لماذا لا يتحول ميدان التحرير إلى هايد بارك رسمي ؟!
رغم غضب الكثيرين من اقتراح رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق بتحويل ميدان التحرير إلى ما يشبه حديقة هايد بارك الشهيرة في لندن ليكون رسمياً مكاناً للتظاهر والتعبير عن الرأى بحرية ، والغضب ليس للفكرة ولكن لقوله أنه مستعد لتوزيع البون بوني على الشباب وتوزيع الشاي والكيك عليهم .
كتب : محمد شعبان
وبعيداً طبعاً عن المعنى الذى فهمه الكثيرون بأنه تقليلاً من مطالبهم وجديتها .. لكن لماذا لا يتم تطبيق هذه الفكرة بالفعل ويتحول الميدان بشكل أو بأخر إلي هايد بارك ؟!
منذ تسعين عاما تقريبا احتضن هذا المكان أكبر تجمعات ثورة 1919 حيث احتشدت فيه أعداد غفيرة للمطالبة بالحرية ولذلك سمي منذ ذلك التاريخ باسم ميدان التحرير وفي ثورة 1952 التقي فيه الشعب قيادات الجيش الذين انقلبوا علي النظام الملكي .. وفي ثورة يناير احتضنت ساحته مسيرات مليونية للمطالبة بالتغيير إنه فعلا ميدان التحرير الذي أصبح اسما علي مسمي .. لكن علي الجانب الآخر هناك مشكلة وهي أن الميدان يمثل عقل الدولة الذي يحتوي مجلسي البرلمان ومجلس الوزراء والفنادق والمتحف المصري والوزارات والمصالح الحكومية والبورصة والبنوك .. أي أن الحياة الاقتصادية تتعرض للشلل مع إغلاق هذا الميدان مما يؤدي لخسائر يومية فادحة تقدر بملايين الدولارات لذلك لجأنا إلي خبراء التخطيط العمراني في محاولة لوضع تصور لما يمكن أن يكون عليه ميدان التحرير بحيث يتيح للمواطن أن يعبر عن رأيه بحرية دون أن يكون للرأي فاتورة حساب تدفعها الدولة نتيجة تعطل الحياة في الميدان .. فكان هذا التحقيق .
حسب بعض التقديرات فقد شهد ميدان التحرير خلال العامين الماضيين وقبل ثورة يناير أكثر من مائتي اعتصام حيث التفت حوله الكثير من الفئات للمطالبة بحقوقها منها العمال والموظفون المؤقتون كما احتشدت به العديد من المسيرات الكبيرة المناهضة للنظام السياسي السابق .. وفي ثـــورة يناير شهد التحرير تدفقات تقـــــدر بالملايين . ولن تتوقف المسيرات في الميدان بل إنه تحول إلي ديوان للمظالم والشكوي من الأوضاع ..
يقول الدكتور أحمد صلاح أستاذ التخطيط العمراني في كلية الهندسة بجامعة عين شمس : لا شك أن ميدان التحرير يعد واحدا من الميادين التي تتمتع بعبقرية كبيرة في التخطيط والتصميم لكنه للأسف لم يحسن توظيفه عندما قامت الدولة بتركيب جميع أنشطتها الاقتصادية عليه فهو بؤرة اقتصادية كبيرة ولذلك فإن شلل هذا الميدان يؤدي بطبيعة الحال إلي شلل النشاط الاقتصادي للحكومة بمعني أن الميدان يحيط به عدد هائل من الوزارات والمصالح الحكومية ومجلسا الشعب والشوري والمتحف المصري فهذه إذن كارثة كبيرة .. وعندنا دراسة في هندسة عين شمس حذرنا فيها من هذا التكدس خاصة عندما بدأنا نري المظاهرات في هذا المكان ومثل هذه الميادين التي تتحول لهايد بارك لممارسة حرية الرأي في الدول المتقدمة تكون دائما خالية من أي نشاط اقتصادي حيث تتحول إلي ساحة رأي وتمتلئ بالكافيهات والمقاعد والمظلات ولذلك فإن المظاهرات والتجمعات تحدث ولكن دون أن تضر بالاقتصاد القومي لأنها بعيدة عن عصب الاقتصاد لكن تكدس هذا الكم من المصالح ومع مناخ حرية الرأي الذي ساد في مصر وتراجع هيبة الدولة داخل ميدان التحرير فإن هذا سيؤدي في المستقبل إلي أضرار جسيمة .
وعما إذا كان من الممكن أن تقوم الدولة في المستقبل بمحاولة لكبت هذا الميدان ببناء كباري عليه وتضييقه يضيف الدكتور صلاح : من الصعب التعدي علي الشكل التخطيطي للميدان خاصة أن شبكة مترو الأنفاق تمر أسفله ولذلك لا يمكن البناء عليه علي الإطلاق وإنما سيظل هكذا فارغا وبالتالي إذا كان سيتحول إلي ساحة للثورات فإنه يكون من الضروري أن تقوم الدولة بتفريغه من المنشآت الهامة ونقلها لمكان آخر وإلا سنتعرض لضربات اقتصادية مع كل فورة رأي ومثل هذه الميادين الطولية تتحول في العالم كله إلي ساحات ترفيهية وسياحية وليس مكانا اقتصاديا وسياسيا بهذا الثقل فهناك إذن سوء استغلال كبير جدا إذن نحن نحتاج لمراجعة كبيرة في هذا الشأن .
ويضيف الدكتور سامي أمين عامر عميد كلية التخطيط العمراني سابقا بجامعة القاهرة : ميدان التحرير في الأربعينيات والخمسينيات كان عبارة عن مركز المدينة أو town centre وكان شكله منظما وهادئا وجميلا وكان بما يحمله من مؤسسات ومراكز حكومية يتناسب مع عدد وكثافة السكان لكن الآن الوضع مختلف للغاية حيث إنه يلزم توزيع الأنشطة الاقتصادية القائمة به في أماكن أخري حتي لا تحدث خسائر مهولة في حالة الطوارئ جراء تعطيل مصالح الدولة فميدان التحرير أشبه بعقل الدولة الذي يتعرض للشلل في حال توقفه عن العمل إذن هذا الميدان لم يعد صالحا بوضعه الحالي لأنه حتما سيشهد تظاهرات فيما بعد وإذا تم تحويله لهايد بارك بالمعني المعروف للمصطلح فإن ذلك سيحتم تحويله لمكان ثقافي بحيث يتم إحياء الطابع الثقافي فيه علي أن يتم مد نفق من أسفله لعبور السيارات وهذا جائز تماما في التخطيط الهندسي بحيث يجاور هذا النفق مترو الأنفاق وهنا تتحقق السيولة في الحركة كما يستلزم الأمر تغيير مسارات الحركة في الشوارع الجانبية ويعاد النظر في تخطيط الميدان بحيث أنه لو حدثت طوارئ تتحرك الحياة بسهولة ولكن الوضع الحالي أحدث حالة من الشلل التام في شرايين القاهرة إذن لازم يكون هناك حركة سفلية وليست سطحية في التحرير . [/center]
بوابة الشباب