عندما أشار جمال مبارك بعلامة النصر..؟! بقلم - دكتور أسامة أبو طالب:
لحظة قصيرة خاطفة شدت انتباه كل من تتبعوا محاكمة الرئيس المخلوع وولديه عند خروجهم من قفص الاتهام راجعين لمحابسهم للمرة الثانية، لحظة عبرت سريعاً لكن توقف عندها كافة المتتبعين للمحاكمة أو من رأوها لاحقا كي تبدأ التفسيرات والتأويلات عما كان يقصده مشروع الطاغية الأصغر الغر المتغطرس، لحظة سوف تظل في ذاكرتهم لن تبرحها بسهولة الى أن يتبينوا ماذا قصد بها تماما حينما تكشف الأيام عن تفسيرها الذي بدأ يتضح بالفعل، تلك هي اللحظة التي رفع فيها جمال إصبعيه الأوسط والسبابة مشيراً بعلامة النصر وكأنه يعد أنصاره وثقاً بالعودة المؤكدة بعد أن يرد إليه عرش أبيه وملك بلد ظل يحلم ويعمل دائبا وبكافة الطرق والوسائل أن يؤول إليه حتي يصبح كفرعون موسى الذي ذكر القرآن الكريم قوله المتجبر «يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون» «الزخرف 51».
بعض أصحاب هذه التفسيرات نظروا إليها باعتبارها حركة مضطربة - صدرت من حلاوة الروح - لمتخبط مغرور يتشبث بها مدارياً حرج موقفه وعاره وخزيه أمام عيون أنصار لا يزالون يتبجحون بتأييدهم إياهم ومحبتهم لهم لدرجة أنهم سموا والده الطاغية المخلوع «بابا»، ولديهم كثير من الحق لأنهم ورثوا منه كذبه وفساده وطغيانه مع مكابرة وجهل وعناد أوردوا الوطن موارد التهلكة علاوة على ما سمح لهم بسرقته واغتصابه فلماذا لا يهتفون له ولماذا لا يستميتون في عودته مادام قد سمح لهم - على خلاف عادة الثورات - أن يفتحوا أفواههم وأن يجأروا بالخيانة وبها يتفاخروا؟!
وفي المقابل كان هناك من نظروا إليها باعتبارها حركة عفوية صدرت عن اللاوعي المريض من متغطرس مخذول متعطش للانتقام فأفلتت منه غصباً كي يطمئن بها نفسه قبل أو يهديها الى أعوانه الذين يجاهرون بالولاء لهم كما يجاهر عتاة العاصين بالمعصية ويصر على ارتكاب الذنوب غلاة المذنبين.
وأخيراً كان من هناك من أخذ اشارة النصر الوقحة تلك مأخذ الجد وفسرها ليس باعتبارها مجرد تهديد مقصود ووعيد يدرك فاعله معناه جيداً، بل اشارة تدل على الثقة في نجاح فعل يتم تدبيره وأحداث قد تم التخطيط لها ووثق تمام الثقة من حتمية حدوثها ثم حدثت بالفعل - أو توالى حدوثها لاحقا - حينما زادت وقائع البلطجة وتجددت كوارث الاعتداء على المواطنين الابرياء العزل وأقسام الشرطة واصابة أو استشهاد بعض جنودها وضباطها، وكأنما يريد المتربصون والمحرضون والمهيجون ومشعلو الحرائق القدامي أن يذكرونا بوجودهم وأن يؤكدوه بالفعل وليس بمجرد القول الذي انطلق من بعضهم فجأة، حين انبرت أصوات أكثر من «غول» تهدد وتنذر بأنها لن تصمت أمام تطبيق قانون الغدر، وأن هجوماً لقبائل وعائلات الصعيد التابعة لفلول الحزب الوطني لن يقدر على التصدي لها أحد!
