تقرير التنمية البشرية العربية 2009
فقر وبطالة .. واقتصاد هش
65 مليون مواطن عربي يعيشون في فقر
ومواطنون يعيشون في ظل القهر والتعذيب والإعدام واللجوء والطوارئ
كتب هلال عبد الحميد:
كشف تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة تحت عنوان " تحديات امن الإنسان في البلدان العربية" عن أن الثروة النفطية الخيالية لدي البلدان العربية تعطي صورة مضللة عن الأوضاع الاقتصادية لهذه البلدان، مشيرا إلي أن الأوضاع الاقتصادية للعالم العربي تخفي الكثير من الضعف البنيوي لهذه الاقتصادات مما ينتج عنها زعزعة للأمن الاقتصادي لهذه الدول ولمواطنيها علي السواء.
وأشار التقرير إلي أن معظم الاقتصادات العربية تحولت بفعل النفط إلي الاستيراد والخدمات، بالإضافة إلي وقوع الخدمات العربية في المرحلة الدنيا من سلسة القيمة المضافة، حيث لا تضيف إلا أقل القليل للتنمية المعرفية، وأوضح التقرير أن تزايد الاستيراد يتم علي حساب الزراعة والصناعة، مشيرا إلي أن الدول العربية في 2007 أصبحت أقل تصنيعا منها قبل أربعة عقود.
واعتبر التقرير البطالة مصدرا لانعدام الأمن الاقتصادي في معظم البلدان العربية، مشيرا إلي ارتفاع نسبة البطالة في الدول العربية إلي 14.4 بالمائة عام 2005، مقابل 6.3 بالمائة علي المستوي العالمي، وأوضح التقرير أن الدول العربية ستحتاج عام 2020 إلي خلق 51 مليون فرصة عمل.
وناقش تقرير التنمية البشرية العربية غياب الأمن الاقتصادي الملازم للفقر، والذي رصده التقرير من منظورين: الأول وهو فقر الدخل والذي يتمثل فيما يحصل عليه الإنسان من سلع وخدمات وهو ما يسمي "الإنفاق الاستهلاكي الحقيقي للفرد".
فقر إنساني
أما النوع الآخر من الفقر فهو الفقر الإنساني والذي عرفه التقرير بمقياس الدخل وبأبعاد أخري ذات قيمة إنسانية كالصحة والتعليم والحرية السياسية، واعتمد التقرير علي معيارين في تحديد نسب الفقر المدقع :الأول المعيار الدولي والذي يحدد دولارين يوميا للفرد، ولكن التقرير مال أكثر للمعايير المحلية وخلص التقرير إلي أن 65 مليون مواطن عربي يعيشون في حالة فقر بما يوازي 39,9 بالمائة من عدد السكان، وان 20.3 بالمائة من المواطنين العرب عام 2005 كانوا يعيشون في فقر مدقع بالمعايير الدولية، بينما وصل معدل الفقر العام بالمعايير الوطنية ما بين 28.6 و 30 بالمائة في لبنان وسوريا في حدها الأدني، ونحو 59.9 بالمائة في اليمن بحدها الأعلي وحوالي 41 بالمائة في مصر، بينما يصل متوسط الفقر المدقع في الدول المتوسطة الدخل إلي 36.2 بالمائة من السكان.
أما دليل الفقر البشري والذي وضع التقرير له 3 معايير وهي طول العمر والمعرفة والمستوي المعيشي فقد وصل إلي 35 بالمائة مقابل 12 بالمائة في الدول ذات الدخل المرتفع، وأرجع التقرير ذلك إلي عدم فعالية الدولة وفشلها في توفير الحاجات الأساسية لمواطنيها، وأشار التقرير إلي تزايد الإقصاء الاجتماعي في العقدين الأخيرين والذي عاد بدوره لانعدام الأمن.
