samyadel مشرف عام المنتدى
عدد المساهمات : 1548 تاريخ التسجيل : 27/05/2009 العمر : 44
| موضوع: ثورة أم هوجة الإثنين أبريل 04, 2011 9:35 pm | |
| 25 يناير: ثورة أم هوجة؟! بقلم: د. جمال عبد الجواد لعدة عقود عرفت حركة الضباط التي قادها أحمد عرابي باسم هوجة عرابي, حتي جاءت ثورة23 يوليو لتعيد لعرابي ورفاقه الاعتبار, فأصبح العمل الذي قاموا به ثورة وليس مجرد هوجة كما سماها معاصرون لعرابي بعد أن انتهت حركة الضباط الثائرين بوقوع البلاد تحت الاحتلال الإنجليزي.
ما زلت أري الإمكانيات الرائعة الكامنة فيما حدث في مصر منذ الخامس والعشرين من يناير, لكني لا أستطيع أن أكتم مخاوفي من احتمالات تقلص الثورة إلي مستوي الهوجة, التي تثير الاضطراب, لكنها لا تفي بالوعود. فالتاريخ لا يحكم علي الثورات بما هدمته لكن بما استطاعت بناءه, وهو ما بدأ الشك يتسرب إلي نفوس الكثيرين بشأنه, أما السبب الرئيسي للمخاوف التي تنتاب الكثيرين إزاء المصير النهائي لثورة الخامس والعشرين من يناير فيتمثل في أن كتلة الشباب الرائع الذي نظم الثورة ودعا لها أصابها التفكك, وأن الكثيرين ممن كانوا جزءا في هذه الكتلة عاد إلي سيرته الأولي في الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر ولوحة المفاتيح مكتفيا بما أنجزه. لقد عاد بعض ـ ليس قليلا ـ من الشباب المستنير إلي قديم عهده, بينما انفتحت الأبواب في مصر أمام قوي كثيرة نمت في ظل السياسات المعطوبة للنظام السابق, والتي كانت توازنات النظام السابق نفسه تفرض قيودا علي حركتها. لقد توارت قوي التخريب هذه سنوات طويلة عن الأنظار بفعل سياسات أمنية كانت تقمع الحريات, وبفعل نظام سياسي اعتمد سياسة التوازنات سبيلا للحفاظ علي بقائه, فكان يساهم في صنع قوي الشر ليعود ويضعها تحت سيطرته ليستخدمها في تخويف الناس وتجنب الإصلاح. لسنوات طويلة كانت هذه هي المعادلة التي حكمت البلاد, ومع أنها كانت معادلة فاسدة تتهرب من الإصلاح والتقدم إلي الأمام بإشاعة التخويف واستخدام الفزاعات الطبيعية والمصنوعة, إلا أنها كانت معادلة والسلام انتظارا لفرج الله, الذي أنعم علينا بفرصة رائعة في الخامس والعشرين من يناير وما بعده, لكن الاستفادة من هذه الفرصة يتوقف علينا, خاصة علي شباب الثورة الذي يعود له الفضل في إنجاز ما تحقق, وعليه تقع مسئولية استكماله. معادلة النظام السابق كانت معطوبة, لكنها كانت معادلة علي كل حال. وبينما اختفت الترتيبات السياسية والأمنية التي كانت تدير هذه المعادلة وتحافظ علي توازنها الهش في عالم ما بعد الخامس والعشرين من يناير, فإن معادلة جديدة عادلة ومنصفة تضمن الحريات والتقدم إلي الأمام لم تظهر بعد. يحدث هذا بينما قوي التقدم المتمثلة في شباب الخامس والعشرين من يناير آخذة في التراجع لتحتل مكانة متواضعة في مؤخرة المسرح, تاركة المجال مفتوحا لقوي قديمة أصبحت تعمل وفقا لتوازنات جديدة شديدة الهشاشة والخطورة. لقد طفت علي سطح المجتمع المصري في الأيام الأخيرة قوي مخربة كانت موجودة دائما, لكنها كانت محكومة ببعض آليات السيطرة, فمصر لم تخل يوما من غلاة الوهابيين الذين أشاعوا الفتنة