لماذا يحقق الإخوان المسلمون النجاح في الانتخابات؟
بقلم: حسني الدمراوي
في البداية يجب التأكيد على أن نظام مبارك لعب دوراً محورياً في تقليص دور حركات وتيارات الإسلام السياسي عامة وجماعة الإخوان خاصة، بل أكثر من ذلك استخدمهم كفزاعة للغرب، وبقيت المشاركة السياسية الفاعلة للتيارات والحركات الإسلامية مقيدة دائماً بسبب الطابع السلطوي لأنظمة الحزب الوطني المنحل،
وعلى الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن ملهِمة للثورة المصرية كما لم تكن رائدة لها، إلا أنها سارعت للالتحاق بركب هذه ثورة 25 يناير وانخرطت فيها، وسعت لاستثمارها بمشاركة سياسية حقيقية في السلطة التي حُرمت منها منذ عقود طويلة. ومن المنتظر أن تحقق فوزاً كبيراً في الانتخابات التشريعية الحالية في مصر... والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً لماذا يحقق حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين هذا النجاح في الانتخابات البرلمانية الحالية؟
أولاً: اكتسبت الجماعة خبرة وحنكة سياسية من خلال التجارب التي شاركت فيها بدايةً من الانتخابات البرلمانية عام 1984 والتي أجريت بموجب نظام القائمة الحزبية، حيث تحالف الإخوان مع حزب الوفد الجديد وفاز التحالف بـ58 مقعداً. وفي عام 1987، انضم الإخوان إلى حزبي العمل الاشتراكي والاشتراكي الليبرالي في تحالف حصل على ما مجموعه 78 مقعداً، 36 منها لممثلي الإخوان. وقاطعت جماعة الإخوان والعديد من جماعات المعارضة الأخرى انتخابات العام 1990، ومنذ العام 1995 طرحت الجماعة مرشحيها كمستقلين هذه التجارب أكسبت الجماعة خبرة تراكمية في كيفية إدارة العملية الانتخابية هذا العام من خلال تكتيكات التحالف مع بعض القوي وكذلك المشاركة أو الامتناع عن المشاركة في بعض الأحداث والمليونيات وموقفها من المليونية الأخيرة التي كان هدفها إسقاط وثيقة المبادئ فوق الدستورية وموقفها الحالي من المجلس الاستشاري خير دليل على ذلك.
ثانياً: فطنت الجماعة للتحولات الجذرية التي حدثت للمواطن المصري بعد ثورة 25 يناير وأيضاً لطبيعة المطالب التي رفعتها هذه الثورة التي كانت الجسر للوصول للسلطة، فنجدها تعلن تأييدها لمدنية الدولة لرأب الصدع الذي حدث بينها وبين الأقباط أثناء الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس الماضي لجمع أكبر عدد ممكن من أصوات الأقباط، كما روّجت لطبيعة النظام السياسي المنتظر ليكون برلمانياً رئاسياً لتقليص سلطات رئيس الجمهورية.
ثالثاً: ركز الإخوان في برامجهم على الشباب من خلال التقرب من أفكارهم وطموحاتهم، وذلك لكسب شعبيه بينهم مثلما كانت موجودة أثناء مظاهرات ميدان التحرير في أيام الثورة والتي أصابها الخلل أثناء الاستفتاء، خاصة أن أغلبية شباب الثورة كانوا يرفضون التعديلات الدستورية، في الوقت الذي كانت الجماعة تتصدر فئة الموافقين عليها، ومثل هذه النقاط لم يكن يلتفت إليها الإخوان بشكل كبير خلال أي انتخابات سابقة، ولكنها وجدت أنها ضرورية الآن لتواكب المتغيرات التي حدثت في البلاد.
رابعاً: تعد فروع مكاتب الإخوان المنتشرة في محافظات مصر مقصداً لكثير من المواطنين المصريين البسطاء أو كما شبه هذه الفروع الكاتب الأمريكي نيكولاس كريستوف في مقال له نُشر مؤخرا في صحيفة النيويورك تايمز بوكالات للخدمات الاجتماعية، حيث يتوافد عليها المواطنون لطلب الإعانات سواء كانت نقدية أو عينية.. ومن ناحية أخرى يتجه آخرون لهذه المقار لحضور محاضرات يتصدر لها أقطاب الإخوان، وخلال هذه اللقاءات يتم بث الفكر الإخواني في وجدان نسبة كبيرة من المواطنين.
خامساً: لا يختلف اثنان على أن الشعب المصري من الشعوب المتدينة ويلعب الدين دوراً مهماً في وجدان هذا الشعب؛ وبالتالي يعتقد بأن المرشح المتدين غير فاسد لا يقبل الرشوة، فضلاً عن معاناة المواطن المصري طوال الثلاثين سنة الأخيرة من الفقر والقهر بسبب فساد وسلطوية الحزب الوطني المنحل تحت شعارات مدنية وعلمانية الدولة، ومما لا شك فيه بأن هذه السنوات الطويلة أخذت من رصيد كل التيارات المدنية والعلمانية، فكان قرار معظم الشعب هو تجربة الاتجاه الإسلامي لعل وعسى يحقق ما فشلت فيه التيارات الأخرى، وفي حالة نجاح التجربة الديمقراطية سيكون لدى الشعب الأداة التي تسقط هذه التيارات الإسلامية في حالة فشلها أو عدم تحقيقها المطلوب سيتم إسقاطها في الانتخابات القادمة.
سادساً: إضافة للعوامل الخمسة السابقة لا يمكن إنكار أن القدرة التنظيمية الجبارة التي يتمتع بها الإخوان كان لها الدور الأكبر في تحقيق هذا النجاح، ولتقريب الصورة أكثر نجد أن المنافسين من التيارات العلمانية والمدنية والثورية متشرزمة ومنقسمة وتتسم النخب التي تتحدث باسمها بالتلون والانتهازية والتخوين.
وفي النهاية أعتقد بأن انتخاب رئيس جمهورية مدني بجانب وضعية الجيش في النظام السياسي المرتقب والتي يسعى لاستمرارها كما هي منذ 1952، إضافة لنضوج القوى الثورية الناشئة وتكامل الشرعية الثورية مع الشرعية البرلمانية سيُحدث توازناً في النظام السياسي المصري يضمن الاستقرار للعبور للمرحلة التالية الأكثر نضجاً في الممارسة الديمقراطية.
-------
بقلم: حسني الدمراوي
باحث سياسي مصري
بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - لماذا يحقق الإخوان المسلمون النجاح في الانتخابات؟