الشعــب يريد إصــلاح الأجــور
سيد صالح
مازال لغز الرواتب مستمرا في مصر دون حل, بين رواتب جزافية يتقاضاها كبار الموظفين والمسئولين, ورواتب هزيلة يتقاضاها بقية أبناء الوطن, مما يزيد من حدة التفاوت الطبقي, والظلم الاجتماعي.
, ويهدد شعور غالبية المواطنين بالأمان والاستقرار, فضلا عن افتقاد الحياة الكريمة.يحدث هذا برغم مارفعته الثورة من إعلاء قيم العدالة الاجتماعية, والمطالبة بتنفيذ أحكام القضاء بألا يقل الحد الأدني للأجور لأي موظف في الدولة عن0021 جنيه, تخفيفا عن العبء الواقع علي عاتق المواطنين, ومعيشة نسبة كبيرة تحت خط الفقر, ومعاناتهم من شظف العيش, وافتقارهم الي الحياة الكريمة من هنا تأتي أهمية هذا الملف الذي ينقل واقع شريحة عريضة من المواطنين, وكيف يدبرون أحوالهم من المأكل والمشرب والملبس وغيرها من مقومات الحد الأدني للمعيشة.
في كشوف المرتبات كثير من المبكيات المضحكات, قد تجد موظفا أفني حياته في العمل الحكومي, بينما لا يتجاوز مرتبه ألف جنيه شهريا, وآخر في نفس المكان, شاء الوزير أو رئيس الهيئة أن يغدق عليه من المال العام, فيتقاضي مئات الآلاف من الجنيهات, في صورة حوافز, ومكافآت, وبدلات, واجتماعات لجان, وعضوية مجالس إدارات, وفق إجراءات قانونية صحيحة شكلا, باطلة موضوعيا!
هل تصدقون, أن مستشارا في عدد من الجهات الحكومية قد حصل خلال الفترة من عام2004, وحتي عام2008, علي مكافآت بلغ ما أمكن للجهاز المركزي للمحاسبات حصره منها660 ألفا و174 جنيها.
تقول المستندات التي حصلت تحقيقات الأهرام علي نسخة منها, إن المبالغ التي حصل عليها المستشار جاءت تحت بند ما يسمي المكافآت الشاملة, ومكافآت مناسبات, ومكافآت صناديق, ومن يصدق أن المستشار نفسه حصل في الفترة من1-1-2007 وحتي نهاية العام علي مكافآت شاملة تقدر بنحو100 ألف و699 جنيها من إحدي الوزارات, و106 آلاف و617 جنيها من نفس الوزارة عن الفترة من1-1-2008 وحتي10/1/,2008, ناهيك عن بقية المكافآت التي حصل عليها من الجهات الحكومية التي عمل بها, خلال السنوات الأربع المذكورة. في حين حصل مستشار آخر علي مبالغ مالية بلغ ما أمكن للجهاز المركزي للمحاسبات حصره منها خلال الفترة من2006 وحتي2008 نحو770 ألفا و310 جنيهات.
تلك الأرقام لا تشكل مفاجأة علي الإطلاق لأي شخص يعرف كيف يجري تدبير الأمور, وتستيف الأوراق في الجهات المختلفة, لكي يحصل المحظوظون علي هذه المبالغ الخيالية في صورة مكافآت, وبدلات, وحوافز, فاللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية السابق للأموال العامة, يقول إن المستشارين يأتي بهم الوزراء من المعارف, والأصدقاء, ليهدوهم بعضا من خيرات وزاراتهم, خاصة وزراء رجال الأعمال الذين ابتدعوا تلك البدعة السيئة في وزارات مصر, حيث يجري صرف حوافز خيالية في الوزارات, والجهات الخدمية, تحت بند حوافز, وبدلات, وعمولات, ومكافآت, بمسميات مختلفة, ولذلك تبدو الفجوة واضحة بين مرتبات القيادات في هذه الجهات, وبقية الموظفين بما لا يتفق مع التدرج الهرمي للمرتبات, والأجور!
الفجوة واضحة بين صغار الموظفين, وغيرهم من الكبار في نفس الجهات التي يعملون بها, هكذا قال الدكتور سمير رياض مكاري أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية, ولابد أن يعكس المرتب طبيعة العمل الذي يؤديه الموظف, كما أن زيادة المرتبات لابد أن يكون لها علاقة بزيادة الإنتاجية, وإلا زادت معدلات التضخم, ومن ثم ارتفعت الأسعار, وبالتالي إذا تقرر رفع المرتبات دون أن يقابلها زيادة في إنتاجية الموظف أو العامل, فإنهم لن يستفيدوا من هذه الزيادة التي ستذهب مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
مبالغ خيالية
أما أصحاب المرتبات المرتفعة في مصر, فهؤلاء في الغالب من مستشاري الهيئات, والشركات, والوزارات, حيث يجري تعيينهم علي منح أجنبية, وليس علي وظائف داخل الكادر الحكومي, وهذه المبالغ الخيالية لا علاقة لها بالمرتبات الأساسية للموظفين, وإنما ترتبط ببنود أخري يحصلون عليها في صورة مكافآت, وحوافز, وبدلات, واجتماعات لجان, وعضوية مجالس إدارات شركات.
