الإضرابات.. فتنة من طراز آخر
تحقيق: أمل إبراهيم سعد
الإضرابات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية حقوق مشروعة لا جدال حول مشروعيتها كإحدي وسائل التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور والقانون للمواطنين..
ولكن لنا نحن الآن وقفة احتجاجية أمام سؤال حائر وهو هل من الممكن والمألوف أن تمتد هذه الاضرابات إلي قطاعات تمس حياة المواطنين أو موتهم أو بمعني أدق بصحتهم؟! فعلي الرغم من التصريحات المؤكدة بأن إضراب الأطباء في10 مايو الماضي كان حضاريا بكل ما تحتمله الكلمة من معان وإن كان في توقيت محدد وخاص بالعيادات الخارجية في بعض المستشفيات إلا أننا نري أن هذا الإضراب علي وجه التحديد له معني آخر لابد أن يستوقفنا لأنه لو امتد حتي ولو لعدة دقائق فقط فلا يمكن أن يمر مرور الكرام لاسيما أن هناك تأكيدا بتكرار الاضراب مرة أخري يوم الثلاثاء القادم.. تساؤلات عديدة نطرحها علي الأطراف المعنية بقضية الإضراب نظرا لتشابك أبعادها..
بداية يؤكد د. فتحي شبانة مير مستشفي حميات امبابة أن الطبيب اختار أن يكون في خدمة المرضي والمادة20 من القانون238 والمتعلقة بآداب المهنة تؤكد أنه لا يمكننا التقاعس عن أداء مهمتنا تجاه المرضي وهو نفس منطوق قسم أبو قراط الذي أقسمنا عليه والذي يوصي بمعالجة المرضي بغض النظر عن أي شيء وبالتالي فالخروج عن القسم هو خروج عن القانون بطبيعة الحال..
ولذلك فنحن نؤمن بمبدأ الحوار كوسيلة أساسية لتوصيل مطالبنا وليس بالإضراب علي الاطلاق لأن ضحية الإضراب هو المريض حتي لو كان جزئيا كما حدث يوم الثلاثاء الماضي.. فلو كان هذا التوجه مجديا مع مختلف القطاعات الأخري كوسيلة للضغط وتحقيق المطالب فهو أمر غاية في الصعوبة بالنسبة لمهنة الطب وقد طالبنا لجنة الاضراب بالفعل بتنظيم لقاء مع رئيس الوزراء لعرض مطالبنا عليه ولكن ذلك لم يحدث وقام بالإضراب نحو30% من الأطباء بمستشفيات وزارة الصحة إلا أن بوادر انفراجة حدثت اليوم من خلال لقاء تم بين اللجنة العليا للصحة مع د. أشرف حاتم وزير الصحة لبحث زيادة رواتب الأطباء والحوافز وكلها مطالب مشروعة لكنها يجب أن تري النور من خلال وسائل تعبير لا علاقة لها بالاضراب عن العمل في مهنة ذات طبيعة شديدة في الخصوصية..
اطلاق رسالة
د. شوقي السيد أستاذ القانون والخبير الدستوري يشير إلي أن الإضراب يجب ألا يتجاوز في محتواه معني أساسيا وهو اطلاق رسالة فالتعبير عن الرأي والاضراب حقوق مشروعة تتم ممارستها في جميع دول العالم ولكن بالشكل الذي لا يؤدي إلي الاضرار بمصالح الدول فإضراب العاملين في قطاع الكهرباء علي سبيل المثال قد يتم في الخارج بقطع الكهرباء لمدة دقيقة واحدة تحمل معني معينا تعود بعدها الحياة إلي طبيعتها.. فالديمقراطية لا تعني الفوضي بل تعني حماية الحرية المصاحبة للثورات الشعبية القائمة لتغيير النظم السياسية.. والاضرابات إذا بلغت من حيث الكم والحجم والمدة حدا يتصل بتسيير أمور البلاد وأمنها وتحديد حقوق وحريات الآخرين فالأمر بكل تأكيد محظور ومجرم لأنه يؤدي إلي تعطيل المصالح العامة.. ولاشك أن مصالح المواطنين وحرياتهم والمصالح العليا خطوط حمراء يجب علي الدولة أن تتصدي لها بشكل رادع فالدولة إما أن تكون أو لا تكون وإلا أصبحنا أمام كيان عشوائي..
وبشكل عام ـ كما يضيف د. شوقي السيد ـ فالحقوق والحريات ليست مطلقة في كافة الدساتير والمواثيق الدولية واستعمالها إما أن يكون مشروعا في حدود الغرض الذي قررت من أجله وهو حق التعبير أو أن يكون هناك استعمال غير مشروع للحق وهنا قد يصل الأمر إلي ما يسمي بالعصيان المدني المجرم قانونا حيث تتم مساءلة من يقوم به سواء فرد أو جماعة مدنيا من خلال تعويض تقرره المحكمة وجنائيا من خلال مواد موجودة في قانون العقوبات تجرم هذه الأفعال بعقوبة تصل إلي السجن لمدة3 سنوات إذا تعلق الأمر بتعطيل مصالح المواطنين. ولذلك فنحن نؤكد أن الأمر يستلزم التخلي عن المواجهة الناعمة لمثل هذه الأزمات الحالية بل علي العكس نهيب بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة والحكومة التصدي بكل قوة لها حماية لأمن المواطنين وحتي لا نترك الساحة للبطولات الزائفة.