بل زاد أحدهم على ذلك وزعم أن دماء سوف تسيل وحرائق سوف تشتعل إذا ما تقرر ذلك، فيما يودون إظهاره بكونه استنفار قوة زعموا أن قوامها ثلاثة ملايين عضو ينتمون للحزب الفاسد المنحل سوف لا يقفون مكتوفي الأيدي أمام أية محاولة لتجريمهم، وهو زعم جدير بالأخذ في الاعتبار والتيقظ له بالفعل لو كنا جميعاً: كتلة شعبية غير متحزبة طال قهرها وإذلالها وتجويعها، وقوات مسلحة تتولى «ادارة» الوطن في أزمته، وأحزباً قديمة وأحزابا وقوى جديدة تفجرت من رحم الثورة - حتى ولو كانت لاتزال لم تهتد بعد الى برامج محددة أو طريق واضح للعمل - فإن لديها جميعاً قناعة أكيدة بضرورة الحفاظ على ما تحقق وشرعية الدفاع عنه، كما أن لديها مطلق الحق في المطالبة بتجريم عودة الفاعلين المنتمين الى الحزب الفاسد عن وعي متعمد وإدراك، وإقرار تحريم السماح لهم بالمشاركة في الحياة السياسية لمدة خمس سنوات على الأقل حتي تستقر للوطن تجربته النيابية والحزبية النظيفة المخلصة.
أما لماذا «يجب» أن يكون تطبيق قانون الغدر على من ثبت إفسادهم للحياة السياسية في عهد مبارك وزبانيته فعلاً حتمياً واجب التنفيذ قبل انتخابات مجلس الشعب القادمة؟ فالسبب واضح تماما وهو أنه على فرض ان انتخابات نظيفة «اجرائيا» بمعنى الكلمة ونزيهة شكلياً بشهادة الشهود قد تمت، فإن ذلك لن يمنع مطلقاً أو يحول دون تسرب عناصر من النظام الفاسد ووجوه من نوابه ومتنفذيه في مجلس الشعب الجديد بالفعل، ذلك لأن الانتخاب الحر الديمقراطي ليس مجرد فعل «كمي» يهتم بسلامة اجراءات الانتخاب والعد السليم للأصوات فحسب، بل هو فعل قادر على مباشرة حرية التعبير «بوعي» وتحقيق حرية الارادة بعلم وعن معرفة، وهو ما لا يضمن تحقيقه تماما في التجربة الانتخابية القادمة ليس لكون هذا الشعب غير مؤهل للديمقراطية - كما سبق لرئيس وزراء غير نظيف أن رماه بذلك - بل لأن اختيار المواطن لمن يمثله وفق أسس موضوعية قوامها المصلحة العامة لا يحدث من فراغ ولا يتوصل الى تحقيقه إلا بفعل التوعية السياسية الشعبية النزيهة الدائبة، تلك التي تجعله يضن بصوت فلا يعطيه إلا لمن يتأكد من صلاحيته ولا يبيعه بأي ثمن أو يهديه تحت ضغط المجاملة او استجابة لعصبية القبيلة وخواطر العائلة، وهو ما لا يمكن التأكد من تحقيقه إلا بعد تنقية الساحة الشعبية من القوى المضادة والعوامل المشوشة.
هل يعني ذلك ضرورة تطبيق قانون الغدر إذن؟ بالتأكيد ولنعتبره وقاية ضرورية واحتياطاً مسبقاً واجباً لن تتم انتخابات حقيقية نزيهة بدونهما ولكن لا ينبغي أن يتم ذلك دون الاسراع بدراسته وترشيده وضمان ألا يحمل في طياته غدرا ببرئ أو اتهاما لغير مسيئ.. كما انه لا يمكن اجراء هذه الانتخابات في وجود مفسدين وبلطجية وأسلحة مهربة تحملها وتستخدمها أياد عابثة تنشر الترويع وتبث الخوف والذعر والترهيب، وكلها ضمانات أساسية سوف تضع حجر الأساس لاستقرار الحاضر وأمنه وضمان المستقبل وازدهاره، وبدون تحقيقها تماما باقتناع وامانة وعن ايمان سوف تصبح اشارة النصر التي رفعها الوريث المزعوم لفلوله المتربصة بداية النهاية بالنسبة لنا وعلينا ان نفهمها وأن نفسرها باعتبارها الدخان الذي يسبق الحريق والنذير الذي يسبق العاصفة وقد أطلقه ناقم موتور ينتظر أن يصبح - لا قدر الله - أول الشامتين!
بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - عندما أشار جمال مبارك بعلامة النصر..؟!