بعض هذه الشخصيات.. يوسف بطرس؟
- نعم.
■ زكريا عزمى؟
- نعم.
■ صفوت الشريف؟
- نعم.
■ جمال مبارك؟
- لا.. لكن كانت هذه الفترة هى مرحلة تجهيز جمال مبارك ليكون هو الحاكم، وشخصية مثلى لا تصلح معها، لأنى لم أكن لأقبل يوما أن يتخذ الحزب القرارات وتأتينى، لست من هذا النوع، فأنا لم أدخل الحزب خلال ٤ سنوات سوى مرتين، ولم أعرض خطة على الحزب.
■ لو طلب منك الآن المشاركة فى ظل هذه الأحداث وقيادة المرحلة الانتقالية.. هل تقبل؟
- لا لن أفعل هذا، لن أكون مثل عمرو موسى، لقد ذهبت مرتين إلى ميدان التحرير خلال الـ١٨ يوما بشكل لم يرنى فيه أحد، لأنى كنت حريصا على أن أرصد الكواليس.
■ ما الدور الذى لعبه طلعت حماد أثناء رئاستك للحكومة؟
- تعرفون بالطبع فيلم التجربة الدنماركية، عندما استعان عادل إمام برجل يقوم بضربه طوال الفيلم «على قفاه»، طلعت حماد من الأشخاص البارعين فى خلق عداوات مع الناس، هو «إدارى جن أزرق»، يأتى المكتب فى التاسعة صباحا، ويعرض علىَّ مئات الأفكار والمشروعات، لكن المشكلة كانت فى الوزراء الضعفاء، الذين كانوا يشعرون بأن له مكانة عندى، وأنا «مش بتاع شلل»، وأنا أعرفه من سنة ٦٧، لكنى طوال هذه الفترة لم أدخل بيته، ولا أعرف اسم أو شكل زوجته القديمة أو الجديدة، لم أر ابنته إلا وعمرها ٤٠ سنة، وكى أتخلص من هذه المشكلة قلت أمام مجلس الوزراء أرجوكم تعاملوا مع طلعت حماد على أنه وزير ومدير مكتب رئيس الوزراء فقط، ولو «عاملتوه خلاف ذلك فليس لدى أدنى مسؤولية».
■ لكن البعض يقول إنه كان يتمتع ببعض السلطات؟
- غير صحيح.. السلطات كانت فى يدىَّ أنا، صحيح أنه كان يتمتع ببعض «الرخامة» مع الوزراء الضعفاء، وعندما كنت أعقد اجتماع مجلس محافظين كنت أناشد الوزراء عدم إرسال أى طلبات أو فاكسات إلى طلعت حماد، وقمت بتعيين رجل محترم اسمه الدكتور محمد شتا لهذه المهمة، لكن الضعفاء أيضا كانوا يذهبون إليه، وغير صحيح أنه ركب على السلطة فى عهدى، «إذا كنت أنا شديداً مع الراجل نفسه إزاى أسمح لحد يركب معايا، ما ينفعش، أنا شخصيا أتعجب كيف أبقانى معه طوال هذه الفترة بعصبيتى الواضحة فى المواقف التى تمس كرامتى».
■ هل حدثت خلافات بينك وبين الرئيس مبارك خلال رئاستك للحكومة؟
- طوال ٢٠ عاما لم ينشب خلاف بيننا سوى مرة واحدة، ولم أسمع منه كلمة تجريح، وكانت بسبب وشاية فى آخر شهرين «بعد ما السيرك اشتغل عليا وأنا ماكنتش ملاحق عليهم».
■ هل هناك احتمال أن تتقدم للانتخابات الرئاسية المقبلة؟
- لن أجيب الآن.
■ ما صحة ما قيل عن خلافاتك مع جمال مبارك؟
- هذا كلام غير صحيح، والروايات التى تم تداولها كانت عن اعتراضه على أحد القرارات التى اتخذتها، وأنى علقت «مين العيل ده عشان يعترض»، هذا الكلام عار من الصحة، وعندى الشجاعة أن أقول هذا لو كان قد صدر منى فعلا، وللعلم فقد اتخذت قرارات حاسمة وصارمة ولم يعترض علىَّ أحد، منها أنى قررت حبس أى محافظ يتم البناء أو تجريف الأراضى الزراعية فى محافظته، وغيرها من القرارات، ما أريد أن أوضحه أن كل هذه اجتهادات وشائعات ليس لها أساس من الصحة.
■ هل كتبت مذكراتك؟
- لا.
■ هل تنوى؟
- لا.. «مش خوف إنى أترمى من بلكونة أو حاجة، لكن لأنى لا أملك أسرارا أخفيها، وكل ما أردت أن أقوله قلته، لكن نفسى قبل ما أموت إنى أشوف بلدى أحسن كتير مما اتولدت فيها».
■ كيف يمكن تحقيق إصلاح سياسى حقيقى الآن؟
- المفروض أن الدول تضع ما يسمح بالتحول السياسى والاقتصادى، أنت تملك الآن ما تنطلق من خلاله، وهو شرعية الثورة وإنجازاتها، عبدالناصر تصور أنه الوحيد فى الأرض، الذى يمكن أن ينقذ مصر، وهو الذى نجح فى أن يصنع دستور ٥٦، وقعدنا فوق «خازوق» اسمه حكم الفرد، ولم يكن أحد يسأله «إنت بتعمل إيه»، ولما وصل السادات للحكم، كان رجلا معلما وأكثر عمقا ورؤية سياسية من عبدالناصر مئات المرات، فعمل دستور ٧١، وكان شبيهاً بدستور ٥٤، «لكن اللى اتعرض على المجلس كان حاجة مختلفة، ولما وصل مبارك قال ولا حاجة هاتتغير، وكل ما الفترة تطول يتمسك برؤيته، وكان حواليه مجموعة بيزينوا له ده، وكلهم اغتنوا غنى فاحش غير شرعى، وأذكر أنى فى مرة كنت قاعد معاهم، وكان إلى جوارى المغربى ومنصور، فقلت للمغربى أنا عارف إنك وأخوك وابن خالتك وارثين، لكن الباقين دول لغاية ١٩٨٤ ما كنش حيلتهم غير جزم زلط، جابوا الفلوس دى كلها منين»، لكن الفساد كان وصل إلى مرحلة كبيرة، وما فى يد هؤلاء من السلطة والقانون جعلهم يصنعون ما بدالهم.
■ ما الذى أطاح بالرئيس مبارك.. الفساد أم غياب الإصلاح السياسى أم جمال مبارك ومجموعته؟
- الأسباب الثلاثة مجتمعة، لكن أكثر شىء حدث فى العامين الأخيرين أن المواطن المصرى شعر بالفقر وبالظلم، وهذا وحده كاف للإطاحة بأى نظام.
المصرى اليوم