ا جمال فتحي يكتب:
عفريت.. أمن الدولة
بصراحة لست ممن يؤمنون بوجود ما يسمى بالعفاريت ومنذ أيام طفولتى الأولى كنت دائم التشكيك فى الحكايات والروايات والخزعبلات التى تحكى عن أمور خارقة للطبيعة ومنافية للمنطق والواقع ،رغم أن عفريت سعاد المحروقة ظهر لى أنا شخصيا وكنت فى تالتة إعدادى وذلك اثناء عودتى للبيت فى إحدى ليالى الشتاء المعتمة بعد انتهاء سهرة مذاكرة مع الأصدقاء فى بيت أحدهم ورغم أن وقتها كان شنبى قد بدأ يرسم حدوده على وجهى كمؤشر واضح على رجولة قادمة بقوة فقد أطلقت ساقيى للريح حيث لم يكن فى الشارع بأكمله إلا أنا وبسلامته العفريت.. ولكنى ملت بعد ذلك إلى تفسير أحد الاصدقاء بأن ما رأيته كان مجرد وهم وخيال نشأ من كثرة سماعى لقصة سعاد التى أحرقت نفسها بعد يأسها من العثور على عريس مناسب وكانت قد شارفت على الاربعين ..
لكننى أجد نفسى اليوم ميالا بقوة وبعد مرور كل هذه السنوات إلى تغيير قناعاتى وإعادة النظر فى مسألة العفاريت دى، فبالتأكيد قد سمعنا وعلمنا جميعا برواية الناشط محمود شعبان عضو حملة دعم البرادعى الذى روى وأقسم ولاأظن أن له مصلحة فى تأليف ذلك أن مجموعة من رجال الأمن والمخبرين رصدوه أثناء عودته لبيته بعد إفطار جماعى لإعضاء الحملة حيث اختطفوه إلى مكان مجهول وربطوا عينيه ويديه ومارسو ضده أشكال من المعاملة غير الآدمية تشير إلى طبيعة أصحابها بوضوح ثم ألقوه بعد تحقيقات مطولة وتهديدات واستفزازات على الطريق الصحرواى مع وعد بلقاء جديد هو كافة النشطاء من أمثاله
فهل من الممكن أن يكون هؤلاء هم عفاريت رجال أمن الدولة الذى احترقت مقاره وقضت عليها النيران ؟ وهل هناك رابط تاريخى بين الاحتراق وطلوع العفريت بعد فترة أم أن يكون التفسير الأقرب للصواب هو أن يكون عفريت أمن الدولة قد ظهر فعلا لمحمود شعبان وتلاعب به ودوخه ولكن كان هذا فقط فى خيال محمود ؟
مما يمكن اعتباره هواجس قديمة ومخاوف وجدت طريقها إلى الخروج على شكل كابوس مرضى .
الحقيقة أن الأمر معقد ويزيده تعقيدا النفى القاطع لأية علاقة بين الحادث ووزارة الداخلية والذى سارع المتحدث باسم الوزارة بتقديمة ليجعل من الفزورة فزورتين فمن هؤلاء الذين يعملون فى خدمة أمن مصر ولا تدرى عنهم الداخلية شيئا ؟!، وفى هذا السياق يجب ألا يدعى أحد أن هؤلاء مخابرات مثلا ،لأنه ببساطة ليست هذه هى طريقتهم كما أن أخلاقهم أفضل من كده شوية فعلى الأقل كانوا يأتون بإفطارللشاب الصائم بدلا من إذلاله والاستهانه بصيامه والسخرية منه ووصفه بالعلمانى باعتباره زنديقا لا صيام له .
وإذا كان هذا يحدث الآن وعلى بعد شهور قليلة من الثورة والميدان ومن إعلان حل جهاز أمن الدولة بوضعه وطريقته القديمة ومهامه المعروفة فما الذى يمكن أن يحدث بعد سنة أو أكثر ..؟
هذا كله فى الوقت الذى تعرض فيه مواطن مصرى آخرهو د. أبو بركه مستشار حزب الحرية والعدالة القانونى إلى مناوشة مجموعة من الأبالسة قرب وزارة الداخلية أثناء عودته أيضا إلى بيته بعد الانتهاء من تسجيل برنامج تليفزيونى حيث تتبعوه بسيارة ملاكى وتعدوا عليه بأشكال مختلفة وتركوا على جسده علامات تدل على وجودهم فى الواقع فهل كانت تلك أيضا تخيلات أو كوابيس طاردت المستشار فى أحلامه
لأ طبعا هى وقائع تعود بنا جميعا ورغما عنا إلى ذكريات الماضى الجميل!
أنا أخشى أن تعود ريما لعادتها القديمة والتى لا تعرف غيرها للأسف ..فالطبع يغلب التطبع ولا أظن أن تغيير المسمى من أمن الدولة إلى الأمن الوطنى سوف يعدل المايل ،كما لا أظن أن سياسة دفن الرأس فى الرمل سوف تفيد بعد ذلك أى طرف ،وأقولها من البداية لابد أن يوضع هذا الحدث تحت الميكروسكوب وأن يلتفت إلى دلالاته وإلى حجم تأثيره على سمعة ومصداقية المسؤلين عنه فلم يعد ولن يكون مقبولا بعد ذلك أن تتكرر مثل هذه الشيطنة والأبلسة من شوية عفاريت قضت على مستقبلهم الثورة وأحرقتهم آيات الحرية والكرامة ..
نصيحتى لكم يا حبابيى يا حلوين وانتم عارفين نفسكم ..بيتك ..بيتك يا كتاكيت . وخبى ديلك يا عصفور.. لأن الثورة ما بترحمش ..
الدستور الاصلى