في مقابل هذه الفئة المحظوظة,- والكلام مازال للدكتور سمير مكاري- هناك فئات أحري من طبقة صغار الموظفين, الذي يتقاضون شهريا ما لا يزيد علي ألف جنيه ربما تقل أو تزيد قليلا, وهؤلاء لابد من تحسين مرتباتهم للوفاء بمستلزمات المعيشة, ولتحقيق التوازن في الدخل, وذلك لن يتحقق بشكل سليم إلا من خلال زيادة الإنتاجية, ومنح حوافز للعاملين, ووضع العامل أو الموظف المناسب في المكان المناسب لكي يستطيع أن ينتج, وأن يعطي, ووقتها سوف تحقق المرتبات الهدف المرجو منها.
وهذا الخلل في الدخول, والتفاوت الكبير بين صغار الموظفين الذي يكدحون للحصول علي هذه المرتبات الهزيلة, وبين المحظوظين في الجهات المختلفة, يستدعي تحديد حد أقصي للأجور, وحد أدني لها, فضلا عن ضرورة تقنين البدلات, والمكافآت, والحوافز, التي يحصل عليها البعض, حتي لا تكون هناك فرصة للتلاعب, والمثير للعجب أن تجد مرتب الموظف5 آلاف جنيه, في حين تجده يحصل علي30 ألف جنيه أو أكثر في صورة مكافآت, وحوافز!
لكل وظيفة مرتب
في انجلترا مثلا ـ هناك كادر للوظائف, في مقابل مبالغ محددة للمرتبات, وكل وظيفة لها مرتب شهري محدد, وتتم الترقيات وفق معايير محددة, كما أن الموظف أو العالم يحصل علي نسبة من الربحية حسب مرتبه, ولتكن هذه المبالغ في حدود5 أضعاف المرتب الذي يتقاضاه, وهكذا, أما في مصر, فالأمور ليست واضحة المعالم, وهناك تفاوت كبير بين موظفين في جهة, وزملائهم في جهة أخري, بل هناك تفاوت في المرتبات داخل الجهة الواحدة, حيث يحصل القيادات علي ملايين الجنيهات, في حين يحصل صغار الموظفين في نفس الجهة علي مبالغ زهيدة!
أما الذين يحصلون علي أعلي دخل في مصر- كما يقول الدكتور فؤاد أبو ستيت أستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية- فهم مستشارو الوزراء, والعاملون في وزارة الاتصالات, وشركات الاتصالات, والخبراء الأجانب في الهيئات, وقد تصل هذه الدخول إلي ملايين الجنيهات, خاصة أن معظم مرتبات, ومكافآت مستشاري الوزراء يتم تحميلها علي أموال تتعلق بالمعونة الأمريكية, المخصصة في الأساس للدعم الاقتصادي, وتنفيذ برامج التنمية.
تقليل الفجوة
ولكي يتم ضبط منظومة المرتبات في مصر, ولتقليل الفجوة في الدخل, فإنه من الضروري وضع حد أدني للأجور, في مقابل تحديد حد أعلي يجب ألا يتجاوز40% من ذلك الحد الأدني, وهو الأمر الذي قررته منظمة العمل الدولية, علما بأن الأزمة المالية الأخيرة قد حدثت في الولايات المتحدة, حيث كان يحصل كبار المسئولين والموظفين علي عمولات, فاستثمروها في المضاربة علي الأسهم بالبورصة, كما أن زيادة المرتبات لصغار الموظفين يجب أن ترتبط بزيادة الإنتاج, حتي لا ترتفع الأسعار, وحتي لا تزيد معدلات التضخم, فتذهب الزيادة سدي, كما أنه من الضروري إصدار تشريعات تحكم مثل هذه الأمور, بحيث يكون المرتب الأساسي هو الأساس, والاستثناء هو البدلات, والمكافآت, والحوافز, وأن تتناسب المرتبات, والدخول بشكل عام مع مهارات, وخبرات, وكفاءات الموظفين, أما القطاع الخص فيجب إلزامه بدفع الحد الأدني للأجر, والذي يجب أن يتراوح- في تقديري- بين1000 و1200 جنيه علي أقل تقدير.
وعلي ذلك, فقد أصبح من الضروري إصدار لوائح تحدد وظيفة واحدة لكل مسئول, وتحدد أيضا عضويته في الجمعيات العمومية المختلفة, ومجالس إدارات الشركات والبنوك, حتي لا يكون هناك من يكون عضوا في10 أو20 جهة, فيحصل منها علي ملايين الجنيهات في صورة مكافآت, واجتماعات لجان, وأن يتم تفعيل قانون تقديم إقرار الذمة المالية للموظفين بالجهاز الحكومي, ومعاقبة من يتلاعب فيها.
جريدة الاهرام