جوع
وتوقع التقرير عدم قدرة المنطقة العربية علي هدف تخفيض الجوع ضمن الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة، مشيرا إلي انتشار الجوع في السودان بشكل خطير، بينما شهدت الأردن والسعودية ومصر ولبنان والمغرب واليمن ارتفاعا في الأرقام المطلقة ونسبة الانتشار، وتعجب التقرير من تزايد نسب الجوع مع تزايد نسب البدانة، ولكنه ارجع البدانة إلي العادات الغذائية السيئة. وفي فصله الثامن أشار تقرير التنمية البشرية العربية إلي أن الاحتلال والتدخل العسكري يفقدان الإنسان أمنه ويعرضانه للعنف من جوانب ثلاثة : مؤسسي وهو يمثل انتهاكا للقانون الدولي الذي يحظر استخدام القوة بين الدول إلا في حال الدفاع عن النفس ويبطلان القوانين السائدة في البلد الذي تم احتلاله، وقد يصل الأمر إلي تشكيل حكومة تراعي مصالح الدول المحتلة أكثر من مراعاة مصالح مواطنيها.
وعلي المستوي البنيوي أشار التقرير إلي أن الاحتلال يؤدي إلي شروط جديدة تؤثر في موازين القوي والثروة ، كما يؤدي الاحتلال إلي المقاومة مما يوقع إصابات جسيمة في صفوف المواطنين والقوي المحتلة، ويؤدي الاحتلال أيضا حسب التقرير إلي تعطيل النشاط الاقتصادي وسبل المعيشة والحياة السياسية ، وخلص التقرير إلي أن الاحتلال والتدخل العسكري يتنافيان مع 0حقوق الإنسان ويزعزعان امن الإنسان بصورة منهجية وضرب التقرير أمثلة باحتلال الولايات المتحدة الأمريكية العراق، واحتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية وكذلك التدخلات العسكرية في الصومال، وأشار التقرير إلي أن 1.03 مليون مواطن عراقي قد لقوا مصرعهم منذ الغزو في 2003 وحتي 2007 ، وأن 20 بالمائة من سكان العراق قد شهدوا مصرع واحد أو أكثر من أفراد أسرهم منذ الاحتلال.
أما في أثناء الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد غزة في 2008 وحتي وقف إطلاق النار ، فقد قتل 1314 فلسطينيا، منهم 412 طفلا و 110 من النساء، بينما ارتفع عدد المصابين إلي 5300 بينهم 8551 طفلا و795 من النساء، كما قامت إسرائيل بهدم وإزالة المدارس حتي التي تشرف عليها الأمم المتحدة واتخذها المدنيون الفلسطينيون وضربت سيارات الإسعاف وترك المصابون والمرضي - حسب التقرير- يموتون دون مساعدة.
وركز التقرير علي 15 محوراً أساسيا لضمان الأمن للإنسان العربي، وهي: عدم المساواة، اللاجئون، الجوع، التلوث، الفقر، سوء التغذية، التدخل العسكري، التمييز ضد المرأة، التصحر، العنف، البطالة، ندرة المياه، أزمة الهوية والاحتلال وتغيير المناخ.
وكان تبرؤ مصطفي كامل السيد المعد الرئيس للتقرير منه قبيل إطلاقه في بيروت قد ألقي ظلالا من الشك حول مصداقية هذه التقارير الدولية ومحاولات سيطرة بعض الدول للتأثير علي نتائجها، وكان السيد قد وصف تدخل بعض موظفي الأمم المتحدة بالمكتب الإقليمي في التقرير بالحذف والاختزال بأنه مجاملة للولايات المتحدة وإسرائيل، وأوضح السيد أن الموظفين حذفوا فصلا كاملا يحمل عنوان (مناقشة عربية لمفهوم الأمن الإنساني ) كما اختزلوا فصلا آخر عن صراعات الهوية بالدول العربية إلي صفحتين فقط ورصد التقرير- والذي شاركت فيه نخبة كبيرة من كبار المفكرين والأكاديميين العرب- أن غالبية الدول العربية استغلت أحداث 11 من سبتمبر وأصدرت ما سمته " قوانين مكافحة الإرهاب " وهي قوانين صادرت البقية الباقية من حقوق الإنسان العربي، ووصف التقرير هذه القوانين بأنها تقوم علي تعريف فضفاض لمفهوم الإرهاب ومنحت هذه القوانين الأجهزة الأمنية في الدولة صلاحية واسعة في بعض المجالات التي تشكل تهديداً للحريات الأساسية في مواضيع أخري .
