لا تحرقوا الوطن
بقلم: د. السيد البدوي شحاتة
نؤمن يقينًا أن الوحدة الوطنية كانت ولا تزال وستظل حجر الزاوية في أمن وسلامة واستقرار الوطن.. ولعلها أعظم إنجازات ثورة 1919 التي امتزجت فيها دماء المسلمين والأقباط وهي تروي حرية مصر واستقلالها وارتفعت الأعلام وهي تحمل الهلال معانقاً الصليب، ورددت الملايين شعار »الدين لله والوطن للجميع«، وكما قدم الأقباط المئات من الشهداء في معارك ثورة 1919 قدم الأقباط أيضاً الشهداء في ثورة 25 يناير.. لم يفرق رصاص الغدر في ميدان التحرير بين صدور المسلمين والأقباط، لم تكن الدماء التي سالت تحمل صبغة طائفية، ولكنها كانت دماء مصرية ذكية، لم يرفع في ميدان التحرير وكافة ميادين التحرير في شتي أنحاء الوطن أي شعار طائفي.. لم يرفع مصحف أو إنجيل، ولكن توحد الجميع تحت راية واحدة هي علم مصر، ووحدهم عشق الوطن الذي نعيش علي أرضه منذ آلاف السنين.. أراد شعب مصر بمسلميه وأقباطه الحياة الحرة التي ينعمون فيها بالعدل والمساواة والمواطنة فاستجاب القدر وسقط النظام.
وبدأت الصورة الجديدة للأمة المصرية تتغير وتتشكل، تلوح فيها أضواء الأمل لأمة تحاول النهوض من جديد لتصنع مستقبلاً يستحقه المصريون جميعاً.. ولكن الفتنة استيقظت.. أيقظها أعداء الوطن والجهلاء المتطرفون الذين يجهلون صحيح الدين الإسلامي، وصحيح الدين المسيحي.. الذين يجهلون أن الدين لله والوطن للجميع.. الذين يرفضون حرية الفكر وحرية العقيدة.. الذين لا يعلمون أننا شعب واحد يعتنق دينين، وأننا مصريون قبل الأديان ومصريون بعد الأديان، وسنظل مصريين علي مدي الزمان.. الذين لا يعلمون أن المواطنة لابد وأن تكون أساساً لكافة الحقوق وكافة الواجبات، لا فرق بين مصري ومصري علي أساس الدين أو الجنس أو اللون.. أقول هذا وأنا أتابع ويتابع الرأي العام تداعيات الأحداث الإجرامية التي شهدتها إمبابة والتي قد تكون مقدمة لأحداث أخري إذا لم ننتبه جميعاً.. لاشك أن أقباط مصر قد عانو كثيراً خلال الثلاثين عاماً الماضية، عانوا الإقصاء والتهميش والحرمان من حقوقهم وشاركهم في ذلك أشقاؤهم في الوطن من المسلمين، وقد آن الأوان بعد أن استرد شعب مصر وعيه أن تسود قيم المواطنة والعدل والحق والحرية والمساواة.
إن ظلال الفتنة تحاول أن تفرض السواد علي كل أركان الصورة الجميلة التي صنعها شعب مصر يوم 25 يناير.. نري ذلك يوماً بعد يوم ونحاول التمسك بالعقل والحكمة والأمل والضوء ليدفع عنا كوارث محققة، إما نصنعها بأنفسنا أو ننساق كالذبائح علي يد متآمرين من الداخل والخارج.. إن ما يحدث ما هو إلا إشارة علي أن الجسد المستهدف ماهو إلا جسد الوطن بأكمله يستهدفه تطرف أعمي يذكيه إعلام يلهث وراء السبق والخبر دون أن يدري أن بعض الكلمات أشد فتكاً من طلقات الرصاص، وبعضها بنزين يؤجج نيران الفتنة.. تستهدفه منظمات عميلة ومشبوهة تحمل أجندة أمريكية صهيونية تمول بأموال أمريكية لتفتيت مصر وضرب استقرارها والقضاء علي ثورة شعبها.
لقد استعدنا جميعاً تملك وطننا.. أصبحت مصر ملكاً لشعبها مسلمين وأقباطًا، وأصبح في أعناقنا جميعاً أمانة النهوض به، والحفاظ علي وحدته وتماسكه.
تذكروا ما نسيناه ولم تمر عليه أسابيع.. تذكروا أن كل مذنب في حق الوطن يسعد اليوم خلف القضبان مقابل شهداء أحياء يتساءلون عن هذا الجنون الذي سيطر علينا بعد أن دفعوا هم ضريبة الدم من أجل حرية الوطن.
إن نصوص الأناجيل والمصاحف المرتفعة اليوم لن تكون إلا شواهد قبور لو تركنا المشاعر تشتعل والحل والربط في شارع يتآكل عقله يوماً بعد الآخر.
ويا أيها السادة في مقار الحكومة هذا نداء أخير منا لكم.. إن خطواتكم تتثاقل وخطوات التطرف والفوضي تتسع وقد يحدث مالا تُحمد عقباه.
في ختام الكلام أدعو الله دائماً أن يحفظ البلاد والعباد، وندعوه أيضاً أن يحفظ لنا قدرة العقل والتدبر فنكون لوحدتنا الوطنية راعين وحافظين.
بوابة الوفد الاليكترونية لا تحرقوا الوطن