حركة عدم الانحياز .. تجمع هلامي ومهرجان سياسي
جمال أمين همام
شبكة محيط
حركة دول عد الانحياز التي احتفلت بانعقاد قمتها السادسة عشرة في طهران وبمرور قرابة ستين عاماً على تأسيسها , لم تستطع التأثير في حركة التاريخ , ولم تظهر كلاعب مهم على الساحة الدولية قياساً بعمرها الزمني وعدد الدول الأعضاء الذين ينتسبون إليها فهي تضم قرابة 120 دولة , إضافة إلى 18 دولة بصفة مراقب وأيضا 10 منظمات دولية وإقليمية بالصفة نفسها .
منذ أن ظهرت الحركة بحضور وتوقيع 29 دولة عام 1955 م , في مؤتمر باندونج الشهير , وكذلك انعقاد أول قمة لزعماء هذه الدول في بلجراد عام 1961 م , مروراً بـ 15 قمة انعقدت من قبل , ومؤخراً استضافت طهران القمة الـ 16 , ظلت هذه الحركة أقرب إلى المهرجانات السياسية تظهر بمناسبة انعقاد قمتها الدورية كل ثلاث سنوات لكن دون تأثير يذكر على الساحة الدولية , فرغم أنها تشكلت بنوايا حسنة من الزعماء التاريخيين لها في ذلك الوقت وهم رئيس الوزراء الهندي جواهر لآل نهرو , والرئيس المصري جمال عبد الناصر , والرئيس اليوغسلافي تيتو , إلا أنها لم تبدأ حركة فاعلة ، بل لم تكن هناك نية لتفعيلها بقدر ما كانت رغبة من الزعماء الثلاثة في لعب دور يتناسب مع طموحاتهم الإقليمية والدولية آنذاك و استثمار ظروف الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي , والدليل على ذلك مبادئ الحركة العشرة التي وردت في ميثاق تأسيسها ما هي إلا عبارات هلامية مطاطية لا تحمل مواقف محددة أو تؤسس لظهور تكتل عالمي مؤثر , ولا تشير إلى النية في التعاون الاقتصادي أو العسكري أو حتى السياسي , فهذه المبادئ تندرج تحت التمنيات , فليس من بينها تكوين سوق مشتركة مثلاً , أو آلية لحل قضايا العالم الثالث أو الدول التي كانت تعتبر نفسها غير منحازة والتي كانت في الحقيقة منحازة أو واقعة تحت تأثير الاستقطاب الغربي أو الشرقي بما فيها الدول الثلاث التي أسست الحركة .
لم تشعر شعوب الدول الأعضاء بوجود هذه الحركة خلال الستين عاماً الماضية رغم التحولات والتحديات التي واجهت العالم منذ النصف الثاني من القرن العشرين خاصة الأحداث التي تعرضت لها الدول الأعضاء , فعلى المستوى الاقتصادي ظهرت تكتلات كبرى وتشكلت تجمعات من قوى تقليدية وأخرى ناشئة لكن لم نسمع عن دور لهذه الحركة في هذه التكتلات أو حتى مجرد الرغبة للدخول في أي تجمع اقتصادي خاصة أنه يعيش في دولها أكثر من 55 في المائة من سكان المعمورة , ومازالت صادراتها تمثل أقل من 20 في المائة من الصادرات العالمية , فيما تقل وارداتها عن 15 في المائة من الواردات العالمية , والكثير من الدول الأعضاء تئن تحت وطأة الديون الثقيلة , رغم أن هناك بعض دول الحركة مصنفة ضمن القوى الناشئة لكن لم تأخذ بأيدي الدول الغارقة في الفقر , والمرض , والجهل , والديون , والانقلابات العسكرية , والفتن الطائفية والمذهبية والعرقية.
وعلى المسرح السياسي لم تلعب هذه الحركة أي دور فاعل وإن ادعت غير ذلك , ففي وجودها نشبت الكثير من الحروب التي استهدفت دولها , كما ضاعت بعض الدول وتبدلت الكثير من الأوضاع بفعل مباشر من المعسكرين الشرقي والغربي وما حدث في فلسطين , الصومال , العراق , أفغانستان , السودان , اندونيسيا وغيرها ليس ببعيد في حين اكتفت الحركة بمواجهة هذه الكوارث بمهرجان سياسي كل 3 سنوات تحت مسمى قمة دول عدم الانحياز , ويكون هذا المهرجان فرصة لتمرير الدعاية للدولة المستضيفة أو لنظام هذه الدولة , مع الاكتفاء ببيان ختامي يتكرر نصه تقريبا عند نهاية كل قمة مع تغيير التاريخ وعاصمة الدولة التي يصدر فيها , وقياساً بما حدث خلال تاريخ هذه القمم يريد النظام الإيراني الاستفادة من هذا المهرجان السياسي في دورته الحالية وطيلة دورتها الجديدة لكسر عزلته التي فرضها عليه العالم بسبب البرنامج النووي , وتريد إيران أن تضفي الشرعية على دورها المنحاز لنظام بشار الأسد في سوريا وأن تعتبر قتل أبناء الشعب السوري هو الحق والعدل وأن الشعب الثوري الثائر على نظامه المتآكل هو مجرد إرهابيين ومدسوسين وعملاء لأنظمة خارجية ! .
سوف تخطأ الحركة في حق دولها وحق نفسها عندما تبرر القتل وتشرعن المجازر في حق الشعوب الآمنة وتعطي صك البراءة للقتلة والأنظمة المتسلطة المعادية للسلام والأمن الوطني والإقليمي كما أخطأت كثيرا من قبل ومازالت تخطيء .