خيانة عظمي
وللإضرابات شق اجتماعي تتحدث عنه وتفسره د. عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية قائلة إن الاضرابات ليست ظاهرة جديدة علي المجتمع المصري ولكنها كغيرها من الظواهر الاجتماعية قد تنشط في فترات وتخبو في فترات آخري وهي تتزايد في هذه الفترة علي وجه التحديد نظرا لأن الثورة لا تزال في مهدها والبعض يري فيها تربة خصبة لتحقيق المطالب علي طريقة اطرق الحديد وهو ساخن خاصة أن لديهم ثقة بأنهم لن تتم معاقبتهم وأن الإصرار والعناد ممكن أن يقودا إلي تحقيق الرغبات.. وهم لا يدركون أنهم في حقيقة الأمر يرتكبون خيانة عظمي في حق مصر من خلال هذه الإضرابات في هذه الفترة الحساسة من تاريخها التي تعاني فيها من آفتين رئيسيتين وهما الفراغ الأمني والفتنة الطائفية.. بل أننا نري أن مثل هذه الإضرابات سوف تؤدي الي مزيد من الإحتقان بين أفراد الشعب وهو ما يقود إليه إضراب الأطباء علي سبيل المثال الذي قد يؤدي إلي وجود حالة من العداء بين المواطن والطبيب خاصة أن صحة المواطن هي أغلي ممتلكاته فيشعر أن هناك حالة من الإعتداء علي حقه في الرعاية والمتابعة الصحية التي يقدمها له الطبيب.. وبالتالي فلا نتوقع ردود الأفعال التي قد يقدم عليها حيال هذه الإضرابات فعلي الرغم من أنها جزئية إلا أن هناك قطاعات لا ينبغي أن تمتد إليها الإضرابات أهمها القطاع الطبي.. ويجب ألا نفعل هنا دور الإعلام الذي قد يقوم بدور في تشجيع مثل هذه الممارسات السلبية من خلال التركيز علي السلبيات وإثارة الإحساس بالإعتراض الدائم علي كل ما يدور حولنا..
مقدمة للحوار
وعلي الجانب الأخر يقف نجاد البرعي المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان مؤيدا للإضرابات مشيرا إلي أنها مقدمة للحوار وأن اختيار التوقيت المناسب أمر يرجع إلي أصحاب الحق أنفسهم لاسيما إذا كانوا أصحاب مطالب عادلة ومشروعة مثل الأطباء الذين يطالبون بزيادة رواتبهم بنسبة20% أو30% وتأمين المستشفيات من أعمال البلطجة والتعدي علي الأطباء.. وإذا كنا نتحدث عن أهميتهم القصوي وخطورة إضرابهم علي وجه التحديد فانه من الضروري إذن إتخاذ كافة السبل من قبل الحكومة لترضيتهم وتحقيق مطالبهم بأقصي سرعة ممكنه فالحكومة هي المسئول الأول عن صحة المواطنين والطبيب عنصر من عناصر الحفاظ علي الصحة.
المردود سلبي
وفي النهاية يتبقي الشق الإقتصادي لتوابع الإضرابات حيث يري د. حمدي عبد العظيم أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية أن الإضرابات أحد أساليب الإحتجاجات التي يجب ألا تؤدي إلي تعطيل الأعمال ـ خاصة فيما يتعلق بالخدمات الإنسانية ـ نظرا لما لها من مردود إقتصادي سلبي ففي حالة مثل إضراب الأطباء من الممكن أن يؤدي عدم العلاج السريع خاصة مع تكرار الظاهرة في حالة استمرارها إلي التأثير علي إنتاجية العنصر البشري سواء من خلال زيادة أعداد المصابين أو الخسائر بالوفيات علي المدي البعيد نتيجة عدم تقديم الخدمة الطبية أو الإسعافات اللازمة في الوقت المناسب حتي في حالة الإضرابات الجزئية.. وكذلك الحال بالنسبة للاضرابات في مرفق القضاء ـ الذي قد يؤدي إلي التأخير في الحصول علي المنافع أو التعويضات علي سبيل المثال للمستثمرين مع جهات حكومية وأيضا بالنسبة لاضراب عمال المصانع وما يترتب عليه من نقص في الايرادات نتيجة توقف حجم الإنتاج اليومي وبالتالي تراجع المبيعات علي الرغم من ثبات التكاليف بما فيها أجور العمال فالقانون يسمح بحصولهم علي الأجور حتي في حالة الإضراب بل أنهم قد يطالبون بحوافز.
ولا شك أن مدي وخطورة وتأثير الإضراب من الناحية الإقتصادية أمر يتوقف علي مدة الإضراب فالخسائر تكون أقل في حالة قصر المدة كما هو الحال في إضراب البنوك. والمشكلة تكمن ـ كما يضيف د. حمدي عبد العظيم ـ في أن هذه الممارسات تأتي في وقت صعب نعاني فيه من نقص في موارد الدولة من كل مصادرنا سواء من الداخل أو الخارج.. لذلك فالأمر يتطلب تحديد جدول زمني يتم الالتزام به للاستجابة للمطالب لتفادي الآثار الإقتصادية الناجمة عن هذه الممارسات السلبية وكذلك التنظيم الآمن للإضرابات بحيث لا يكون كليا فيتحول الأمر إلي كوارث لا نعلم مداها الأن..
الأهرام