طوارئ
كما رصد التقرير فرض حالة الطوارئ في 6 دول عربية والتي وصلت سنوات فرضها بشكل متواصل إلي 46 سنة بسوريا، و 28 سنة بمصر، و17 سنة بالجزائر، و5 سنوات بالعراق، و4 سنوات بدارفور، وعممت منذ عام علي كل السودان، بينما فرضت الطوارئ منذ عامين بأراضي السلطة الفلسطينية !
كما رصد التقرير أعداد المعتقلين في 5 دول عربية ما بين عامي 2005 و 2007، جاءت في مقدمتها العراق بنحو 26 ألف معتقل في 2005 و24 ألف معتقل في 2007 بينما رصد التقرير معتمدا علي إحصاءات المنظمة العربية لحقوق الإنسان لسنة 2008 أعداد المعتقلين بمصر بنحو 10 آلاف معتقل، ولكنه لم يجد بيانات رسمية لسنة 2007 بينما بلغ عدد المعتقلين بالأراضي الفلسطينية عام 2005 إلي 9 آلاف معتقل زادوا في 2007 إلي 11 ألف معتقل ، أما لبنان فقد بلغ عدد المعتقلين في 2007 نحو5870 معتقلا ، واليمن ألف معتقل في 2005 ، ولا توجد إحصاءات في 2007 كما أشار التقرير إلي زيادة أحكام الإعدام في تناقض مع دول العالم التي ألغت أعداد كبيرة منها هذه العقوبة استجابة لقرارات الأمم المتحدة .
وأكد التقرير أن "العلاقة بين الدولة وأمن الإنسان ليست علاقة سليمة»، ففيما يتوقع من الدولة أن تضمن حقوق الإنسان نراها في عدة بلدان عربية تمثل مصدرا للتهديد ولتقويض المواثيق الدولية والأحكام الدستورية الوطنية .
ووصف التقرير ما يعيشه المواطن العربي بأنه (انعدام حرية ) بينما تطرق التقرير لقضايا اللاجئين والذين بلغ عددهم 17 مليون لاجئ اضطروا لمغادرة ديارهم تحت تهديد النزاعات الداخلية مما جعل العرب يمثلون أعلي نسبة لاجئين وأقدمها ممثلين في اللاجئين الفلسطينيين وآخرها مثل لاجئ دارفور والصومال.
وفي ملاحظاته الختامية وتحت عنوان " الدولة العربية : أهي الحل أم المشكلة؟" اعتبر التقرير الدولة المدنية التي تحكمها القوانين التي تحترم الحقوق المدنية والسياسية هي الحل لضمان امن الإنسان العربي ولكن التقرير أشار إلي بعد الدول العربية عن هذا المنال وطالب التقرير بتعديل العقد الاجتماعي وأنماط التفاعل السياسي علي أساس تكافؤ الحقوق والفرص ويصف التقرير الدولة المدنية بانها دولة شرعية ترتفع فوق المصالح الضيقة وتلقي قبولا من المواطنين لممارسة الحكم ودعا التقرير أيضا الدول العربية لترسيخ المواطنة وتمكين السلطات التشريعية و تعزيز استقلال القضاء وتأمين أدوات رقابية فعالة وقال التقرير إن إنفاذ حقوق المرأة يتطلب تغييرات قانونية ومؤسسية.
منشور بجريدة الاهالى