والكراهية وقاوموا تقدم المجتمع, ولكن هؤلاء كانوا مضطرين لتهذيب عباراتهم وأساليب عملهم مراعاة لتوازنات كانت قائمة. أما الآن وقد انزاح الغطاء, وانهارت التوازنات السابقة دون أن تحل أخري جديدة محلها, فقد تحرر غلاة المتشددين من حرصهم السابق, وراحوا يتحدثون عن البلد التي هي بلدهم, ودعا الناطقون باسمهم المخالفين لهم في الرأي والعقيدة للهجرة إلي خارج البلاد, وشرع بعضهم في فرض قانونه الخاص, فأمعنوا في مخالفيهم الضرب والتقطيع في مشاهد تذكرنا بما جري قبل ذلك في أفغانستان زمن حكم طالبان, وفي الصومال في مناطق يسيطر عليها شباب المجاهدين الموالين لبن لادن والقاعدة. إلي جانب غلاة الوهابيين انطلقت قوي الانتهازية والأنانية والتمبلة ومعاداة التقدم من عقالها, وتحت شعارات العدالة ومحاربة الظلم, وباسم الثورة التي لم يساهم أغلبهم فيها, وضع هؤلاء العصي في عجلات الجهاز الإداري للدولة حتي كادوا يفرضون عليها التوقف الكامل عن الدوران. هؤلاء ليسوا أصحاب حقوق, فالحقوق الاقتصادية والوظيفية والمهنية يتم الفوز بها ببناء النقابات الفعالة وممارسة التفاوض والضغط المنظم, وليس بتجمهر الغوغاء غير المنظمين الذين لا تعرف لهم رأسا من جسد, فلا قيادة يمكن التفاوض معها, ولا مطالب محددة يمكن التفاهم بشأنها, فقط مطالب شخصية تطالب بإقالة مسئولين, وزيادة مرتبات, والفوز بترقيات. لقد سمح غياب شباب الثورة عن المشهد السياسي الراهن لقوي مدمرة باحتلال مقدمة المسرح السياسي, وعودة هؤلاء الشباب إلي سابق حماسهم والتزامهم وتضحياتهم هو السبيل الوحيد لإعادة وضع السياسة المصرية علي الطريق الصحيح. العودة التي أدعوا شباب الثورة لها ليست العودة إلي ميدان التحرير, فزمن الاعتصام المفتوح قد انتهي, بعد أن دخلنا في مرحلة البناء التي تنتقل فيها السياسة من الشوارع والميادين إلي مؤسسات سياسية يجري بناؤها, وإلي مقار الأحزاب القديمة والجديدة, وإلي العمل مع المواطنين في القري والأحياء استعدادا لانتخابات قادمة, وإلي قاعات اجتماعات تناقش قضايا وتأخذ قرارات وتؤسس أطرا وتنظيمات, ولا يضيع فيها الوقت في أحاديث النميمة السياسية, وفي ثرثرة فارغة, وفي استعراض لعضلات التنظير والبلاغة. عودة شباب الخامس والعشرين من يناير لشاشات الكمبيوتر هو أكبر انتكاسة للثورة لأن قوي الشر التي أطلقها اختلال التوازنات والمعادلات لا تنوي العودة قريبا للمكامن التي كانت تختبئ فيها قبل الخامس والعشرين من يناير, وأكبر مقلب يمكن لمصر أن تشربه هو اختفاء شباب الثورة عن ساحات السياسة المنظمة في أحزاب وجمعيات, بينما يتم إطلاق قوي الرجعية والأنانية والانتهازية من عقالها. فالحكم الذي سيصدره التاريخ علي الخامس والعشرين من يناير, وما إذا كان ثورة أم مجرد هوجة, لن يتوقف كثيرا عند المشهد الرائع الذي أجبر فيه الملايين من المتظاهرين الرئيس السابق علي التنحي عن الحكم, وإنما علي ما إذا كانت القوي التي وقفت وراء ذلك الإنجاز قادرة علي دفع الوطن فعلا إلي الأمام, وما إذا كانت قوي التقدم والبناء التي أطلقتها الثورة أكبر أثر من قوي التراجع والهدم التي سمحت بظهورها. الأهرام
| |
|